مَلمَحُ السكينةِ في تجربة التشكيلية المغربية خديجة الخليفي

المشاهد للوحات خديجة الخليفي سيستوقفه هدوء ألوانها، ونقصد بهدوء الألوان شفافيتها من حيث درجات وقعها، شفافية تجعلها متقاربة إلى حد التداخل المتسق البعيد عن التضاد والتناقض، فرغم الاختلاف البسيط بين موضوعات لوحاتها، ظلت الألوان محتفظة بإيقاعها نفسه الموحي بالاستقرار والسكينة. وتعتمد الفنانة الألوان وفق استراتيجية استخدام ألوان محددة، من زاوية إظهار الإضاءة، كعنصر يضفي على […]

مَلمَحُ السكينةِ في تجربة التشكيلية المغربية خديجة الخليفي

[wpcc-script type=”8ed3175ad8918b080842ff23-text/javascript”]

المشاهد للوحات خديجة الخليفي سيستوقفه هدوء ألوانها، ونقصد بهدوء الألوان شفافيتها من حيث درجات وقعها، شفافية تجعلها متقاربة إلى حد التداخل المتسق البعيد عن التضاد والتناقض، فرغم الاختلاف البسيط بين موضوعات لوحاتها، ظلت الألوان محتفظة بإيقاعها نفسه الموحي بالاستقرار والسكينة. وتعتمد الفنانة الألوان وفق استراتيجية استخدام ألوان محددة، من زاوية إظهار الإضاءة، كعنصر يضفي على اللوحة العمق والجمالية في الآن ذاته، وعلاوة على ذلك نجد ميلها لاستخدام الألوان ذاتها باختلافات تقتضيها الموضوعات المختلفة للوحات، ونجدها تنبئ بحذر الاختيار من منظورها الخاص.

البساطة والعمق

إن بساطة المفردات المختارة في اللوحة، لا يعفيها من العمق الذي تضفيه على اللوحة عملية التلوين، وعملية عقد الانسجام بين لون ولون، مع الحرص على إبداء الفراغ الإيجابي، الذي يضيف نوعا من الجمالية للوحة، حين يتكامل مع ما يقدمه ملمحها العام. والمقصود بالفراغ الإيجابي في التشكيل، الفراغ الذي يؤثث بأشياء وألوان تضيف للمضمون ما يعمق الرؤية في ثناياه.
لوحات الخليفي في ملمحها العام، تحيل على الراحة النفسية، والتأمل العميق للمعطيات البسيطة، التي تنم عن منظور تأملي للحياة. فهي تحاول من خلال أعمالها الفنية جعل الفضاءات والمفردات المثبتة عليها، تفضي إلى عكس الهدوء المحرك للتأمل العميق، في أجواء اللوحة، معلنة التحرر من الضجيج، الذي يعتمل في حياتنا اليومية المفعمة بالتوترات العلائقية بين الحين والحين.
الوحدة المتكاملة في اللوحة
انطلاقا من إشاراتنا السابقة نقف أمام لوحات يمكن اعتبارها مشكلة لوحدة، من حيث موضوعاتها ــ الاقتصار على ثيمة واحدة ــ المتمثلة في رسم للطبيعة في سكونيتها، حيث تتكامل كل الملامح لتجسيدها وموضعتها بشكل يثير فضول وتأمل المتلقي. وهذه الوحدة الملحوظة في جل أعمالها، استدعت وحدة أخرى وهي، وحدة الشكل ونقصد به الارتباطات المتسقة بين عناصر اللوحة فوق فضاء خاضع لهندسة محددة من قبل المبدع، ما يمنح العمل الفني القدرة على التواصل مع المتلقي بيسر، ضمن نظرة كلية وشاملة. وكلا العنصرين (وحدة الفكرة والشكل) يحيلان بشكل أو بآخر على فرادة الأسلوب الذي يميز فنانا عن آخر.

العناوين المفسرة

كثير من المبدعين يتركون لوحاتهم مفتوحة بلا عناوين مقتنعين بتعدد الرؤى، خشية الإساءة إلى الجمال بعناوين قاصرة مهما كانت تركيبتها. ذلك أن العنوان لن يكون سوى تلخيص لوجهة نظر أحادية، يجب عدم فرضها على المشاهدين، هؤلاء الذين يجب إشعارهم بجدارة القراءة الشخصية لهم، مستندين إلى ما يبدو لهم من رؤى، وما يتوصلون إليه بعيدا عن التسلح بعناوين، قد تكون قاصرة أو مضللة أو فقيرة الدلالة مقارنة بالعمل الفني ذاته، بل إن مبدعين آثروا إلا يوقعوا لوحاتهم لأن لهم بصمة خاصة بهم. والحال أن الفنانة خديجة الخليفي من التشكيليات اللائي عنونَّ لوحاتهن بعناوين تساعد على مقاربة موضوعاتها، وهكذا نجدها تعطي لكل لوحتها عنوانا معينا، مثل .. تصفح، قوة الحب، مياه الأمل، مرآة الحياة، رحلة إلى الصفاء، إشراقة الأمل، احتفال، رؤيا، وشجرة التمني. عناوين نعتبرها عاكسة لوجهة نظرها حول أعمالها من حيث موضوعاتها على الأقل.
تبقى تجربة الخليفي تجربة تبحث لها عن مكان وبصمة تميزها عن غيرها، ولعل اشتغالها على ثيمات متقاربة بالإيقاع اللوني والشكلي نفسه، سيجعلها في الآتي قادرة على تعميق منظورها الجمالي بكل أبعاده، عبر التجريب ومواصلة البحث عن أسس تأليف الأشكال والمفردات بملامح أكثر قدرة على التعبير عن مكنونات النفس والوجدان.

٭ كاتب من المغرب

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *