‘);
}

أول شهيدة في الإسلام

تعرّض المسلمون في أول أيام الدّعوة للظلم والتعذيب الشّديدين لثنيهم عن التوحيد والإيمان، وكان ممّن ثبت على مبدئه سميّة بنت الخيّاط حتى لقيت وجه الله -تعالى- شهيدةً في سبيل ذلك، وهي سميّة بنت خيّاط مولاة أبي حذيفة بن المغيرة، امرأة تمتّعت برجاحة العقل، كانت في خدمة سيّدها حين جاء ياسر من اليمن باحثاً عن أخٍ له كان قد أتى مكّة ثمّ انقطعت أخباره لكنّهم لم يجدوه حيث طلبوه، فعاد إخوة ياسر إلى اليمن، لكنّ ياسراً فضّل العيش في مكّة واستقرّ فيها، وكان يجب على مَن أراد أن يسكن مكّة من خارجها أن يكون في جوار أحدٍ من السادات، فنزل ياسر بجوار أبي حذيفة وهو سيّد سميّة، فتزوّجها ياسر ورزقوا بعمّار وعبد الله، والحريث الذي توفّي قبل البعثة، وكانوا مُخلصين جدّاً لسيّدهم وعائلته، فأحبّهم وأعتق ابنهم عمار إكراماً لهم، وبعد وفاة أبي حُذيفة انتقلت أمّ عمار وابنها عبد الله مملوكين لورثته من بني مخروم، وبقيت العائلة على هذا الحال، حتى ظهر الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- بدين التوحيد الذي ساوى بين الناس، وجعل التقوى هي معيار التفضيل الوحيد بينهم.[١][٢]

لم يتردّد عمار بن ياسر في إعلان إسلامه وانضمامه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأعلن إسلامه في دار الأرقم أمام الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ عاد إلى أمّه بخبر إسلامه، وحدّثها أنّ الدين الجديد يقوم على العدالة والمساواة بين الناس حيث لا فضل لإنسان على أخيه إلّا بالتقوى، فاستبشرت سميّة بهذا العدل والدين خيراً كثيراً حتّى أسرعت بالذهاب إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- معلنةً إسلامها ولقّنها كلمة التّوحيد، حتى كانت من أوائل السابقين إلى الإسلام إذْ كانت من أوّل سبعة دخلوا الإسلام مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.[٢][٣]

كانت أخبار إعلان الناس إسلامهم تشقّ كثيراً على سادات قريش عموماً، وأسياد سمية وعمار من بني مخزوم خصوصاً، فكانوا يقاومون دعوة التوحيد بكلّ وسعهم، فبدأوا بتعذيب هذه المرأة ليُرجعوها عن دينها عُنْوةً، لكنّها رفضت رفضاً قاطعاً وثبتت على مبادئ دينها الجديد، بشكلٍ لم يتوقّعه ساداتها، حتى أعيتهم دون جدوى، ودفعهم ذلك إلى ممارسة أقوى أنواع الظلم والاضطهاد بحقّها حتّى لا يدعوا لها مجالاً إلّا العودة عن الإسلام، لكنّها ثبتت ثباتاً عجيباً هي وزوجها ياسر وابنهما عمّار، وكانوا يأخذونهم إلى رمال الصحراء الحارقة ظهراً، فيربطونهم بالأغلال ويسحبونهم عليها ويجوّعونهم ويمنعون عنهم الماء، وغير ذلك من الجلد والتعرية والسخرية والشتائم، وكانت عائلة عمار صابرة مُحْتسبة لم يمنعها كلّ هذا عن الثبات على ما آمنوا به واتبعوه، وصحّ عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه مرّ عليهم وهم يعذّبون وهو لا يملك أن يقدّم لهم أيّ شيءٍ، فكانت مواساته لهم بقوله: (صبراً آل ياسرٍ، فإنَّ موعدَكم الجنةُ).[٤][٢]