شهدت الفترة الأخيرة جدلاً واسعًا حول زواج الشباب المسلم من أجنبيات ، وظهر من يؤكد أن ما يحدث يمثل ظاهرة خطيرة ، خاصة وأن إحدى المدن السياحية في مصر أصبحت سوقًا لمثل هذا الأمر ، يخضع للعرض والطلب ، وانتشار مكاتب المحامين الذين يحررون ورقة الزواج العرفي ، ومع أن الورقة واحدة من حيث الشكل والصياغة ، لكن لكل منها سعرًا تبعًا لاسم المحامي الذي يحررها .
وأكدت بعض الفتيات الأجنبيات أن كثيرًا من الشباب المصري الذي يعمل في هذه المدينة يتقدم لإحدى الفتيات طالبًا منها الزواج بمجرد أن تقع عينه عليها ، والغريب أن بعض الشباب اعترف بذلك ، فهذا الزواج يحقق له أولاً المتعة الجنسية في إطار قانوني ، ويؤهله للسفر مع الفتاة إلى موطنها الأجنبي للعمل والكسب والإقامة ، بعد مغالاة الأسر المصرية في المهور وتكاليف الزواج .
تعاليم الإسلامsize=3>
الزواج كما أشار الشيخ سيد سابق في “فقه السنة” من سنن الله في الخلق والتكوين ، فهو الأسلوب الذي اختاره للتوالد والتكاثر ، واستمرار الحياة ، بعد أن أعد كلا الزوجين وهيأهما ، بحيث يقوم كل منهما بدور إيجابي في تحقيق هذه الغاية ، ولم يشأ الله أن يجعل الإنسان كغيره من العوالم ، فيدع غرائزه تنطلق دون وعي ، ويترك اتصال الذكر بالأنثى فوضى لا ضابط له ، بل وضع النظام الملائم لسيادته ، والذي من شأنه أن يحفظ شرفه ويصون كرامته ، ووضع للغريزة سبيلها المأمونة ، وحمى النسل من الضياع ، وصان المرأة عن أن تكون كلأ مباحًا لكل مرتع ، ووضع نواة الأسرة التي تحوطها غريزة الأمومة ، وترعاها عاطفة الأبوة ، فتنبت نباتًا حسنًا وتثمر ثمارها اليافعة .
ومما قاله أيضًا : الزواج ضرورة لا غنى عنها ، وأنه لا يمنع منه إلا العجز أو الفجور ، كما قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ، وأن الرهبانية ليست من الإسلام في شيء ، وأن الإعراض عن الزواج يفوّت على الإنسان كثيرًا من المنافع والمزايا ، وكان هذا كافيًا في دفع الجماعة المسلمة إلى العمل على تهيئة أسبابه وتيسير وسائله ، حتى ينعم به الرجال والنساء على السواء ، ولكن على العكس من ذلك ، خرج كثير من الأسر عن سماحة الإسلام وسُمُو تعاليمه ، فعقَّدوا الزواج ووضعوا العقبات في طريقه ، وخلّفوا بذلك التعقيد أزمة تعرض بسببها الرجال والنساء لآلام العزوبية ، والاستجابة إلى العلاقات الطائشة ، ومعظم أسباب هذه الأزمة ترجع إلى التغالي في المهور وكثرة النفقات التي ترهق الزوج ، ولا بد من العودة إلى تعاليم الإسلام في هذا الشأن .
قيـــودsize=3>
ولكن ماذا عن لفظ الأجنبيات “غير المسلمات “؟
يوضح الدكتور يوسف القرضاوي الأمر قائلاً : ” لفظ الأجنبيات يشمل المشركة التي تجعل لله أندادًا أو شركاء ، فهذه يحرم الزواج منها على الإطلاق ، حيث يقول الله عز وجل : “ ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنَ ، ولأمة مؤمنة خيرٌ من مشركةٍ ولو أعجبتكم ، ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ، ولعبدٌ مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم ، أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ، ويُبين آياته للناس لعلهم يتذكرون “size=3> (البقرة ، الآية : 221).
ويشمل أيضًا الملحدة ؛ وهي التي لا تؤمن بدين أو ألوهية أو نبوة أو كتاب ، كالشيوعية ، فيحرم الزواج منها إطلاقًا ، ويشمل كذلك المرتدة وهي التي تكفر بعد الإيمان ، فهي كافرة من أصحاب النار ، كما قال الله عز وجل في الآية 217 من سورة البقرة : ( ومن يرتد منكم عن دينه ، فيمت وهو كافر ، فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة ، وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )size=3> ، وأيضًا (الكتابية وهي المسيحية أو اليهودية ) فهي أهل كتاب سماوي ، أباح الإسلام الزواج من الكتابية ، تشجيعًا على التقارب والمودة والأخوة الإنسانية ، وتشجيعًا لها على دخول الإسلام .
ويضع الدكتور القرضاوي قيودًا عند الزواج من كتابية ، ويؤكد ضرورة مراعاة التأكد من كونها كتابية أي تؤمن بدين سماوي الأصل كاليهودية والنصرانية ، وأن تكون عفيفة محصنة ، وألا تكون من قوم يعادون المسلمين ويحاربونهم ، وألا يكون من وراء الزواج من الكتابية فتنة ، ولا ضرر محقق أو مرجح ، بأن يزداد الزواج من الأجنبيات ، وتبقى الفتيات المسلمات دون زواج مما يترتب عليه الحرمان أو الانحراف .
مخاطـــرsize=3>
وحول الزواج من الكتابية ، تشير الدكتورة آمال عبد الغني “مدرس الشريعة بجامعة المنيا ” إلى أن التعبير القرآني دقيق وهو يحوي مجموعة شروط في الذين أوتوا الكتاب حيث تقول : تكرار لفظة “المحصنات” لكل من المؤمنات والذين أوتوا الكتاب فلم يقل : والمحصنات من المؤمنات ومن الذين أوتوا الكتاب ، إنما قال “والمحصنات من المؤمنات ، والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ” حتى يتبين ضرورة شرط العفة والإحصان ، وإضافة صفة ” من قبلكم” للذين أوتوا الكتاب تحتاج إلى دراسة وتحديد .
وتضيف : ” هذا الزواج حتى وإن استوفى شروطه الشرعية مشكوك في نجاحه واستمراره ، حيث هناك اختلافات جذرية بين البيئة العربية والبيئة الأوروبية ؛ حيث تقوم الفتاة الأوروبية بتزويج نفسها دون ولي ، وعدم وجود رغبة في الإنجاب من جانب تلك الزوجة ، فالمسألة بالنسبة لها مجرد متعة جنسية ، وانقطاع الكثير من العلاقات الأسرية ، حتى تكاد تنعدم ، فمعظم الأسر المصرية ترفض هذا الزواج لعدم فهم الزوجات الأجنبيات للشريعة الإسلامية ، من زي وطعام وشراب وسلوك ، ومخاطر أخرى كثيرة ، وإذا كانت تلك الزوجة جادة في الزواج فيجب عليها أولاً التعرف على أخلاق الإسلام وصفات المسلمين لتتمكن من التعامل مع زوجها المسلم على ما هو عليه من خلق وما يتصف به من آداب وليس العكس ، ويلزم على تلك الزوجة التعرف أيضًا على أساليب التربية الإسلامية للأطفال .
الخروج من المأزقsize=3>
وخروجًا من هذا المأزق ، ومواجهة لهذه الظاهرة قبل أن تستفحل يقول الدكتور يوسف القرضاوي : ينبغي أن يمنع الزواج من غير المسلمات سدًا للذريعة ، وكما هو معلوم فدرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، ولا يسوغ القول بجوازه إلا لضرورة قاهرة أو حاجة ملحة ، فالزواج من المسلمة أولى وأفضل ، لتوافق الزوجين من الناحية الدينية ، وأعون على الحياة العتيدة ، حتى أن الإسلام يُرَّغب في الزواج بذات الدين .
ويرى الدكتور محفوظ عزام أستاذ الشريعة أن الحد من ظاهرة الزواج من أجنبيات أمر ضروري ، وذلك من خلال عدم المغالاة في المهور ، وتكاليف الزواج ، وعلينا أن نشجع إقامة حفلات الزواج الجماعية ، وتكثيف جهود رجال الإعلام لتوجيه العامة إلى عدم المغالات في المهور ، وتحقيق الولاء للوطن ، وهذا يتحقق من خلال المقررات الدراسية والمؤسسات الاجتماعية .