لست أدري ما الذي يدفعني اليوم لتذكر مواقف كانت لي مع أخي العالم الجليل الداعية صاحب المنهج الوسط، أذكرها لتكون عبرة للناس في زماننا الذي صار الناس فيه طرفين: الغلي والجافي،أما الوسط فعزيز برغم أن هذه الأمة هي أمة الوسط،إنه الشيخ عبد الله الأنصاري ابن قاضي مدينة الخور في قطر الشيخ إبراهيم الأنصاري-رحمهما الله تعالى-.
وإنني أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيد المسلمين إلى دينهم الحق، والتمسك بالوسط الذي جعله الله لنا شرعة ومنهاجًا، بقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)[البقرة:143].
ومنذ مدة مرَّ بخاطري عدد من إخواني الأفاضل، ومنهم الشيخ الأنصاري، وفي أثناء ذلك، تكرم واتصل بي الأخ الأستاذ عمر ناجي، وسألني عن الشيخ عبد الله، بعد أن اطلع على ما كتبت عن الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، وسمو حاكم قطر الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني، والشيخ محمد نصيف، وغيرهم من الأفاضل. فأجيبه وأقول:
**عملي في قطر:***
ذهبت إلى قطر أوائل سنة 1360هـ، وبعد تكليفي بإدارة إحدى مدارس الدوحة، الروضة القديمة، اتفق أن تعرف عليَّ في اليوم الثاني مباشرة صاحب السمو الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني – حاكم البلاد – وهو الرجل العالم. ووزير المعارف الشيخ قاسم بن درويش فخرو، وبتدخل مدير المعارف الأستاذ عبد البديع صقر – رحمهم الله – لأنني اعترضت على الكتب المقررة لدروس الدين، وامتناعي عن تدريسها في مدرستي أولاً، ونصحي بعدم تدريسها في كل المدارس ثانيًا؛ لأنها مؤلفة حسب طريقة بعيدة عن الأساليب العلمية المناسبة، في بلد يُنشأ فيه التعليم لأول مرة، وتعطى لطلاب الروضة والابتدائي، بعد أن يطلب من كل تلميذ أن يختار المذهب الذي عليه أهله مثلاً؟ أهو المالكي أو الشافعي! مع أن الأساتذة الذين جاءوا للتعليم، من طلاب مدارس علمانية، وأكثرهم من فلسطين، ولا يعرفون الفارق بين المذهبين، إن لم أقل غير ذلك.
وعدّلت الكتب بعد الاجتماع مع سمو حاكم البلاد، وفضيلة القاضي الشرعي العلامة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، وكان أن كلفت المستشارية بطبع الكتب المصححة مني في البحرين، ووزعت على المدارس.
وهذا الموضوع أوجد لي عند سمو الحاكم منزلة، حيث أُدعى أكثر من مرة في ا لأسبوع للجلوس مع سموه، حتى أصبحت شبه مستشار له في أمور كثيرة (والكلام عن ذلك يطول).
**زيارة الخور وفتح المدارس:***
وفي تلك الأيام ذهبت لزيارة مدرسة بلدة الخور مع الأخ الأستاذ موسى بن الشيخ حسن أبو السعود مستشار المعارف، وكان مديرها السيد روحي الخطيب الفلسطيني، وهو رجل طيب، ومدرس الدين العالم الفاضل الشيخ عبد الله الخليفي.
وكان في مدينة الخور قاضيها الشيخ إبراهيم الأنصاري، وهو رجل مسن ملئ علمًا وفضلاً، وكان شافعي المذهب. ودارت الأبحاث معه (وكنت على معرفة بسيطة بمذهب إمامنا الشافعي)، فوجد في كلامي بعض ما أعجبه، وأخبرني أن ابنه يدرس في دارين (من بلاد المملكة السعودية)، وأنه سيحضر خلال أيام ليكون في التعليم معكم في قطر.
ولم يمض سوى أسابيع حتى حضر الشيخ عبد الله وزارنا في إدارة المعارف، وسأل عني، وقمت بواجب تعريفه بسعادة مدير المعارف الشيخ عبد البديع صقر، والمفتش الأستاذ موسى أبو السعود، وباقي الموظفين، وتقرر أن يكون موظفًا في المعارف، تحت اسم: مدير الشؤون الدينية في المعارف.
وكان يومها شابًا (أصغر سنًا مني)، وله نشاط كبير، ودعوة للخير واضحة، وجرئ على أشياء لم يكن أحد يقدر على التعرض لها.
**الأمر بالمعروف:***
من ذلك أنه طالب يومها بمنع تقبيل ولمس الأنف، الأمر المعتاد في بلاد الخليج! مكتفيًا بالعناق السائد بين الناس في أكثر البلاد الإسلامية.
وكان لا يقوم بتقبيل أحد على أنفه سواء كان الحاكم أو العلماء الكبار، مما جعله موضع الإعجاب عند الكثيرين الذين لم يعتادوا ذلك.
ولم يكتف بذلك، بل أظنه ألَّف رسالة في الموضوع (ولم أجدها عندي الآن). وكنا ندخل معه بجدل (لطيف)، وأذكر أنني نقلت له يومها ما كان معروفًا عند بعض السلف ويمثله الشعر الذي كان متداولاً عند التابعين وقبلهم، وتمثل به سيدنا عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عن ابنه سالم:
يُديرونَني عَن سالِمٍ وَأُديرُهُم.. … ..وجِلدَةُ بين العينِ والأنفِ سالِمُ
واعتبر هذا منه – مع غيره من التصرفات الكثيرة – دليل خير منه عند الكثير من الأهالي، وموظفي الدولة في المعارف، وغيرها من الدوائر.
وكانت تصرفاته هذه مدار الحديث في مجالس القوم في البيوت والأسواق، في بلد ليس فيه صحف ولا مجلات. وفي إحدى المرات قامت دائرة الأشغال بنقل الماء المبتذل المتجمع من الأبنية، ويصب حولها في حفر متَّسعة، ونقل ذلك الماء لسقي الحدائق ذات المروج بين الشوارع والممرات ووراء المساجد. وكان الناس يصلون عليها، فأصدر بيانًا باسم (إعلان هام)، وطالب الناس باتخاذ حواجز للطهارة لتصح صلاتهم، وقوله هو الموافق لمذهب الشافعية الذي كان الأنصاري يتبعه. وإن كان هناك أمامه قول آخر عند الإمام أحمد بن محمد بن حنبل، وقول عند السادة الأحناف يبيح تلك الصلاة مع الرطوبة، وهذا من أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.
**تدريس العلوم الدينية في المدارس الثانوية:***
واقترحت على مدير المعارف أن يقوم الشيخ عبد الله بتدريس علوم الدين في المدارس الابتدائية الثانوية (الوحيدة)، وأن يؤم الطلاب ظهرًا في المدارس، إضافة لعمله، فوافق على القسم الأول، واعتذر عن القسم الثاني لارتباطه بإمامته في مسجد وسط البلد قرب بيته، وأظنه كان مسجد ا لأمير الشيخ خليفة بن حمد.
طلب العشائر فتح المدارس:
وجاءت وفود العشائر من أطراف قطر، وكل شيخ يطلب فتح مدرسة عند بيوته (ونصف البيوت كانت مضارب شعر)، والإقامة فيها غير تامة كل السنة، وإنما يذهب الأهل إلى البادية مع أغنامهم، وأولادهم. وطبعًا يراد أن يذهب المعلم معهم في خيمة تؤمِّنها له إدارة المعارف، وأن تصلهم كل يوم سيارة ماء (صهريج) من قبل متعهد ينقلها من مكان بعيد، ويدفع للطلاب مبالغ يومية!!
وكلفت بزيارة هذه المضارب، والاجتماع بأهل القرى مع فضيلة الشيخ عبد الله، وفي السنة الثانية كان معنا (بل يرأس بعثتنا) الأخ الدكتور عز الدين إبراهيم (المفتش العام).
وكانت الرحلات متعبة جدًّا، والسيارات من دائرة الأشغال التي تعطى لنا، ولكنها من النوع المقيد سرعتها بـ60 كيلومترًا في الساعة، وطبعًا لم تكن مكيفة، ونحمل فيها الطعام والشراب وبعض الحوائج. وكان الكثير منها يعد في بيت الشيخ عبد الله، وأكثر الأحيان لا نأكل ما أعددنا، بل نتركه للعربان في الطريق، لأن أهل الشمال كانوا أهل كرم وضيافة.
وأما في بلدة الخور حيث كنا نقيم فيها ساعات في الذهاب وفي العودة، وهي في منتصف الطريق بين الدوحة وقرية الرويس آخر قطر، وسكانها من سادة آل البيت النبوي رضي الله عنهم. فكان الطعام الأول عند والده الشيخ إبراهيم، وكان رئيس المحاكم الشرعية الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود عينه بعد عودته من بارين في منطقة الخور، وهي أكبر تجمع سكاني في قطر بعد الدوحة، للحكم في كل القضايا المستعجلة من تحرير الإقرارات، وتثبيت الشهادات، وإبرام عقود الزواج، وهذه كانت تسجل في قطر للمرة الأولى.
وبعد ساعات عند الصديق الوفي لنا جميعًا الشيخ عبد الله المسند شيخ قبيلة المهاندة، وبيته كان مفتوحًا لكل الناس، فضلاً عن بعثة المعارف.
وحدثت صلات قوية بيني وبينه ومع أولاده الشيخ ناصر والشيخ أحمد، وقد تكرموا بزيارتنا في سورية ولبنان، وتعرفوا على القيادات الإسلامية في سورية، مثل: الشيخ محمد الأشمر، والدكتور مصطفى السباعي، والأستاذ عصام العطار، ووالدي مصطفى الشاويش، رحم الله الجميع.
وأنشأنا المدارس في كل القرى الشمالية، وجمعنا بعض المضارب مع بعضها، وتم نقل الطلاب بواسطة السيارات.
وصادفنا بعض الإصرار خصوصًا من الشيخ محمد بن جاسم آل ثاني شيخ (قرية أم صلال محمد) بإدخال كل الأطفال في مدرسة أوجدها قرب بحيرة حفرها هناك، وأقام حولها مزارع من النخيل والثمار، حتى أنشأ معملاً لألياف النخيل يصدر الفراشي لتنظيف الخيل والحيوانات وطرش البيوت، ومما يستعمله عمال الدهان، ويصدّر ذلك للسعودية وغيرها.
وكان رجلاً يقارب التسعين من عمره، ولكنه كان قوي البنية والإرادة، وحججت معه ومع الشيخ عبد الله الأنصاري في إحدى السنوات مع سمو الشيخ علي، ووجدت منه عبادة مستمرة مع السؤال عن العلم والفقه رحمه الله.
ووجدنا كل التسهيلات من رجل الفضل الشيخ علي بن جاسم آل ثاني وأولاده في قريتهم (أم صلال علي).
**تسلمه شؤون القرى:***
وبعد ذلك تسلم الشيخ عبد الله إدارة شؤون القرى بما يخص دائرة المعارف وغيرها من دوائر الدولة، ونجح في ذلك نجاحًا واضحًا سنة 1385هـ/1965م.
ندوة المعارف:
وقد أقامت دائرة المعارف ندوة أسبوعية، وكلفت بإدارتها، وحاضر فيها عدد كبير من علماء البلاد، وكان منهم الشيخ عبد الله الأنصاري، ومدير الجوازات علي الأنصاري، ومدير المعارف الأستاذ عبد البديع صقر، والدكتور عز الدين إبراهيم، ومن كان يزور قطر من العلماء، مثل: الشيخ محمد سالم البيحاني، والشيخ محمد بن عبد الله آل عبد القادر، وعلماء آل المبارك، وعبد الحكيم عابدين، ومحمد سعيد الطنطاوي، وغيرهم.
وصادف أن اعترض على بعض ما يلقى فيها أحد وجوه قطر، ورددت عليه مخالفًا لرأيه المبني على العصبية، فما كان من الشيخ الأنصاري إلا أن قام ورد عليه مباشرة ردًا مفحمًا.
وقد استمر الشيخ عبد الله بعد ذلك في إقامة ندوات أسبوعية مماثلة لها في المساجد، أو المدارس، أو في بيته بصورة مستمرة.
وعندي دعوة منه لحفل أقامه الشيخ ضياء الدين رئيس الإدارة الدينية في طشقند أيام الاتحاد السوفيتي سنة 1392هـ. ولكن بقيت صلتي مع سمو حاكم البلاد الشيخ علي آل ثاني قوية جدًا، وعند تركي العمل طلب أن أذهب إليه في الحج بالبر (ولم يكن هناك طيران بين قطر والسعودية) إلا عن طريق البحرين بواسطة طيران الخليج بطائرات صغيرة جدًا، وأن أرجع معه من مكة ولم يكن الطريق معبدًا بعد إلى الدوحة، وعدنا بسيارته الخاصة.
**تسلمه إدارة الشؤون الدينية:***
وبعد ذلك تسلم الشيخ عبد الله المراكز الكبيرة في دولة قطر، ومنها إدارة الشؤون الدينية في وزارة التربية والتعليم، وأحيانًا كان يقوم بأعمال مدير المعارف لأشهر من السنة، وأصبح الرجل الأول عند سمو الحاكم الجديد الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، وعند إخوانه الأمراء، ومنهم معالي وزير الداخلية الأخ الشيخ خالد بن حمد آل ثاني حفظه الله.
وتسلم بعدها مركز إدارة الشؤون الدينية في دولة قطر، وقد توسعت كثيرًا وزاد من نشاطها ما جعلها أهم مراكز وزارة المعارف. وانبثق عن ذلك “إدارة إحياء التراث الإسلامي” التي تولى إدارتها حتى وفاته – رحمه الله – والتي تولت إحياء ما كان سابقًا في عهد سمو الشيخ علي بن عبد الله، بتوزيع الكتب الإسلامية على الدنيا، كما كنت المستشار لسمو الشيخ علي في ذلك وغيره. ويقوم العالم الجليل الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع باقتراح الكتب التي تطبع على نفقة سموه.
وقام الشيخ عبد الله بطبع وتصوير العشرات من الكتب وتوزيعها، وقمت بمساعدته في طبع ذلك في المكتب الإسلامي. وكان بيني وبينه تعاون جزئي في ذلك، وتوقف هذا التعاون فترات لأسباب ليست بدافع مني ولا منه، وإنما لظروف متعددة أصابتنا جميعًا، مع بقاء الأخوة عامرة بفضل الله علينا. ثم لتوسعه في الخلق الجميل المحمود.
**دعوته إلى المؤتمرات في قطر:***
وقد قام بالدعوة إلى عدد من المؤتمرات في قطر تخص العالم الإسلامي، ومنها المؤتمر الثالث للسيرة والسنة النبوية في شهر محرم 1400هـ/تشرين الثاني 1979م، وكان يشرفني بدعوتي لحضورها، وقد حضرت أكثرها، واعتذرت عن بعضها لأسباب قاهرة خارجة عن إرادتي. ومرة دعينا لقطر في أحد تلك المؤتمرات، ويومها انتخب الشيخ عبد الله الأنصاري رئيسًا للمؤتمر لتلك السنة في المؤتمر الخامس عشر للسيرة والسنة النبوية.
وقد جمع هذا المؤتمر بعض من ليس لهم في السنة والسيرة قول ولا فعل، وذلك بتأثير بعض من حول الشيخ يومها ممن لا همَّ لهم سوى الاستفادة المادية والدعائية من هذا العمل الكبير، وهم من موظفي المعارف الذين لا يعرفون شيئًا عن السنة والسيرة، وحرم من الدعوة إليه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، والأستاذ عبد الرحمن الباني، والدكتور عمر سليمان الأشقر، والشيخ محمد إبراهيم شقرة، والدكتور محمد لطفي الصباغ، وعدد من الذين يخدمون السنة النبوية! مع أنني اقترحت دعوتهم وغيرهم للحضور، وكان ذلك من عجائب الأمور.
ويومها ذهبت مجموعة (اختارها الذين أحاطوا بالشيخ) لزيارة سمو أمير البلاد الشيخ خليفة بن حمد. ولما لم يجدني معهم سألهم أين الشيخ زهير؟ وأين الشيخ الألباني؟ وسبق أن زارانا وهما يعملان في خدمة السيرة والسنة النبوية.
فقال له الشيخ الأنصاري: الشيخ زهير موجود غير أنه لم يحضر معنا الآن، والشيخ ناصر دعي ولكنه مرتبط بأعمال حالت دون حضوره (وهذا الكلام كان من ادعاء الذين عملوا مع الشيخ، ولم يصدقوه القول). وقال الشيخ خليفة: نحب الاجتماع بالشيخ زهير قبل سفره، وفعلاً كان لي لقاء خاص معه بحضور الشيخ الأنصاري.
**إمارة الحج:***
وقد تولى إمارة الحج القطري سنوات متعددة، وأمَّن للحجَّاج التطبيب والأدوية والنقل، والأماكن المناسبة في الحجاز، ويحمل معه الكتب والأموال للمساعدة، ثم أنشأ مسجدًا ومعه دائرة لتوزيع المصاحف والكتب الإسلامية، ومازال المسجد والمراكز حتى الآن في مكة المكرّمة والحمد لله.
وحججت مرة بعد وفاة الشيخ علي آل ثاني، ولم أكن مدعوًا للحج من قبل إدارة الحرمين الشريفين، حيث كنت أدعى من قبل سماحة مدير الحرمين الشريفين العلامة الشيخ سليمان بن عبيد، أو من رابطة العالم الإسلامي، التي كنت أُدعى مرات متعددة للنزول في مركزها، لأنني كنت من المؤسسين لها. ونزلت في فندق، وزارني الشيخ عبد الله الأنصاري – رحمه الله – وأصر عليَّ أن أنزل حملتهم القطري، لأنني أعتبر قطري الجنسية! غير أنني اعتذرت لارتباطي مع مجموعة أحج معهم.
وفي السنة الثانية وقبل الحج بثلاثة أشهر وصلتني دعوة من فضيلته، أن أحج – أنا ومن أحب – وأنزل في مراكزهم، وكتبت له شاكرًا معتذرًا. ولما زرت قطر مع سماحة الشهيد الشيخ حسن خالد – رحمه الله – وأخي فضيلة الشيخ طه الصابونجي، استقبلنا الشيخ عبد الله في بيته (الجديد يومها)، الذي يقيم به دروس القرآن الكريم، وأقام لنا حفلاً كبيرًا جمع العدد الكبير من أهل قطر والموظفين من الخارج، وفيهم الأخوة الأكارم فضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – وفضيلة الشيخ علي الخشان، والأستاذ خليل حمد، والداعية الشيخ إسماعيل الكيلاني، والأستاذ عمر عبيد حسنة – مدير مكتبة الشيخ علي ومدير مركز البحوث والدراسات – والأستاذ محمد الشافعي، والأستاذ فاروق عرب، والشيخ عبد الله الدباغ، وغيرهم.
وكذلك عندما زرت قطر ومعي أستاذنا الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في طريقنا إلى نجد والحجاز، أقام لنا احتفالاً كبيرًا جدًّا.
**صبره على المصائب:***
ومما أذكر من صبره وتوكله على الله سبحانه وتعالى، أنه يوم مرض والده الشيخ إبراهيم ونقل إلى مستشفى صغير كان في الدوحة قرب وزارة المالية الحالي، وكنت أزوره كثيرًا، وأجد الشيخ عبد الله عنده يقوم بخدمته شبه الكاملة برًا بوالده تأسيًا بقوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً)[الإسراء:23]، مع أن المستشفى على صغره، هيَّأ عددًا من الأطباء والممرضين لذلك.
ولما توفي والده الشيخ إبراهيم – تغمده الله برحمته – وجدته محتسبًا عند الله مصابهم الأليم، وحضرت مع سمو الشيخ علي حاكم البلاد للتعزية به، ومعنا العديد من العلماء، مثل: الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، والشيخ محمد بن عبد العزيز المانع، ووجوه البلد وكان صابرًا. ولما أصيب بنكبة وفاة زوجته الشهيدة السعيدة – إن شاء الله – رحمها الله بحادث بيتي أليم، تلقى ذلك أيضًا بصبر المؤمن المتمكن بما عند الله تعالى.
**الموسوعة الفلسطينية:***
وعندما صدرت “الموسوعة الفلسطينية” والتي نالت من الحكومات العربية الكثير من الأموال التي صرفت بدعوى الدفاع عن حق المسلمين العرب في فلسطين، ولكنها صدرت على غير ذلك تمامًا، وكتبت بفضحها كتابي: “الملحوظات على الموسوعة الفلسطينية”. فقام – رحمه الله – بشن حملة على “الموسوعة” معتمدًا على ما في كتابي “الملحوظات”، وقابل حاكم البلاد، وناقش الأخوة في وزارة التربية، ومنهم الأستاذ كمال ناجي، ومنع توزيع “الموسوعة” على المدارس.
وبعد أن وزعتُ الطبعتين من “الملحوظات” كتبَ إليَّ راغبًا بأن أطبعها مرة ثالثة (وهذا توافق مع عدّة طلبات كريمة من الجهات الإسلامية الأخرى”، وفعلاً تم طبعها للمرة الثالثة.
مما أدى – بفضل الله – إلى إلغاء “الموسوعة” وتأليف لجنة جديدة فيها عدد ممن عرفت فضلهم، للنظر بما فيها من أخطاء، وأجرت إصلاحات لها (غير أنها لم تطبع بعد أن مضى على تأليفها أكثر من سنتين، وكانت هذه اللجنة تكرمت واتصلت بي لمعرفة ما عندي مما لم أنشره لينشروه).
**توقيت الصلوات:***
كانوا في قطر وتقريبًا كل بلاد الخليج يستعينون بتوقيت الصلوات الذي يصنعه آل العجيري في البحرين. فقمت بطبع توقيت للصلاة أوزعه شهريًّا في سورية ولبنان، ثم طلب إليَّ سمو الشيخ علي آل ثاني – رحمه الله – أن أطبع كميات كبيرة توزع في قطر شهريًّا، فطلبت من الشيخ عبد الله بن إبراهيم أن يبعث إليَّ بالتوقيت مع العناية بالذي يهتم به أهل الخليج.
فتكرم وبعث إليَّ بما طلبت، ولما وجدت أن توقيتي متناسب مع توقيته الدقيق، وما وضعت معه من خطوط شيخ خطاطي الشام الشيخ بدوي الديراني، وما أضفت إليه من مواعظ جانبية كتبتها، فرغب أن أعينه على إصدار توقيت لقطر يطبع باسمه، ومازال حتى اليوم 1425هـ/2004م يطبع والحمد لله.
**الشكوى من إدارة المعارف الجديدة:***
وقبل ذلك كتب إليَّ بعد أن وجد ممن عين مديرًا للمعارف بعد الأستاذ عبد البديع صقر ما يلي:
“فقد مضت الأيام التي كانت جميلة بحضوركم عندنا في قطر، وقدّر الله أن تتغير بالذين لم نحبهم، لأننا وجدنا منهم ما نستعيذ بالله منه. وعلى الأخص المدير الذي قدِم لنا بدلاً من الأخ الشيخ عبد البديع. وهذا قدِم إلينا على أنه ابن عالم جليل من حمص، وأنه مدير تربية، ومتخرج بلقب (دكتوراه) غير أننا وجدناه بعد طول الخبرة – فاسد الخلق في دينه، حزبيا في معتقده، بل متحزب لكل فاسد صعلوك -. وقد استعان بمن أظهروا ما كانوا يخفونه علينا من شيوعية، وبعثية، ومذاهب لا نعرف عنها والله سيئًا، والآن ظهر الخفاء وعرفنا منهم كل شر.
وأنا بفضل الله لم ينالني منهم سوء أبدًا، ولكنني أهتم بإخواني المؤمنين الذين صاروا بعدك كالأيتام على موائد اللئام، وانتصرت ما أمكن لعدد منهم عند الشيوخ الحكام، وفرَّج الله عن أكثرهم”.
**اهتمامه بالأخبار الطيبة:***
وكتب إلي مرة ثانية بما يلي:
“حضر إلى قطر الشيخ محمد سالم البيحاني، ولما سأل عنك أخبرته أنك في الشام، وبعث إليك بالتحيات العطرات، وتذكر أنه أملى على الشيخ محمد بن علي المحمود إجازته لك بالحديث النبوي الشريف، الذي وجدك أهلاً لحمله، وأنه شملني والشيخ عبد البديع تبعًا لك، فجزاك الله وإياه كل خير.
ومن عندنا الجميع يسلمون عليك، وأذكر منهم الشيخ مبارك الناخي، وآل محمود (أهل الشارقة) وجمعنا الله بكم على أحسن حال”.
**تهنئته لي بالنجاح في الانتخابات النيابية السورية:***
ولما نجحت بدخول المجلس النيابي السوري، وأعلن ذلك في 9 شعبان 1381هـ الموافق 15/1/1962م كتب إلي الرسالة الآتية:
“فضيلة شيخنا الواعي المكرم زهير الشاويش عضو مجلس النواب السوري السلام عليكم وعلى إخوانكم نواب الحركة الإسلامية في دمشق. لقد علمنا بفوزكم الكبير من الأخوة والإذاعات والصحف، بما أدخل السرور على المشايخ وإخوانكم الأحباب في قطر، الذين عرفوا ما لكم من فضائل عليهم وعلى بلدهم، بل على العالم الإسلامي. فلكم التهنئات، وننتظر أن يجري الله على يدكم الخير للبلاد والعباد. ولن أسمي من كلفني بحمل التحيات لكم، فإنهم أكثر من أن يتسع لهم كتابي هذا .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.
**منع الربا في المجلس النيابي:***
ولما علم بأنني – بفضل الله – انتصرت على دعاة الربا في المجلس النيابي، كتب إلي بما معناه.
“فقد تلقينا من العزيز الأستاذ عبد البديع صقر، والعم الشيخ قاسم بن درويش، وما جاءنا من الجرائد: الأخبار السارة عن انتصاركم على رئيس الوزراء، ووزير العدلية، وبعض من انحرفوا عن الإسلام، ومنهم مع الأسف أحد المشايخ!! حيث أرادوا إقرار الربا، ونجاحكم بتحريم الربا في مجلس الشعب السوري. وكان لموقفكم الذي كان محل الشجاعة التي عرفناها منكم في كل مواقفكم الأثر الكبير عندنا وعند إخوانكم أهل العلم في قطر والسعودية وكل الخليج”.
**صلته الاجتماعية معي:***
وكان – رحمه الله – يبلغني إذا توفي أحد من أصحابنا في الخليج، وكنت أكتب له التعزية بهم، وكان ممن أخبرني عن وفاته: الشيخ اليماني الشاعر الضرير، والذي أملى لنا الإجازة الشيخ محمد سالم البيحاني – العدني – مع عدد من المشايخ ومنهم: الشيخ عبد الله العلي المحمود، والشيخ عبد الله بن تركي السبيعي، والشيخ مبارك الناخي، والشيخ عبد الله المسند، وغيرهم.
وكان ابني بلال خلال زياراته للدوحة يجتمع به ويجد منه كل اهتمام وسؤال عن أحوالنا – جزاه الله خيرًا – .
وبعد وفاته زرت قطر في رمضان 1419هـ فما كان من أولاده إلا التكرم بالاحتفاء بي وبمن معي بما ذكرني بالأيام الجميلة التي أمضيتها في قطر بحضور كل من عرفت من أهل البلاد من الأمراء والعلماء والإخوان، رحم الله تعالى من سبقنا، وحفظ من بقي بفضله وكرمه.
وكذلك وجدت زوجتي أم بلال من أهل وزوجات أولاده، ومنهم بنات عائلة الدرويش كل عناية وإكرام.
جزى الله الجميع الخير، وحفظ الأبناء والحفدة، ورحم الله بفضله وكرمه الآباء والأجداد.
تغمده الله برحمته، وإننا نحتسبه عند الله جلَّ شأنه، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين.
وإنني أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيد المسلمين إلى دينهم الحق، والتمسك بالوسط الذي جعله الله لنا شرعة ومنهاجًا، بقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)[البقرة:143].
ومنذ مدة مرَّ بخاطري عدد من إخواني الأفاضل، ومنهم الشيخ الأنصاري، وفي أثناء ذلك، تكرم واتصل بي الأخ الأستاذ عمر ناجي، وسألني عن الشيخ عبد الله، بعد أن اطلع على ما كتبت عن الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، وسمو حاكم قطر الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني، والشيخ محمد نصيف، وغيرهم من الأفاضل. فأجيبه وأقول:
**عملي في قطر:***
ذهبت إلى قطر أوائل سنة 1360هـ، وبعد تكليفي بإدارة إحدى مدارس الدوحة، الروضة القديمة، اتفق أن تعرف عليَّ في اليوم الثاني مباشرة صاحب السمو الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني – حاكم البلاد – وهو الرجل العالم. ووزير المعارف الشيخ قاسم بن درويش فخرو، وبتدخل مدير المعارف الأستاذ عبد البديع صقر – رحمهم الله – لأنني اعترضت على الكتب المقررة لدروس الدين، وامتناعي عن تدريسها في مدرستي أولاً، ونصحي بعدم تدريسها في كل المدارس ثانيًا؛ لأنها مؤلفة حسب طريقة بعيدة عن الأساليب العلمية المناسبة، في بلد يُنشأ فيه التعليم لأول مرة، وتعطى لطلاب الروضة والابتدائي، بعد أن يطلب من كل تلميذ أن يختار المذهب الذي عليه أهله مثلاً؟ أهو المالكي أو الشافعي! مع أن الأساتذة الذين جاءوا للتعليم، من طلاب مدارس علمانية، وأكثرهم من فلسطين، ولا يعرفون الفارق بين المذهبين، إن لم أقل غير ذلك.
وعدّلت الكتب بعد الاجتماع مع سمو حاكم البلاد، وفضيلة القاضي الشرعي العلامة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، وكان أن كلفت المستشارية بطبع الكتب المصححة مني في البحرين، ووزعت على المدارس.
وهذا الموضوع أوجد لي عند سمو الحاكم منزلة، حيث أُدعى أكثر من مرة في ا لأسبوع للجلوس مع سموه، حتى أصبحت شبه مستشار له في أمور كثيرة (والكلام عن ذلك يطول).
**زيارة الخور وفتح المدارس:***
وفي تلك الأيام ذهبت لزيارة مدرسة بلدة الخور مع الأخ الأستاذ موسى بن الشيخ حسن أبو السعود مستشار المعارف، وكان مديرها السيد روحي الخطيب الفلسطيني، وهو رجل طيب، ومدرس الدين العالم الفاضل الشيخ عبد الله الخليفي.
وكان في مدينة الخور قاضيها الشيخ إبراهيم الأنصاري، وهو رجل مسن ملئ علمًا وفضلاً، وكان شافعي المذهب. ودارت الأبحاث معه (وكنت على معرفة بسيطة بمذهب إمامنا الشافعي)، فوجد في كلامي بعض ما أعجبه، وأخبرني أن ابنه يدرس في دارين (من بلاد المملكة السعودية)، وأنه سيحضر خلال أيام ليكون في التعليم معكم في قطر.
ولم يمض سوى أسابيع حتى حضر الشيخ عبد الله وزارنا في إدارة المعارف، وسأل عني، وقمت بواجب تعريفه بسعادة مدير المعارف الشيخ عبد البديع صقر، والمفتش الأستاذ موسى أبو السعود، وباقي الموظفين، وتقرر أن يكون موظفًا في المعارف، تحت اسم: مدير الشؤون الدينية في المعارف.
وكان يومها شابًا (أصغر سنًا مني)، وله نشاط كبير، ودعوة للخير واضحة، وجرئ على أشياء لم يكن أحد يقدر على التعرض لها.
**الأمر بالمعروف:***
من ذلك أنه طالب يومها بمنع تقبيل ولمس الأنف، الأمر المعتاد في بلاد الخليج! مكتفيًا بالعناق السائد بين الناس في أكثر البلاد الإسلامية.
وكان لا يقوم بتقبيل أحد على أنفه سواء كان الحاكم أو العلماء الكبار، مما جعله موضع الإعجاب عند الكثيرين الذين لم يعتادوا ذلك.
ولم يكتف بذلك، بل أظنه ألَّف رسالة في الموضوع (ولم أجدها عندي الآن). وكنا ندخل معه بجدل (لطيف)، وأذكر أنني نقلت له يومها ما كان معروفًا عند بعض السلف ويمثله الشعر الذي كان متداولاً عند التابعين وقبلهم، وتمثل به سيدنا عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عن ابنه سالم:
يُديرونَني عَن سالِمٍ وَأُديرُهُم.. … ..وجِلدَةُ بين العينِ والأنفِ سالِمُ
واعتبر هذا منه – مع غيره من التصرفات الكثيرة – دليل خير منه عند الكثير من الأهالي، وموظفي الدولة في المعارف، وغيرها من الدوائر.
وكانت تصرفاته هذه مدار الحديث في مجالس القوم في البيوت والأسواق، في بلد ليس فيه صحف ولا مجلات. وفي إحدى المرات قامت دائرة الأشغال بنقل الماء المبتذل المتجمع من الأبنية، ويصب حولها في حفر متَّسعة، ونقل ذلك الماء لسقي الحدائق ذات المروج بين الشوارع والممرات ووراء المساجد. وكان الناس يصلون عليها، فأصدر بيانًا باسم (إعلان هام)، وطالب الناس باتخاذ حواجز للطهارة لتصح صلاتهم، وقوله هو الموافق لمذهب الشافعية الذي كان الأنصاري يتبعه. وإن كان هناك أمامه قول آخر عند الإمام أحمد بن محمد بن حنبل، وقول عند السادة الأحناف يبيح تلك الصلاة مع الرطوبة، وهذا من أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.
**تدريس العلوم الدينية في المدارس الثانوية:***
واقترحت على مدير المعارف أن يقوم الشيخ عبد الله بتدريس علوم الدين في المدارس الابتدائية الثانوية (الوحيدة)، وأن يؤم الطلاب ظهرًا في المدارس، إضافة لعمله، فوافق على القسم الأول، واعتذر عن القسم الثاني لارتباطه بإمامته في مسجد وسط البلد قرب بيته، وأظنه كان مسجد ا لأمير الشيخ خليفة بن حمد.
طلب العشائر فتح المدارس:
وجاءت وفود العشائر من أطراف قطر، وكل شيخ يطلب فتح مدرسة عند بيوته (ونصف البيوت كانت مضارب شعر)، والإقامة فيها غير تامة كل السنة، وإنما يذهب الأهل إلى البادية مع أغنامهم، وأولادهم. وطبعًا يراد أن يذهب المعلم معهم في خيمة تؤمِّنها له إدارة المعارف، وأن تصلهم كل يوم سيارة ماء (صهريج) من قبل متعهد ينقلها من مكان بعيد، ويدفع للطلاب مبالغ يومية!!
وكلفت بزيارة هذه المضارب، والاجتماع بأهل القرى مع فضيلة الشيخ عبد الله، وفي السنة الثانية كان معنا (بل يرأس بعثتنا) الأخ الدكتور عز الدين إبراهيم (المفتش العام).
وكانت الرحلات متعبة جدًّا، والسيارات من دائرة الأشغال التي تعطى لنا، ولكنها من النوع المقيد سرعتها بـ60 كيلومترًا في الساعة، وطبعًا لم تكن مكيفة، ونحمل فيها الطعام والشراب وبعض الحوائج. وكان الكثير منها يعد في بيت الشيخ عبد الله، وأكثر الأحيان لا نأكل ما أعددنا، بل نتركه للعربان في الطريق، لأن أهل الشمال كانوا أهل كرم وضيافة.
وأما في بلدة الخور حيث كنا نقيم فيها ساعات في الذهاب وفي العودة، وهي في منتصف الطريق بين الدوحة وقرية الرويس آخر قطر، وسكانها من سادة آل البيت النبوي رضي الله عنهم. فكان الطعام الأول عند والده الشيخ إبراهيم، وكان رئيس المحاكم الشرعية الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود عينه بعد عودته من بارين في منطقة الخور، وهي أكبر تجمع سكاني في قطر بعد الدوحة، للحكم في كل القضايا المستعجلة من تحرير الإقرارات، وتثبيت الشهادات، وإبرام عقود الزواج، وهذه كانت تسجل في قطر للمرة الأولى.
وبعد ساعات عند الصديق الوفي لنا جميعًا الشيخ عبد الله المسند شيخ قبيلة المهاندة، وبيته كان مفتوحًا لكل الناس، فضلاً عن بعثة المعارف.
وحدثت صلات قوية بيني وبينه ومع أولاده الشيخ ناصر والشيخ أحمد، وقد تكرموا بزيارتنا في سورية ولبنان، وتعرفوا على القيادات الإسلامية في سورية، مثل: الشيخ محمد الأشمر، والدكتور مصطفى السباعي، والأستاذ عصام العطار، ووالدي مصطفى الشاويش، رحم الله الجميع.
وأنشأنا المدارس في كل القرى الشمالية، وجمعنا بعض المضارب مع بعضها، وتم نقل الطلاب بواسطة السيارات.
وصادفنا بعض الإصرار خصوصًا من الشيخ محمد بن جاسم آل ثاني شيخ (قرية أم صلال محمد) بإدخال كل الأطفال في مدرسة أوجدها قرب بحيرة حفرها هناك، وأقام حولها مزارع من النخيل والثمار، حتى أنشأ معملاً لألياف النخيل يصدر الفراشي لتنظيف الخيل والحيوانات وطرش البيوت، ومما يستعمله عمال الدهان، ويصدّر ذلك للسعودية وغيرها.
وكان رجلاً يقارب التسعين من عمره، ولكنه كان قوي البنية والإرادة، وحججت معه ومع الشيخ عبد الله الأنصاري في إحدى السنوات مع سمو الشيخ علي، ووجدت منه عبادة مستمرة مع السؤال عن العلم والفقه رحمه الله.
ووجدنا كل التسهيلات من رجل الفضل الشيخ علي بن جاسم آل ثاني وأولاده في قريتهم (أم صلال علي).
**تسلمه شؤون القرى:***
وبعد ذلك تسلم الشيخ عبد الله إدارة شؤون القرى بما يخص دائرة المعارف وغيرها من دوائر الدولة، ونجح في ذلك نجاحًا واضحًا سنة 1385هـ/1965م.
ندوة المعارف:
وقد أقامت دائرة المعارف ندوة أسبوعية، وكلفت بإدارتها، وحاضر فيها عدد كبير من علماء البلاد، وكان منهم الشيخ عبد الله الأنصاري، ومدير الجوازات علي الأنصاري، ومدير المعارف الأستاذ عبد البديع صقر، والدكتور عز الدين إبراهيم، ومن كان يزور قطر من العلماء، مثل: الشيخ محمد سالم البيحاني، والشيخ محمد بن عبد الله آل عبد القادر، وعلماء آل المبارك، وعبد الحكيم عابدين، ومحمد سعيد الطنطاوي، وغيرهم.
وصادف أن اعترض على بعض ما يلقى فيها أحد وجوه قطر، ورددت عليه مخالفًا لرأيه المبني على العصبية، فما كان من الشيخ الأنصاري إلا أن قام ورد عليه مباشرة ردًا مفحمًا.
وقد استمر الشيخ عبد الله بعد ذلك في إقامة ندوات أسبوعية مماثلة لها في المساجد، أو المدارس، أو في بيته بصورة مستمرة.
وعندي دعوة منه لحفل أقامه الشيخ ضياء الدين رئيس الإدارة الدينية في طشقند أيام الاتحاد السوفيتي سنة 1392هـ. ولكن بقيت صلتي مع سمو حاكم البلاد الشيخ علي آل ثاني قوية جدًا، وعند تركي العمل طلب أن أذهب إليه في الحج بالبر (ولم يكن هناك طيران بين قطر والسعودية) إلا عن طريق البحرين بواسطة طيران الخليج بطائرات صغيرة جدًا، وأن أرجع معه من مكة ولم يكن الطريق معبدًا بعد إلى الدوحة، وعدنا بسيارته الخاصة.
**تسلمه إدارة الشؤون الدينية:***
وبعد ذلك تسلم الشيخ عبد الله المراكز الكبيرة في دولة قطر، ومنها إدارة الشؤون الدينية في وزارة التربية والتعليم، وأحيانًا كان يقوم بأعمال مدير المعارف لأشهر من السنة، وأصبح الرجل الأول عند سمو الحاكم الجديد الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، وعند إخوانه الأمراء، ومنهم معالي وزير الداخلية الأخ الشيخ خالد بن حمد آل ثاني حفظه الله.
وتسلم بعدها مركز إدارة الشؤون الدينية في دولة قطر، وقد توسعت كثيرًا وزاد من نشاطها ما جعلها أهم مراكز وزارة المعارف. وانبثق عن ذلك “إدارة إحياء التراث الإسلامي” التي تولى إدارتها حتى وفاته – رحمه الله – والتي تولت إحياء ما كان سابقًا في عهد سمو الشيخ علي بن عبد الله، بتوزيع الكتب الإسلامية على الدنيا، كما كنت المستشار لسمو الشيخ علي في ذلك وغيره. ويقوم العالم الجليل الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع باقتراح الكتب التي تطبع على نفقة سموه.
وقام الشيخ عبد الله بطبع وتصوير العشرات من الكتب وتوزيعها، وقمت بمساعدته في طبع ذلك في المكتب الإسلامي. وكان بيني وبينه تعاون جزئي في ذلك، وتوقف هذا التعاون فترات لأسباب ليست بدافع مني ولا منه، وإنما لظروف متعددة أصابتنا جميعًا، مع بقاء الأخوة عامرة بفضل الله علينا. ثم لتوسعه في الخلق الجميل المحمود.
**دعوته إلى المؤتمرات في قطر:***
وقد قام بالدعوة إلى عدد من المؤتمرات في قطر تخص العالم الإسلامي، ومنها المؤتمر الثالث للسيرة والسنة النبوية في شهر محرم 1400هـ/تشرين الثاني 1979م، وكان يشرفني بدعوتي لحضورها، وقد حضرت أكثرها، واعتذرت عن بعضها لأسباب قاهرة خارجة عن إرادتي. ومرة دعينا لقطر في أحد تلك المؤتمرات، ويومها انتخب الشيخ عبد الله الأنصاري رئيسًا للمؤتمر لتلك السنة في المؤتمر الخامس عشر للسيرة والسنة النبوية.
وقد جمع هذا المؤتمر بعض من ليس لهم في السنة والسيرة قول ولا فعل، وذلك بتأثير بعض من حول الشيخ يومها ممن لا همَّ لهم سوى الاستفادة المادية والدعائية من هذا العمل الكبير، وهم من موظفي المعارف الذين لا يعرفون شيئًا عن السنة والسيرة، وحرم من الدعوة إليه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، والأستاذ عبد الرحمن الباني، والدكتور عمر سليمان الأشقر، والشيخ محمد إبراهيم شقرة، والدكتور محمد لطفي الصباغ، وعدد من الذين يخدمون السنة النبوية! مع أنني اقترحت دعوتهم وغيرهم للحضور، وكان ذلك من عجائب الأمور.
ويومها ذهبت مجموعة (اختارها الذين أحاطوا بالشيخ) لزيارة سمو أمير البلاد الشيخ خليفة بن حمد. ولما لم يجدني معهم سألهم أين الشيخ زهير؟ وأين الشيخ الألباني؟ وسبق أن زارانا وهما يعملان في خدمة السيرة والسنة النبوية.
فقال له الشيخ الأنصاري: الشيخ زهير موجود غير أنه لم يحضر معنا الآن، والشيخ ناصر دعي ولكنه مرتبط بأعمال حالت دون حضوره (وهذا الكلام كان من ادعاء الذين عملوا مع الشيخ، ولم يصدقوه القول). وقال الشيخ خليفة: نحب الاجتماع بالشيخ زهير قبل سفره، وفعلاً كان لي لقاء خاص معه بحضور الشيخ الأنصاري.
**إمارة الحج:***
وقد تولى إمارة الحج القطري سنوات متعددة، وأمَّن للحجَّاج التطبيب والأدوية والنقل، والأماكن المناسبة في الحجاز، ويحمل معه الكتب والأموال للمساعدة، ثم أنشأ مسجدًا ومعه دائرة لتوزيع المصاحف والكتب الإسلامية، ومازال المسجد والمراكز حتى الآن في مكة المكرّمة والحمد لله.
وحججت مرة بعد وفاة الشيخ علي آل ثاني، ولم أكن مدعوًا للحج من قبل إدارة الحرمين الشريفين، حيث كنت أدعى من قبل سماحة مدير الحرمين الشريفين العلامة الشيخ سليمان بن عبيد، أو من رابطة العالم الإسلامي، التي كنت أُدعى مرات متعددة للنزول في مركزها، لأنني كنت من المؤسسين لها. ونزلت في فندق، وزارني الشيخ عبد الله الأنصاري – رحمه الله – وأصر عليَّ أن أنزل حملتهم القطري، لأنني أعتبر قطري الجنسية! غير أنني اعتذرت لارتباطي مع مجموعة أحج معهم.
وفي السنة الثانية وقبل الحج بثلاثة أشهر وصلتني دعوة من فضيلته، أن أحج – أنا ومن أحب – وأنزل في مراكزهم، وكتبت له شاكرًا معتذرًا. ولما زرت قطر مع سماحة الشهيد الشيخ حسن خالد – رحمه الله – وأخي فضيلة الشيخ طه الصابونجي، استقبلنا الشيخ عبد الله في بيته (الجديد يومها)، الذي يقيم به دروس القرآن الكريم، وأقام لنا حفلاً كبيرًا جمع العدد الكبير من أهل قطر والموظفين من الخارج، وفيهم الأخوة الأكارم فضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – وفضيلة الشيخ علي الخشان، والأستاذ خليل حمد، والداعية الشيخ إسماعيل الكيلاني، والأستاذ عمر عبيد حسنة – مدير مكتبة الشيخ علي ومدير مركز البحوث والدراسات – والأستاذ محمد الشافعي، والأستاذ فاروق عرب، والشيخ عبد الله الدباغ، وغيرهم.
وكذلك عندما زرت قطر ومعي أستاذنا الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في طريقنا إلى نجد والحجاز، أقام لنا احتفالاً كبيرًا جدًّا.
**صبره على المصائب:***
ومما أذكر من صبره وتوكله على الله سبحانه وتعالى، أنه يوم مرض والده الشيخ إبراهيم ونقل إلى مستشفى صغير كان في الدوحة قرب وزارة المالية الحالي، وكنت أزوره كثيرًا، وأجد الشيخ عبد الله عنده يقوم بخدمته شبه الكاملة برًا بوالده تأسيًا بقوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً)[الإسراء:23]، مع أن المستشفى على صغره، هيَّأ عددًا من الأطباء والممرضين لذلك.
ولما توفي والده الشيخ إبراهيم – تغمده الله برحمته – وجدته محتسبًا عند الله مصابهم الأليم، وحضرت مع سمو الشيخ علي حاكم البلاد للتعزية به، ومعنا العديد من العلماء، مثل: الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، والشيخ محمد بن عبد العزيز المانع، ووجوه البلد وكان صابرًا. ولما أصيب بنكبة وفاة زوجته الشهيدة السعيدة – إن شاء الله – رحمها الله بحادث بيتي أليم، تلقى ذلك أيضًا بصبر المؤمن المتمكن بما عند الله تعالى.
**الموسوعة الفلسطينية:***
وعندما صدرت “الموسوعة الفلسطينية” والتي نالت من الحكومات العربية الكثير من الأموال التي صرفت بدعوى الدفاع عن حق المسلمين العرب في فلسطين، ولكنها صدرت على غير ذلك تمامًا، وكتبت بفضحها كتابي: “الملحوظات على الموسوعة الفلسطينية”. فقام – رحمه الله – بشن حملة على “الموسوعة” معتمدًا على ما في كتابي “الملحوظات”، وقابل حاكم البلاد، وناقش الأخوة في وزارة التربية، ومنهم الأستاذ كمال ناجي، ومنع توزيع “الموسوعة” على المدارس.
وبعد أن وزعتُ الطبعتين من “الملحوظات” كتبَ إليَّ راغبًا بأن أطبعها مرة ثالثة (وهذا توافق مع عدّة طلبات كريمة من الجهات الإسلامية الأخرى”، وفعلاً تم طبعها للمرة الثالثة.
مما أدى – بفضل الله – إلى إلغاء “الموسوعة” وتأليف لجنة جديدة فيها عدد ممن عرفت فضلهم، للنظر بما فيها من أخطاء، وأجرت إصلاحات لها (غير أنها لم تطبع بعد أن مضى على تأليفها أكثر من سنتين، وكانت هذه اللجنة تكرمت واتصلت بي لمعرفة ما عندي مما لم أنشره لينشروه).
**توقيت الصلوات:***
كانوا في قطر وتقريبًا كل بلاد الخليج يستعينون بتوقيت الصلوات الذي يصنعه آل العجيري في البحرين. فقمت بطبع توقيت للصلاة أوزعه شهريًّا في سورية ولبنان، ثم طلب إليَّ سمو الشيخ علي آل ثاني – رحمه الله – أن أطبع كميات كبيرة توزع في قطر شهريًّا، فطلبت من الشيخ عبد الله بن إبراهيم أن يبعث إليَّ بالتوقيت مع العناية بالذي يهتم به أهل الخليج.
فتكرم وبعث إليَّ بما طلبت، ولما وجدت أن توقيتي متناسب مع توقيته الدقيق، وما وضعت معه من خطوط شيخ خطاطي الشام الشيخ بدوي الديراني، وما أضفت إليه من مواعظ جانبية كتبتها، فرغب أن أعينه على إصدار توقيت لقطر يطبع باسمه، ومازال حتى اليوم 1425هـ/2004م يطبع والحمد لله.
**الشكوى من إدارة المعارف الجديدة:***
وقبل ذلك كتب إليَّ بعد أن وجد ممن عين مديرًا للمعارف بعد الأستاذ عبد البديع صقر ما يلي:
“فقد مضت الأيام التي كانت جميلة بحضوركم عندنا في قطر، وقدّر الله أن تتغير بالذين لم نحبهم، لأننا وجدنا منهم ما نستعيذ بالله منه. وعلى الأخص المدير الذي قدِم لنا بدلاً من الأخ الشيخ عبد البديع. وهذا قدِم إلينا على أنه ابن عالم جليل من حمص، وأنه مدير تربية، ومتخرج بلقب (دكتوراه) غير أننا وجدناه بعد طول الخبرة – فاسد الخلق في دينه، حزبيا في معتقده، بل متحزب لكل فاسد صعلوك -. وقد استعان بمن أظهروا ما كانوا يخفونه علينا من شيوعية، وبعثية، ومذاهب لا نعرف عنها والله سيئًا، والآن ظهر الخفاء وعرفنا منهم كل شر.
وأنا بفضل الله لم ينالني منهم سوء أبدًا، ولكنني أهتم بإخواني المؤمنين الذين صاروا بعدك كالأيتام على موائد اللئام، وانتصرت ما أمكن لعدد منهم عند الشيوخ الحكام، وفرَّج الله عن أكثرهم”.
**اهتمامه بالأخبار الطيبة:***
وكتب إلي مرة ثانية بما يلي:
“حضر إلى قطر الشيخ محمد سالم البيحاني، ولما سأل عنك أخبرته أنك في الشام، وبعث إليك بالتحيات العطرات، وتذكر أنه أملى على الشيخ محمد بن علي المحمود إجازته لك بالحديث النبوي الشريف، الذي وجدك أهلاً لحمله، وأنه شملني والشيخ عبد البديع تبعًا لك، فجزاك الله وإياه كل خير.
ومن عندنا الجميع يسلمون عليك، وأذكر منهم الشيخ مبارك الناخي، وآل محمود (أهل الشارقة) وجمعنا الله بكم على أحسن حال”.
**تهنئته لي بالنجاح في الانتخابات النيابية السورية:***
ولما نجحت بدخول المجلس النيابي السوري، وأعلن ذلك في 9 شعبان 1381هـ الموافق 15/1/1962م كتب إلي الرسالة الآتية:
“فضيلة شيخنا الواعي المكرم زهير الشاويش عضو مجلس النواب السوري السلام عليكم وعلى إخوانكم نواب الحركة الإسلامية في دمشق. لقد علمنا بفوزكم الكبير من الأخوة والإذاعات والصحف، بما أدخل السرور على المشايخ وإخوانكم الأحباب في قطر، الذين عرفوا ما لكم من فضائل عليهم وعلى بلدهم، بل على العالم الإسلامي. فلكم التهنئات، وننتظر أن يجري الله على يدكم الخير للبلاد والعباد. ولن أسمي من كلفني بحمل التحيات لكم، فإنهم أكثر من أن يتسع لهم كتابي هذا .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.
**منع الربا في المجلس النيابي:***
ولما علم بأنني – بفضل الله – انتصرت على دعاة الربا في المجلس النيابي، كتب إلي بما معناه.
“فقد تلقينا من العزيز الأستاذ عبد البديع صقر، والعم الشيخ قاسم بن درويش، وما جاءنا من الجرائد: الأخبار السارة عن انتصاركم على رئيس الوزراء، ووزير العدلية، وبعض من انحرفوا عن الإسلام، ومنهم مع الأسف أحد المشايخ!! حيث أرادوا إقرار الربا، ونجاحكم بتحريم الربا في مجلس الشعب السوري. وكان لموقفكم الذي كان محل الشجاعة التي عرفناها منكم في كل مواقفكم الأثر الكبير عندنا وعند إخوانكم أهل العلم في قطر والسعودية وكل الخليج”.
**صلته الاجتماعية معي:***
وكان – رحمه الله – يبلغني إذا توفي أحد من أصحابنا في الخليج، وكنت أكتب له التعزية بهم، وكان ممن أخبرني عن وفاته: الشيخ اليماني الشاعر الضرير، والذي أملى لنا الإجازة الشيخ محمد سالم البيحاني – العدني – مع عدد من المشايخ ومنهم: الشيخ عبد الله العلي المحمود، والشيخ عبد الله بن تركي السبيعي، والشيخ مبارك الناخي، والشيخ عبد الله المسند، وغيرهم.
وكان ابني بلال خلال زياراته للدوحة يجتمع به ويجد منه كل اهتمام وسؤال عن أحوالنا – جزاه الله خيرًا – .
وبعد وفاته زرت قطر في رمضان 1419هـ فما كان من أولاده إلا التكرم بالاحتفاء بي وبمن معي بما ذكرني بالأيام الجميلة التي أمضيتها في قطر بحضور كل من عرفت من أهل البلاد من الأمراء والعلماء والإخوان، رحم الله تعالى من سبقنا، وحفظ من بقي بفضله وكرمه.
وكذلك وجدت زوجتي أم بلال من أهل وزوجات أولاده، ومنهم بنات عائلة الدرويش كل عناية وإكرام.
جزى الله الجميع الخير، وحفظ الأبناء والحفدة، ورحم الله بفضله وكرمه الآباء والأجداد.
تغمده الله برحمته، وإننا نحتسبه عند الله جلَّ شأنه، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين.
Source: islamweb.net