سماح بيبرس

عمان- ربما كان تعليق رئيس الوزراء الأسبق د.عبد الله النسور قبل 6 سنوات أثناء المؤتمر الوطني الذي ناقش “رؤية 2025” في مكانه، حين بدا مازحا وقد كُِتبَ على لوحة المؤتمر خلفه كلمة “رؤيا” بدلا من “رؤية” أنّ هذا نذير ألا تطبّق “الرؤية” على أرض الواقع وتبقى “حلما” لا يمكن تحقيقه.
“الرؤيا” بالألف المقصورة القائمة تعني “الحلم في المنام” بينما تعني الكلمة حين تنتهي بالتاء المربوطة “التطلع للمستقبل” كما شرح النسور وقتها.
وهكذا كان، فقد بقيت “رؤية الأردن 2025” حلما يعيشه المسؤولون والأردنيون، شعارا وعنوانا متداولا في التصريحات والمخاطبات الرسمية دون تطبيق.
وبعدما رحلت حكومة النسور في 2016 جاءت حكومة د.هاني الملقي لتنسف “رؤية النسور” لتطلق” وتطرح خطة تحفيز النمو الاقتصادي (2018 – 2022)” بدلا منها لكن حكومته رحلت في 2018.
عام رحيل الملقي هو العام هو العام الذي بدأت فيه تطبيق “خطته” فتم تجميدها بعد أن تسلّمت حكومة د.عمر الرزاز الحكومة منتصف 2018.
وللمفارقة ما يزال الموقع الالكتروني الخاص بـ”خطة الملقي” متاحا حتى اليوم لمتابعته ومعرفة التفاصيل.
وبعد أن أطاحت حكومة الرزاز بـ”خطة تحفيز النمو الاقتصادي” جاءت بشعار أكثر بريقا!”حكومة النهضة” التي لا يعرف حتى اليوم مصيرها، لكنّها بالتأكيد لم تكن ضمن على أولويات الحكومة.
كل حكومة كانت تنسف خطة سابقتها وكأن كل واحدة من الحكومات الثلاث كانت تنفذ خططها في جزر اقتصادية معزولة لا في بلد تجمعه مشاكل اقتصادية واجتماعية متشابهة منذ سنوات.
حال الحكومات الثلاث، هو حال جميع الحكومات التي كانت تستلم زمام الامور في العقود الماضية، حتى أنّ اهمال الخطط وتجميدها بات “ظاهرة متأصّلة” في العمل الاداري في الاردن، بحسب خبراء اقتصاديين.
ووفقا للخبراء، فإنّ البرنامج الوحيد الذي تنتهجه وتجمع عليه جميع الحكومات على اختلافها، هو برنامج صندوق النقد الدولي الذي يعتبرونه عابرا للحكومات نتيجة إهمال هذه الخطط والبرامج انعكس بوضوح على المؤشرات الاقتصاديّة، فعلى سبيل المثال ازدادت المديونية خلال السنوات الثمانية الأخيرة بحوالي الضعف وذلك من 16.5 مليار دينار في شهر تشرين الأول (اكتوبر) من 2012 (عند تسلم حكومة النسور) لتقدّر بـشهر شباط (فبراير) (قبل الكورونا) بـ30.1 مليار دينار.
وكانت ستصل المديونية إلى 33 مليار دينار لثمانية أشهر من العام الحالي لولا أن الحكومة الماضية (حكومة عمر الرزاز) قامت بتجميل النشرة المالية حين انخفض الدين العام بشكل مفاجئ ليصل الى 26.5 مليار دينار، بعد أن قامت بـ”استثناء ما يحمله صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي من الدين العام”.
واستمرت أرقام عجز الموازنة دون تحسّن إذ بلغت في 2012 حوالي 1.18 مليار دينار، لتبلغ في 2020 (معاد تقديره) 2.16 مليار دينار.
أما معدلات النمو الاقتصادي فقد كانت في 2012 حوالي 2.7 % وانخفضت العام الماضي الى 2 %، وفي العام الحالي أول 6 أشهر تراجع 1.2 % . أما البطالة فقد كانت في 2012 حوالي 12.2 % واستمرت بالارتفاع خلال السنوات الثمانية الماضي لتصل في 2019 ما مقداره 19 %، كما كانت في الربع الأول من العام الحالي (قبل كورونا) 19.3%، لتصل أخيرا الربع الثالث 23.9 %.
ومعدلات الفقر أيضا لم تكن أفضل فقد بقيت في ارتفاع إذ كانت مقدّرة في 2010 بـ14 % ووصلت في 2013 – 2014 الى حوالي
20 % بحسب خطة التحفيز الاقتصادي، لتعود حكومة الرزاز وتعلن أنّ معدلات الفقر لـ2017/2018 بلغت 15.7 %.
نائب رئيس الوزراء الأسبق الدكتور جواد العناني أشار الى أنّ عدم الالتزام بخطة واستراتيجية ثابتة قد يكون بسبب الظروف الطارئة والمتغيّرة باستمرار التي يمر بها الأردن، وهذا يجعل الحكومات تجتهد في خططها، وتجعل من الأولويات طويلة الأجل تأخذ درجة ثانية من اهتمام الحكومات فلم يعد لدينا مشاريع استراتيجية مستمرة نسير بها ومعظمها مشاريع لا تحدث ولا تطبق على ارض الواقع.
كما أشار الى أن الخطط التي يتم وضعها عادة ما تكون مستوردة ومترجمة عن خطط عالميّة، مشيرا الى أنّ البرنامج الوحيد الذي تلتزم به الحكومات هو صندوق النقد الدولي وهو بحكم عمله ينصب على التصحيح وليس الهيكلة.
كما أنّ تعيين الوزراء محليا عادة لا يرتبط بفكرهم وببرامجهم كما يحصل في دول أخرى فليس لدينا نظام او تقليد لتجهيز الادارات والوزراء للاستلام، فالوزير يكون في المنصب “وهو لا يعرف ماذا يريد ولا من أين يبدأ” خصوصا أننا انتهجنا في السنوات الاخيرة تعيين وزارء جدد دون خبرة متراكمة في العمل الحكومي، ولا تراكم فكر.
وبين أنّ الإعلام والسوشال ميديا وإن كان لها ايجابيات، إلّا أنّها اثرت على أداء الوزراء من حيث انّهم باتوا يهابون من الانتقاد على حساب العمل والانجاز الفعلي.
ويرى العناني ضرورة أن يتم وضع خطط واستراتيجيات تلزم الحكومات، وتترجم لمشاريع وبرامج وموازنات لكنّ المشاريع لا تتوقف عند حكومة واحدة وانما يتم بالنهاية تنفيذها.
وزير تطوير القطاع العام الأسبق د.ماهر المدادحة يرى بوجود خلل مؤسسي في الإدارة الاردنية، فجميع الاستراتيجيات ليس لديها متابعة وكل حكومة تأتي تنسف ما جاءت به الحكومة السابقة.
وأشار الى أنّ هذا يؤدي الى فوضى في العمل المؤسسي وتضارب في الأهداف والبرامج يدفع ثمنه المواطن والاقتصاد.
وزير الاقتصاد السابق سامر الطويل أشار الى انّ هذه المشكلة اساسها “عدم وجود هويّة اقتصادية واجتماعية سياسية للدولة الأردنيّة” يتم من خلالها اتخاذ القرارات والسياسات والاستراتيجيات، فكل حكومة تأتي بخطط واستراتيجيات مختلفة عن سابقتها وبالتالي تجميد كا ما تمّ اتخاذه.
وأكد أنّ هناك حاجة الى وجود مشروع أو رؤية واضحة محددة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا يتم تحت اطارها عمل جميع الحكومات والجهات المسؤولة بغض النظر من هي، لتسير جميعها وفق نسق واحد منسجم.
وأشار إلى أن الحكومات تتعامل دائما بطريقة “ردة الفعل” وليس الفعل” فهي تتخذ سياسات وتجتهد بحسب نظرتها دون أن يكون هناك مشروع واضح يحددها ويلزمها بالسير نحو هدف واحد.
ولابد من الاشارة إلى دراسة كان قد اصدرها مركز الدراسات الاستراتيجية في 2018 وجاءت بعنوان “البرامج التنموية الوطنية بين التخطيط والتنفيذ حيث أشارت الى أنّ “الحكومات الأردنية تنصلت من تنفيذ البرامج والمشاريع التي أعلنتها ضمن خططها بدون إبداء أسباب عدم التنفيذ في الوقت المحدد”.
وجاء في الدراسة أنّ الإصلاحات الاقتصادية اقتصرت منذ العام 2016 على تنفيذ التزامات المملكة أمام صندوق النقد الدولي مع تراخيها في الإصلاح في الجانب التشريعي، وفي الأطر الحاكمة للنشاط الاقتصادي.
كما أثبتت الدراسة أنّ العديد من الإجراءات والسياسات المقترحة ضمن “رؤية الأردن 2025” لم تكن بجديدة، وكانت موجودة في الخطط والاستراتيجيات السابقة التي طوّرتها الحكومة والقطاع الخاص مثل الاجندة الوطنية، واستراتيجية الحد من الفقر، وبعض الاستراتيجيات القطاعية الاخرى.
كما اشارت الى أنه بالرغم من تشابه البرامج والخطط المعلنة من قبل الحكومة للإصلاح وتحفيز معدلات النمو الاقتصادي في المملكة خلال الأعوام 2016 وحتى 2025، إلا أنه يلاحظ وجود بعض التضارب في المرتكزات الأساسية للبرامج الحكومية مع بعضها بعضا. كما يلاحظ بان هناك تباينا بنسب النمو المستهدفة في البرامج الوطنية التي وضعتها الحكومة وبنيت على أسلاس “رؤية الأردن 2025” ما يدلل على أن الأهداف القطاعية في هذه البرامج تختلف عن بعضها البعض، ويوحي بوجود تضارب في الأهداف القطاعية.
كما كشفت الدراسة عن عمليات ترحيل لمشاريع وخطط من الأعوام السابقة، كما كان هناك ترحيل لعدد من الاجراءات التشريعية والقانونية من البرنامج التنفيذي التنموي للأعوام 2016 – 2018 الى خطة التحفيز الاقتصادي.