«موت للبيع» و«حكاية مكررة»: المغرب العربي ومشكلات الأقليات والمهمشين

القاهرة ــ «القدس العربي»: من خلال برنامج عروض مركز الفيلم البديل (سيماتِك) الذي يأتي في إطار الورشة الثانية للنقد السينمائي، ويقدمها الناقد للتونسي الطاهر الشيخاوي عُرضت بسينما زاوية مجموعة من الأفلام المُختارة، التي تحاول البحث عن لغة سينمائية جديدة، ومناقشة مشكلات يُعاني منها المجتمع المغاربي، سواء داخل هذه البلدان، كما في الفيلم المغربي «موت للبيع» من تأليف وإخراج فوزي بن السعيدي، أو خارج هذه البلدان، كما في الفيلم الفرنسي «حكاية مكررة» للجزائري رشيد دجداني. وكل منهما ينتمي للسينما الروائية، وسنخصص الجزء الثاني من المقال للحديث عن الفيلمين الوثائقيين اللذين عُرضا ضمن برنامج عروض الأفلام، الذي استمر من 30 أكتوبر وحتى 3 نوفمبر.

«موت للبيع» و«حكاية مكررة»: المغرب العربي ومشكلات الأقليات والمهمشين

[wpcc-script type=”59a30084cd1f3a5d3540c1e3-text/javascript”]

القاهرة ــ «القدس العربي»: من خلال برنامج عروض مركز الفيلم البديل (سيماتِك) الذي يأتي في إطار الورشة الثانية للنقد السينمائي، ويقدمها الناقد للتونسي الطاهر الشيخاوي عُرضت بسينما زاوية مجموعة من الأفلام المُختارة، التي تحاول البحث عن لغة سينمائية جديدة، ومناقشة مشكلات يُعاني منها المجتمع المغاربي، سواء داخل هذه البلدان، كما في الفيلم المغربي «موت للبيع» من تأليف وإخراج فوزي بن السعيدي، أو خارج هذه البلدان، كما في الفيلم الفرنسي «حكاية مكررة» للجزائري رشيد دجداني. وكل منهما ينتمي للسينما الروائية، وسنخصص الجزء الثاني من المقال للحديث عن الفيلمين الوثائقيين اللذين عُرضا ضمن برنامج عروض الأفلام، الذي استمر من 30 أكتوبر وحتى 3 نوفمبر.

«موت للبيع»

فيلم «موت للبيع» هو الثالث لمخرجه المغربي فوزي بن السعيدي، إنتاج عام 2011، بعد فيلميه «ألف شهر» 2003 و»إنه عالم رائع» 2006. وقد نال فيلمه الأخير العديد من الجوائز داخل المغرب وخارجها، منها الجائزة الكبرى بمهرجان تطوان الدولي، وجائزة الإخراج بمهرجان السينما العربية والآسيوية بنيودلهي. كما تم ترشيحه رسمياً ليمثل المغرب في مسابقة الأوسكار عام 2013. يدور الفيلم حول عالم المهمشين والجريمة من خلال 3 من الشباب مختلفي الأعمار (مالك في منتصف العشرين)، (علال في حوالي الثلاثين) و(سفيان على أعتاب العشرين)، جمعتهم ظروفهم الاجتماعية المختلفة لمواجهة الواقع ومحاولة التسلق إلى فئة اجتماعية أخرى، لكن بلا جدوى، كلها محاولات تنتهي بمأساة. مالك الذي لا يرى إلا (دنيا) والحياة من أجلها، فتاة بيت الهوى، التي يعشقها، ويحاول تخليصها بشتى الطرق من هذا العالم، ليحيا معها ــ مالك هو صاحب الخط الأساسي للحكاية ــ وهو بذلك يريد فعل أي شيء للحصول على النقود، أما (علال) فهو الأكبر سناً، الذي لا يعترف إلا بقسوة الحياة ومحاولة الثأر منها بأي شكل، فلا يوقفه ولا يعوقه شيء، وهدفه مُحدد ما بين تجارة المخدرات أو السطو على أشهر محال المجوهرات في المدينة. بخلاف (سفيان) الذي لم ينج من المراهقة، ويحب فتاة في مثل سنه، إلا أنه لا يتورع عن سرقة حقيبة زميلتها، ليمسك به الطلاب ويوسعونه ضرباً أمام محبوبته.

تنويعات لفكرة واحدة

لم يقتصر مجتمع اللصوص هذا على أبطال الفيلم، بل امتد ليشمل أسرهم ومحيطهم الاجتماعي، فعم (مالك) وزوج أمه بعد وفاة أبيه، يسطو على متجر المخبوزات المملوك لمالك واخته التي على مشارف العنوسة، والتي تعمل بأحد المصانع، والتي يحرضها الرجل على سرقة بعض شارات الماركات العالمية من المصنع لبيعها. إضافة لوالد (علال) السكير، الذي لا يستفيق من الخمر، ولا يهتم بشيء. التنويعة الأخرى تبدو في نمط المرأة… بداية من أم مالك المغلوبة على أمرها، مروراً باخته التي تهرب للزواج من آخر متزوج، لا تجد منه سوى استغلالها جنسياً، وصولاً إلى (دنيا) التي تمتهن رسمياً مهنة الدعارة، والتي يحاول مالك أن يهرب بها من هذا الوباء، الأخت تعود للبيت وتنتحر، ودنيا تفر من مالك وتهرب تماماً في النهاية.

ما بين رجل البوليس
ونواب الله على الأرض

في هذا الفساد والإحباط لا يجد أحد المفر سوى الوقوع في فخ البوليس المتمثل في رجل الشرطة ــ يقوم بالدور فوزي بن سعيدي نفسه ــ أو المتأسلمين، يذهب مالك ليعمل مع البوليس، بينما سفيان يصبح أحد جنود الله على هوى جماعته، الوحيد الذي يعرف ما يريد هو علال الأكبر سناً. تبدأ الأحداث في التسارع هنا .. يشي مالك بزوج أمه ويخبئ له المخدرات في محل الخبز، يعتبره الضابط أحد مرشديه، ويعطيه دنيا المحتجزة لديه، بل ويستأجر لهما حجرة في فندق ويعطي مالك النقود، وهو ينتظر أن يأتي له بقضية هنا أو هناك. يعود علال ويخطط لسرقة محل المجوهرات، يجبر سفيان على الاشتراك في السرقة، إلا أن سفيان يرى أن الهدف لم يعد السرقة، بل القضاء على عدو الله الصائغ اليهودي. يضاجع علال دنيا، ليثبت لمالك أنها لا تحبه، وتخبره دنيا بأن علال اغتصبها ــ الإيقاع هنا يتسارع بهدف لملمة أوراق الدراما وإنهاء الحكاية ــ يشترك الثلاثة ويشي مالك بالجريمة، يقتل سفيان الصائغ، ويقتل الضابط علال، ويفشل في قتل مالك، الذي يفر بالمصوغات ويصل إلى دنيا في محطة باصات لمغادرة المدينة، فتراوغه وتهرب، وتتركه وحيداً.

الشكل الفيلمي وتشوّش الدراما

حاول بنسعيدي أن يسرد حكايته من خلال عدة أشكال فيلمية .. كالبوليسي ــ خاصة الفرنسي ــ والملحمي، وصولاً إلى الشكل التوثيقي سواء للمكان ــ تطوان شمال المغرب ــ أو للشخصيات وبيئتها والإيحاء عبر الكاميرا المحمولة بأن ما يحدث حقيقي ولو بنسبة ما، رغم التخطيط الجيد جداً للقطات وحركة الممثلين والكاميرا ــ الميزانسين ــ فالرجل ممثل ومخرج مسرحي بالأساس، فأصبح أكثر ما يهمه الصورة وتكوين الكادر واللغة البصرية، التي نجح إلى حد كبير في تحقيق كادرات متميزة، لكنها في الأغلب بعيدة عن المعنى والهدف الدرامي، الذي طاله التشوّش بدوره، فالحكاية وإن دارت في شكل بوليسي، إلا أن الأساليب اختلطت، هناك مشهد لافت، عند تفتيش منزل والد علال … هناك رجل بوليس يفتش المكان ويستريح ويستأنف رجاله التفتيش، حتى اقتياد الأب خارج الحجرة، وهو الجالس يشرب الخمر طوال المشهد، والذي لم يكن شريطه الصوتي سوى أغنية أسمهان «إمتى هاتعرف». وهو ما يُذكّر بمشاهِد إيليا سليمان التي تعتمد على المجاز والحذف، أكثر من التفاصيل. وهذا ما يؤكد اختلاط الأساليب والرؤى داخل الفيلم، لصالح تحقيق صورة أعجبت المخرج المؤلف، فحاول تنفيذها بغض النظر عن دراما الفيلم.

حكاية مكررة

من خلال قصة حب بين الجزائرية المُسلمة سابرينا والمسيحي الأسود دورسي، وفوق الأراضي الفرنسية تنشأ المأساة المتكررة في قصص الحب، إلا أن الصراع هنا يأخذ شكل العقيدة واللون، فالجميع غرباء عن أوطانهم، لكن تقاليدهم ومفاهيمهم البالية تصبح أشد قسوة من حالة الاغتراب هذه.
من خلال هذه الفكرة أراد المخرج الجزائري رشيد دجداني أن يحكي فيلمه الروائي الأول، ورغم مأساوية الأحداث يبدو الحِس الساخر والمفارقات المتوالية.. فالفتاة لديها 40 من الأخوة، يتزعمهم الأخ الثاني في الترتيب، يحاول جمع اخوته للنيل من هذا الشاب الأسود والمخالف لهم في الديانة، الذي يريد الزواج من شقيقتهم، المفارقة أن هذا المتحمس للثأر الذي يدور في أنحاء المدينة ليل نهار ليجمع المؤيدين من الأخوة، واقع بدوره في حب فتاة يهودية تطلب منه التعرّف إلى أسرته، وهو يحاول إقناعها أن حياتهما تخصهما وحدهما!

أقلية مغمورة

حاول المخرج تأصيل الحالة أكثر للعاشقين، فالفتاة عازفة لم تزل تتلمس طريقها، وفتاها ممثل لا يجد أي فرصة، وموهبته المحدودة في التمثيل تجد صداها فقط في قلب فتاته، لنتعرّف على محيطهما الاجتماعي في أزقة وطرقات فرنسا الضيقة، التي أصبحت لا تحتوي إلا مثل هؤلاء الذين يتاجرون في المخدرات، والمأجورين لتصفية حسابات أشخاص مقابل الدفع لهم، عالم آخر على هامش قصة الحب يتجلى بقوة.
وبعد صراعات نفسية للفتاة وفتاها تنتهي الحكاية في سخرية مريرة تخالف التوقعات، فالأخ الذي يريد الثأر لشرف عائلته المنهار يُقابل العاشق الفاشل في الحياة والمتحقق في الحب، ويعتذر له ويطلب منه أن يُسامحه على كل ما سبق من مضايقات وتوترات سببها له ولشقيقته، هكذا فجأة بعد لقاء مع الشقيق الأكبر رقم (1) في عصابة الأخوة الأربعين، الذي كشف لممثل الانتقام زيفه وتاريخه الأسود بدوره.

هويات زائفة

حياة متوترة يحياها الجميع ــ بخلاف العاشقين ــ وكل منهم يريد تحقيق حالة من التوازن والثقة عن طريق السيطرة على الطرف الأضعف، سواء كان امرأة أو شابا صاحب لون مختلف، هناك حالة من العنصرية يتنفسها الجميع، حالة من عدم التسامح تسرد تفاصيلها طوال الأحداث، وما الحل النهائي والصفح عن العاشق الأسود إلا حل ساخر لمشكلة قائمة تتنفسها الأقليات التي تحاول اللجوء إلى ذواتها وتقاليدها البالية، ظناً منها أنها تحافظ على هويتها في المقام الأول، وهي في الأصل تنكرها بينها ونفسها، وتحاول التخلص منها كعبء لا يُحتمل.

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *