مهرجان «الطبول» الفكرة فنية والتوظيف سياسي والهدف سياحي
[wpcc-script type=”2ce836025df81c87e3ac42fd-text/javascript”]

الطبول لا تدق في حالة الحرب فقط، لكنها تدق أيضاً لإعلان السلام، تلك هي الفكرة الرئيسية التي يستهدفها مهرجان الطبول الذي تُقام دورته السابعة على التوالي في شارع المعز في قلب القاهرة ، في الفترة من 20 مارس/آذار إلى 27 من الشهر نفسه، وهي فرصة التقاء الفنون الاستثنائية لعدد كبير من بعض الدول الإفريقية والعربية والفرق العالمية التي يصل عددها إلى 127 فرقة من 20 دولة، تتناغم فنونها وتتفق مرجعياتها الثقافية مع شعار المهرجان الذي يقدم السلام على الحرب، كإثبات لحُسن النوايا تجاه الشعوب، وإعلاء القيمة الحضارية كمقوم أساسي للتقدم والرفاهية.
ورغم وجاهة الفكرة التي قدمها الفنان انتصار عبد الفتاح منذ سنوات، وتم تفعيلها لتتحول إلى مهرجان كبير يشمل فنون الموسيقى والغناء والفن الشعبي، إلا أن التشابه بينها وبين مهرجانات أخرى لها التوجه ذاته يكاد يُضعف من قيمتها ويجعلها مجرد ترف زائد عن الحد، حيث هناك مهرجان الفنون الشعبية ومهرجان الموسيقى العربية ومهرجان المسرح التجريبي ومهرجان الرقص الإيقاعي الذي قدمه في السابق المخرج المسرحي وليد عوني لفترة قصيرة ثم توقف، هذا في ما يخص المهرجانات الرسمية المتشابهة، أما المهرجانات السينمائية بكل تنويعاتها وتبايناتها فهي فائضة بطبيعة الحال وتغطي سماء المحروسة من شمالها إلى جنوبها، وقد أصدرت وزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم، إبان توليها المسؤولية قراراً وزارياً بتقنينها، ولكنها غضت الطرف عن تزايدها، ربما لإحساسها بضرورة أن تظل الحالة الفنية في حالة إشعاع دائم للاستفادة من ذلك في عمل الترويج السياحي المطلوب، وهي النظرية ذاتها التي تقوم عليها فكرة مهرجان الطبول ودعوة الفرق لحضور الكرنفال العالمي الكبير.
الدعاية مهمة في مسألة تسويق الثقافة والفنون، باعتبار المهرجانات نوعا من الدعاية الجاذبة والمروجة للمنتج الثقافي المصري، وهذه وجهة نظر مردود عليها، حيث لابد أن يسبق التسويق الثقافي، تصنيع ثقافي قادر على المنافسة.
الغريب أن المهرجان الإفريقي الذي يتيح الفرصة أمام فناني القارة السمراء للالتقاء والتنافس والوقوف تحت مظلة إبداعية واحدة يجنح بعيداً ليضم دولاً عربية وأوروبية وآسيوية فتُعمم الفكرة ويتسع نطاق توظيفها فتتبدى الأهداف الحقيقية جلية واضحة وتكشف عن محاولات للترويج السياحي في المقام الأول، وهي بالقطع أهداف مشروعة تماماً ولا غضاضة فيها، لكن يعيبها ذلك التخفي وراء الأقنعة الفنية الملتبسة والمتداخلة، إذ تصعب التفرقة بين الأنشطة الفنية والسياحية، في ظل تعدد الخلفيات التي باتت شماعات تُعلق عليها أي فعاليات وأي شعارات، ويتم بموجبها تنفيذ أفكار ملائمة أو غير ملائمة، مكررة أو جديدة.
وإذا كانت الجدوى من تنظيم مهرجان الطبول هي التقاء وفود الدول المشاركة، من مصر وسوريا والسعودية والجزائر وتونس وفلسطين ونيجيريا وبلغاريا والمكسيك والصين والهند واليونان والمالديف وباكستان وسري لانكا، فهذا الهدف نفسه يتحقق في كل المهرجانات التي تُقام على مدار السنة، ومن ثم يصبح المهرجان المعني تحصيل حاصل، والأولى منه هو العناية بالآثار التاريخية المهدمة والعمل على ترميمها لتُصبح السياحة واقعاً لا شعاراً، غير أن الغالبية من المسارح المصرية مُعطلة منذ سنوات لأسباب لا تخف عن السادة المسؤولين وأصحاب القرار في وزارة الثقافة .
قد تكون وجهة نظر البعض في هذا الخصوص أن الدعاية مهمة في مسألة تسويق الثقافة والفنون، باعتبار المهرجانات نوعا من الدعاية الجاذبة والمروجة للمنتج الثقافي المصري، وهذه وجهة نظر مردود عليها، حيث لابد أن يسبق التسويق الثقافي، تصنيع ثقافي قادر على المنافسة، وهذا لن يتأتى إلا في ظل إصلاح عيني وواقعي للمنشآت والمؤسسات والفرق وهي بنود وأسس غير متوافرة بشكل حقيقي، ولهذا يتم الاعتماد على المهرجانات والكرنفالات لتغطية جوانب العجز والقصور ليظل الظاهر من اللوحة هو الشكل البراق فقط. يبقى الأجمل في الاحتفالية الفنية الكبرى، ذلك التواجد الإبداعي المتميز للفرق المصرية الإقليمية الآتية للمحفل الموسمي من بور سعيد والنوبة والصعيد، تحمل أفكاراً ثرية مُترجمة في عروضها التلقائية المبهرة وهي التي تغزل كما يقول المثل الشعبي «برجل حصان»، كما أن الأكثر إبهاراً في الماراثون كله يظل مُدخراً في الحرف والصناعات والمنتجات اليدوية التي أبدعتها أيدي الفنانين المحترفين وشكلت مكوناً فنياً رئيساً في المعرض الذي أقيم في شارع المعز، على هامش المهرجان وإيقاع الطبول.
٭ كاتب من مصر