مَنْ وراء فيديو الشيخ عكرمة صبري؟ «أم زكي» أصدق من باسم ياخور… ولغة بكركي الفصيحة

لا يخطر في البال أن تتحوّل فقرة من «سباق الأخبار» على قناة «الجزيرة» موضوعها هبوط مركبة الفضاء «ريسيرفيرانس» على سطح المريخ، إلى مادة للتنكيت من طرف واحد، هو المذيع عثمان آي فرح، من دون ضيفته ريم تركماني المتخصصة في الفيزياء الفلكية. يسأل المذيع: «تفاجأتُ أن هذا الحدث هو الأهم، حسب تصويت المشاهدين، وليس أي حدث […]

مَنْ وراء فيديو الشيخ عكرمة صبري؟ «أم زكي» أصدق من باسم ياخور… ولغة بكركي الفصيحة

[wpcc-script type=”970a057e2280c25a3160ebd3-text/javascript”]

لا يخطر في البال أن تتحوّل فقرة من «سباق الأخبار» على قناة «الجزيرة» موضوعها هبوط مركبة الفضاء «ريسيرفيرانس» على سطح المريخ، إلى مادة للتنكيت من طرف واحد، هو المذيع عثمان آي فرح، من دون ضيفته ريم تركماني المتخصصة في الفيزياء الفلكية.
يسأل المذيع: «تفاجأتُ أن هذا الحدث هو الأهم، حسب تصويت المشاهدين، وليس أي حدث سياسي آخر! إلى هذه الدرجة هناك عدد كبير يريد أن يخلص، أن يغادر هذا الكوكب؟» ثم ينقلب إلى الجدّ فوراً: «من ناحية جدية؛ أبحاث كثيرة، ومركبات تسير، مسبار هنا ومسبار هناك، ما أهمية أن نجد دلائل على وجود حياة في المريخ أم لا؟». في جدّه يظهر المذيع قدراً أكبر من الهزل، ونحسب أن المقصود من كل هذه الطريقة الهازلة سيطلّ برأسه مع عبارة «مسبار هنا ومسبار هناك» وعلى أي حال، ولمن لم يلتقط الفكرة بعد، ستأتيه حالاً على شكل مقاطعة من المذيع لضيفته: «بما أنك تطرقت للموضوع، كان هناك مسبار الأمل الذي شاركت به الإمارات، ما هو الفرق بينه وبين هذه الرحلة؟» وصولاً إلى سؤال آخر: «وليش كل هذه الغلبة، وليش ح يطلقوه مثلاً (مع ضحكة)؟ ما هي الفائدة العلمية؟ ماذا سنستفيد؟».

بلد يهتمّ بالوصول إلى المريخ، لكنه لا يهتم أبداً لأبسط حقوق الإنسان! بل قد يحدث أن يحتجز حرية أبنائه، أو يطارد زوجة هاربة من ظلمه. تماماً مثل أنْ يخطط حاكمٌ لبناء مدينة ولا أجمل، لكنه لا يتورع عن تقطيع معارض سلميّ له بالمنشار.

يبدو أن المذيع لم يكن جاداً فعلاً في استقصاء أحوال المركبة وأبحاث علوم الفضاء وأثر استغلالها لأغراض عسكرية أو دعائية، لقد أراد عثمان آي فرح أن يستثمر سباق الأخبار للمناكفة السياسية.
يمكن أن نفهم تلك السخرية في برنامج ساخر أو منوّع، لا في مقابلة علمية اختصاصية. يمكن كذلك أن نفهم، في مساحة إعلامية أخرى، الحديث عن مفارقات بلد يهتمّ بالوصول إلى المريخ، لكنه لا يهتم أبداً لأبسط حقوق الإنسان! بل قد يحدث أن يحتجز حرية أبنائه، أو يطارد زوجة هاربة من ظلمه. تماماً مثل أنْ يخطط حاكمٌ لبناء مدينة ولا أجمل، لكنه لا يتورع عن تقطيع معارض سلميّ له بالمنشار.
من الأجدى أن تهتمّ الحصّة المخصصة للعلم بالعلم وحده، لا بالمكايدة السياسية.

الدعاء غير المستجاب

بعد تراجعه عن الفيديو الأول، الذي تمنّى فيه الشيخ عكرمة صبري، خطيب المسجد الأقصى، لرجل المخابرات السوري بهجت سليمان الشفاء إثر إصابته بكورونا، واصفاً إياه بـ : «المناضل صاحب القامة الكبيرة» وبأنه «لواء في سوريا ولدى العرب أجمعين» لم يترك الشيخ كلاماً يقال، بعد تأكيده، في فيديو جديد، إثر موجة عارمة من الغضب، وكان سليمان حينها قد قضى:

أي قوّة وتأثير ورجال لبهجت سليمان دفعت بالشيخ لتخصيص جزء من وقته للدعاء لرجل مخابرات مخضرم في فيديو مصور!

«كنتُ، وما زلتُ ضد النظام السوري، ومن يقول غير ذلك يكون مفترياً، وفي الوقت نفسه فإني أقف مع الشعب السوري المظلوم. أما المعلومات التي وصلتني بخصوص بهجت سليمان فقد كانت مختلفة عن الواقع، وأنها كانت غير واضحة لديّ».
لكن سؤالين يظّلان يشغلان البال ويبلبلانه حقاً؛ الأول، في أي ظروف قام الشيخ بتصوير الفيديو الأول، مَنْ طلبَ ذلك، أي قوّة وتأثير ورجال لبهجت سليمان دفعوا بالشيخ لتخصيص جزء من وقته للدعاء لرجل مخابرات مخضرم في فيديو مصور؟! لو فهمنا ظروف إنجاز هذا الفيديو لصار بإمكاننا فهم ظاهرة حيّرت المؤرخين والمحللين السياسيين: الفلسطينيون المؤيدون للنظام السوري.
أما السؤال الثاني فيتعلّق بالبحث عن أسباب الدعاء غير المستجاب.

صرخة هدى شعراوي

قالت أم زكي، داية «باب الحارة» (الفنانة هدى شعراوي) إنها رأت بأم العين أباً يعرض طفله للبيع في دمشق،لأنه أراد أن يطعم أبناءه الستة الباقين. وأضافت أنها رأت سوريين يأخذون لقمتهم من حاويات القمامة. لا جديد في ما تقوله الممثلة المعروفة، فهي تعيد ما نقرأه يومياً هنا وهناك على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يمكن أن نلمس في تدوينات عديدة أفظع صور الفقر والقهر والحرمان.
«أم زكي» تعرف المصيبة، لكن لا يبدو أنها تتجرأ على تحديد أسبابها، وهذا مفهوم في بلد تحكمه عصابة متوحشة. يسألها المذيع ما أسباب ذلك الفقر، جوابها العفوي الأول سيكون «الدولة» لكن أجهزة الأمن التي في الرأس سترفع سبابتها محذرةً، فتستدرك: «لا مو الدولة، التجار». ثم تسأل فوراً عن غياب الرقابة على التجار! ولا كأن الرقابة هي الدولة، ولا كأن غياب الرقابة على السلع والأسعار يعني غياب الدولة.

الجوع الرهيب الذي بَلَغَه السوريون بسبب نظام الأسد لا يمكن أن يكون بلا نهاية

بعد كل ذلك تطلب أم زكي من بشار الأسد أن يكون مع الناس: «يا سيادة الرئيس، الله يوفقك خليك معنا». وكأن بشار مشغول على جبهات القتال، ولا وقت لديه للنظر في شأن الجوع الذي لم تشهد مثله البلاد في كل حياة الفنانة، كما تقول. لا تريد أن ترى أنه أحد أخطر أسباب الجوع، إن لم يكن سبباً وحيداً.
الأهم في هذه المقابلة الإذاعية أنها تأتي رداً عفوياً على فيديو باسم ياخور المدروس، الذي حاول قبل أسبوع واحد فقط من مقابلة زميلته إقناعنا بأن الألف ليرة ما زالت تحكي، وأن بإمكان المواطن السوري أن يقيم حفلة شواء بألف ليرة!
مهما كابرَ السوريون بأن ثورتهم كانت ثورة كرامة لا جوع، لا يمكن لأحد أن يغفل الجوع كسبب عميق، وإن لم يكن سبباً وحيداً (قبل هدى شعراوي كان هنالك تصريح لعبدالحليم خدام عند انشقاقه العام 2005حول أن سوريين يحصلون على قوتهم من القمامة).
الجوع الرهيب الذي بَلَغَه السوريون بسبب نظام الأسد لا يمكن أن يكون بلا نهاية. إنْ انعدمت الأسباب، سيكون الجوعُ هو كل الأسباب.

لغةٌ إذا وقعتْ

أخذ بعض الممانعين على البطرك بشارة الراعي في خطبته الأخيرة المثيرة للجدل، والتي طالب فيها بحياد لبنان وبمؤتمر دولي، أنه ارتكب أخطاء كثيرة باللغة العربية. زعموا أن الأخطاء شوّشت تركيزهم، لم يفهموا تماماً مقاصد الرجل في خطاب اعتُبر تاريخياً.

هذه المرة، لغة ركيكة برسالة واضحة، أجمل ألف مرة من بلاغة تمجّد الظلم وتنشد التزوير.

في ساحة بكركي، أثناء الخطاب، علا صوت الناس بهتاف وحيد: «الشعب يريد إسقاط النظام» هتاف مكرر منذ عشرة أعوام على الأقل، بطريقة أو بأخرى، فهل تحتاج هذه العبارة المقتضبة إلى شرح وتشكيل حروف!
هذه المرة لغة ركيكة برسالة واضحة، أجمل ألف مرة من بلاغة تمجّد الظلم وتنشد التزوير.

٭ كاتب فلسطيني سوري

Source: alghad.com

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *