نجيب محفوظ… حضور مُتجدد وحالة أدبية استثنائية في مصر والعالم العربي

القاهرة ــ «القدس العربي»: أقامت لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة احتفالية بعنوان «نجيب محفوظ .. حضور مُتجدد»، بمناسبة مرور الذكرى «الثامنة» لرحيل أديب مصر الكبير(11 نوفمبر 1911 ــ 30 أغسطس 2006 ). أدار الندوة الأديب يوسف القعيد، وكان المتحدث الرئيس الناقد «د. جابر عصفور» بصفته ناقداً أدبياً، دون الصفة الرسمية كوزير للثقافة، وهو ما أكده عصفور نفسه في بداية الندوة، التي شهدت حضوراً كبيراً من الجمهور والمثقفين، منهم يوسف الشاروني، فؤاد قنديل، سلوى بكر، أحمد الشيخ، وآخرون.

نجيب محفوظ… حضور مُتجدد وحالة أدبية استثنائية في مصر والعالم العربي

[wpcc-script type=”64d91d48ed7248fb473345ea-text/javascript”]

القاهرة ــ «القدس العربي»: أقامت لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة احتفالية بعنوان «نجيب محفوظ .. حضور مُتجدد»، بمناسبة مرور الذكرى «الثامنة» لرحيل أديب مصر الكبير(11 نوفمبر 1911 ــ 30 أغسطس 2006 ). أدار الندوة الأديب يوسف القعيد، وكان المتحدث الرئيس الناقد «د. جابر عصفور» بصفته ناقداً أدبياً، دون الصفة الرسمية كوزير للثقافة، وهو ما أكده عصفور نفسه في بداية الندوة، التي شهدت حضوراً كبيراً من الجمهور والمثقفين، منهم يوسف الشاروني، فؤاد قنديل، سلوى بكر، أحمد الشيخ، وآخرون.

محفوظ الحاضر دوماً

بدأ «يوسف القعيد» الكلمة، مُبرراً اختيار عنوان الاحتفالية (نجيب محفوظ .. حضور متجدد) بأن محفوظ هو حالة استثنائية في حياة مصر والأدب العربي، وحضوره الطاغي لم يخفت لحظة، رغم كل التطورات التي طالت مصر. وكان السؤال الذي يتكرر أمام اللحظات المشهودة والفارقة في التاريخ المصري السياسي والاجتماعي … ماذا سيكون موقف محفوظ حيال ثورة 25 يناير، و30 يونيو؟ ورغم أن الاجابات ستكون افتراضية بالطبع، إلا أن الأسئلة لم تكُف.

عالم محفوظ

حدد القعيد محاور الندوة، والتي شملت سؤالين أولهما يخص النقد، والأخير يخص الحالة الإبداعية للأجيال اللاحقة على محفوظ … فهل قام النقد بواجبه كاملاً تجاه نجيب محفوظ؟ أم أن هناك كتابات مازالت في حاجة إلى النقد؟ ثم .. سؤلاً لطالما تكرر منذ زمن، وهو ما دور النتاج الأدبي لنجيب محفوظ، فهل أصبح بنتاجه هذا عقبة في تطور الرواية المصرية والعربية؟ أم أن الأمر على خلاف ذلك؟

مؤتمر الرواية العربية

بدأ «د.جابر عصفور» حديثه عن اللقاء بمحفوظ حول (المؤتمر الأول للرواية العربية)، الذي انطلق تحت مُسمى (ملتقى القاهرة للإبداع الروائي)، الذي كان محفوظ مُشجعاً له، وكتب كلمته الافتتاحية، التي ألقاها يوسف القعيد نيابة عنه. ولم يجد عصفور سوى عبارات أخيرة من رواية (السُكّرية) ليضعها شعاراً على جائزة المؤتمر … «إني أومن بالحياة والناس، وأرى نفسي مُلزماً باتباع مثلهم العليا عند الظن بأنها حق، والثورة عليها عند الاعتقاد ببطلانها، لأن السكوت جريمة». ومن هنا تصبح كلمات محفوظ هي المُعبّر عن معنى (الثورة الأبدية).
يواصل عصفور حديثه بأن محفوظ هو الكاتب الوحيد الذي كتب عن الماضي، متوقفاً عند الحاضر، بهدف استشراف المستقبل. كان يفعل ذلك بغية الوصول إلى الجذر الإنساني، خاصة عند معالجته الموضوعات المحلية، التي تتعدّى إلى آفاق العالم. فالحارة هي اختصار للعالم، ولا أدل من ذلك على أن (أولاد حارتنا) هي سيرة حياتية للإنسانية ككل. وفي ظِل الحديث عن هذه الرواية بالأخص .. نجد أن العلم يتحول إلى جريمة، إذا تخلى عن المبدأ الإنساني، فكان لابد من أن يطلب (عَرفة) ــ رمز العلم ــ رضاء (الجبلاوي) عليه، فلا نجاح للعلم إلا إذا كان مؤمناً. وهو الأمر الذي يجعل من الإنسان في النهاية جديراً بأن يكون خليفة الله على أرضه.

عقبة محفوظ المُفتعَلة

نفى عصفور أن يكون إنتاج محفوظ يمثل عقبة بالنسبة للأجيال اللاحقة، والأمر لا يعدو سؤالاً تاريخياً طُرح في ستينات القرن الماضي، والسبب في أن بعض أبناء الستينات كانوا يتذرعون بأن نجاح محفوظ يحجب دورهم. إلا أن سؤلاً مُفتعلاً بالأساس، لأن محفوظ مهما كان بعيداً عن الضوء، سيصل إليه هذا الضوء لا محالة، وهو ما حدث بالفعل.

البدايات والمصادر

أشار عصفور إلى بدايات محفوظ ــ في الثلاثينات ــ التي كانت عبارة عن مقالات وأبحاث فلسفية، ثم كان عمله الأول عبارة عن كتاب مُترجم باسم (مصر القديمة)، واختياره هذا أكدته رواياته الأولى بعد ذلك ــ المرحلة التاريخية ــ دون أن ننسى «سلامة موسى» بتأثيره الكبير على نجيب محفوظ، الذي يُؤصل للوطنية المصرية، التي تعود بجذورها إلى الحضارة الفرعونية، فهذا التاريخ الموغل ي القِدم هو أصل الوطنية المصرية. ومنها استقى محفوظ أفكاره الأساسية … العودة إلى نبع القيم الإنسانية، العدالة، الحرية، الإيمان بالقدر. ومن هنا نجد محفوظ المُتعاطف مع الثورة دائماً لتحقيق هذه الأفكار، ففي رواية (رادوبيس) على سبيل المثال كان الحديث عن الملك اللاهي، وهي إشارة ضمنية عن بدايات فساد الملك فاروق.

رؤية العالم

كان السؤال المؤرق دوماً لنجيب محفوظ، والذي لم يجد إجابته، هو .. النظام الذي يحكم الكون، فاللعالم نظام، لكنه أي نظام. ومن هنا تمت صياغة هذا التساؤل في ظِل (رؤية العالم) كما عبّر عنها (لوسيان غولدمان) بأن هذه الرؤية تقوم على أسس ثلاث … المطلق/الله، الإنسان، الطبيعة. فهذه الأسس نجدها متحققة بالكامل في جميع أعمال محفوظ، بنِسب متفاوتة، من الرواية الاجتماعية وصولاً إلى الفلسفية، ينفجر السؤال الخاص بالوجود والكون وخالقه، وهنا نجد ذلك في تركيبة من الصوفية وتكنيك الحكاية البوليسية، وصولاً إلى الإشراقات الإبداعية. وفي النهاية يظل السؤال .. هل الوصول للمطلق على سبيل المثال سيكون عن طريق التصوف أم العلم؟ وهذه الرؤية هي ما تجعل أعمال محفوظ دوماً مجالاً خصباً للنقد والتأويل وتجدد الرؤى حولها، لأنها ارتبطت بالإنسان ومصيره.

العدل الاجتماعي واليقين الميتافيزيقي

ويُكمل عصفور حديثه عن صيغة وفكرة العدل الاجتماعي، التي جعلها محفوظ معادلاً لتحقيق رؤيته للعالم، ويستشهد برواية (بداية ونهاية) ومصير هؤلاء الأخوة (حسن، حسين، حسنين) … فالأول جاهل وتحول إلى عالم الجريمة، والأخير نموذج للطبقة الوسطى التي تحلم دوماً بالتطلع لطبقة أعلى، وترتعب من السقوط إلى الطبقة الدنيا، فكان الانتحار هو الحل، أما (حسين) فهو الناجي الوحيد من هذا الحجيم، لأنه قرأ في الاشتراكية، وآمن بالعدل الاجتماعي، الذي وجده في النهاية لا يتعارض مع الدين. ومن هنا نجد أن العدل الاجتماعي وتحققه هو الوجه الآخر للبحث عن اليقين الميتافيزيقي.

من عبد الناصر حتى السادات

ويستشهد عصفور برواية (أمام العرش)، التي تقترب من تكنيك المسرح، ليعقد محاكمة لنظامي عبد الناصر والسادات، وينتهي من رأيه في تلك الفترة بروايه (يوم قتل الزعيم). ويرصد مصير (زهرة)/مصر الشخصية المحورية في (ميرامار) ويعطي الكلمة للوفدي القديم (عامر وجدي)، الوحيد القادر على إرشادها والدعاء لها بالاستمرار في طريقها، دليلاً عن رمز الحرية الوحيد في التاريخ المصري، والُتمثل في أفكار (سعد زغلول) ومواقفه. مع ملاحظة أن ميرامار كانت قبل هزيمة 1967، بأشهر قليلة. ــ نذكر هنا التعليق على عهد (المخلوع) اجتماعياً واقتصادياً، نظراً للسياسات العقيمة التي استمرت بعد السادات، والتي تناولها محفوظ ببراعة كبيرة، في روايته (الحب فوق هضبة الهرم)، والتي كتبها بروح شاب يعيش أزمة هذا الجيل، فكان من أصدق الأصوات التي عبّرت عنه ــ

لحظة الاختلال

ويرى عصفور أن القيم الثابتة والوسطية في التفكير هما أساس وعي نجيب محفوظ، هناك حالة من التوازن لابد من تحققها بين .. العلم والدين والعقل والروح، وبها تتحقق رؤيته في العدل الاجتماعي، وبالتالي يبدو قبول الآخر أمراً طبيعياً، كما تتسع الرؤية لتشمع تنوع واختلاف وجهات النظر الإنسانية.
أما عند حدوث (خلل) في هذا التوازن، فالنتاج سيكون كائن متعصب، يرفضه محفوظ فكراً وموضوعاً، كما حدث في حالة (سيد قطب) أهم أسباب الإرهاب الديني، والذي رصده محفوظ ــ كظاهرة ــ في العديد من أعماله. وعاني منها مادياً عند محاولة اغتياله.

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *