‘);
}

هجرة المسلمين إلى المدينة

أدرك النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من أوّل يومٍ جاءه جبريل -عليه السّلام- أنّه سيترك موطنه مكّة مهاجراً إلى غيره؛ ليبلّغ رسالة ربّه، ويحقّق لها الأجواء المُعينة لنشر هذا الدين وإرساء قواعده ونشر شريعته، ولقد كان ورقة بن نوفل هو من ألمح إلى النبيّ -عليه السّلام- بذلك حين جاءه النبيّ -عليه السّلام- وزوجته خديجة -رضي الله عنها- يسألان عمّا حصل مع النبي في غار حراء، فكان ممّا قاله له ورقة بن نوفل حينئذ: (يا لَيْتَني فيها جَذَعًا، أكونُ حَيًّا حينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فقال رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أوَمُخْرِجِيَّ هم؟ فقال ورقةُ: نعم، لم يَأْتِ رجلٌ قَطُّ بِمِثْلِ ما جِئْتَ به إلا عودِيَ)،[١] فتهيّأ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لتحمّل المشاقّ والصعوبات في سبيل نشر دعوته، ولم تكن الهجرة إلى المدينة هي الهجرة الوحيدة في الإسلام، فقد سبقها هجرة أصحاب النبيّ -عليه السّلام- إلى الحبشة على شكل مجموعاتٍ هرباً من بطش كفار قريش وتعذيبهم لهم.[٢]

لا شكّ أنّ تعذيب كفار قريش للمسلمين والتنكيل بهم والاعتداء عليهم بكلّ ألوان العذاب، كان دافعاً رئيسيّاً لهجرة النبيّ -عليه السّلام- وأصحابه، وتركهم موطنهم الأول مكّة، إلّا أنّ ذلك لم يكن السبب الوحيد للهجرة النبويّة، وإنّ من ذلك أنّ أهل مكّة لم يستجيبوا لهذا الدين ويقبلوه، بالرغم من كلّ محاولات النبيّ -عليه السّلام- وتنويع أساليبه معهم، واستعمال الرفق واللين في ذلك، فصار لزاماً عليه أن يبحث عن مكانٍ آخر يقبل هذا الدين ويُعين على نشره وتطبيقه، وليس هذا غريباً على النبيّ محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم؛ فالهجرة والضرب في الأرض من سنن الأنبياء عليهم السّلام؛ ليبلّغوا ما أرسلهم به ربّهم إلى الناس، فهاجر موسى وإبراهيم ونوحٌ وغيرهم من الأنبياء في سبيل دعوتهم، ثمّ إنّ بيعتيّ: العقبة الأولى والثانية، ووجود نواةٍ للإسلام في المدينة، جعلت النبيّ -عليه السّلام- يطمئنّ إلى أهلها ويرنو لأن تكون موطناً بديلاً ومستقرّاً للدين في ظلّ الظروف الراهنة في مكّة، فكانت تلك أهمّ الأسباب التي دعت إلى الهجرة النبويّة، وإلى المدينة على وجه التحديد.[٢]