بعد سنّ العاشرة بثلاث سنوات، أحببتُ “نورا”. هي ليست ابنة الجيران، ولا ابنة القريبة المغتربة في الخليج، ليست أيضاً زميلة الدراسة الإعدادية المختلطة، بل هي الزوجة الثالثة للرجل المستبدّ “غزوان الصفوح” في مسلسل السهرة لشتاء العام ألف وتسعمائة واثنين وتسعين. اسمه “الكفّ والمخرز”، وفيه كسرت نورا قلب “باجس”، الشاب الثائر. بصراحة لم يهمّني أمره، فقد كنتُ مشغولاً طوال المسلسل، أين يمكن أن ألتقي “نورا” بعد أن ينتهي دورها القرويّ، وترتدي ثيابها المدنيّة، وتعود إلى اسمها الصيفيّ: سمر سامي.
سأفتّش فيما بعد عن سمر في كلّ مسلسل سوريّ، سأذهب إلى وسط البلد لشراء صورها، وأكتب اسمها في قصيدة ليست للنشر. سأكبر ثلاثة أعوام أخرى، وأقرأ محمود درويش بفهم ناقص، وأستعير كآبة بدر شاكر السيّاب، وأعرف أن هناك كاتباً درامياً مهماً اسمه أسامة أنور عكاشة، فأحرص على مشاهدة كلّ أعماله، ومخرجاً استثنائياً هو عاطف الطيّب، أتتبع اسمه في مجلة اليسار. سأبدأ بالاستماع إلى عبدالحليم حافظ وخالد الشيخ، وأحلف برحمة جمال عبد الناصر، لكنّ “نخبويّتي” لم تكتمل، فقلت: أحبّ أيضاً سمر سامي.
تخرّجتُ في الجامعة بعد العاشرة بعشر أخرى، وكان من أول المقالات التي كتبتها في صحيفة العرب اليوم، مقال حارّ في حبّ سمر سامي، أجازه رئيس القسم، إبراهيم جابر إبراهيم، بعدما حرِدْت مثل ولد في العاشرة. فقد رفض نشر المقال في البداية، لأنه يصلح أن يكون رسالة غرامية تذهب إليها مع “مرسال المراسيل”. لكنّ المقال سيُنشر، وأسألُ صديقي إبراهيم: كيف يمكن أن أضمن وصول المقال إلى سمر سامي، فيرّد أننا سنصلّي من أجل ألاّ يصلها، وترفع قضية تُغلق فيها الصحيفة!
سأقابل “باجس” (وهو بالمناسبة بسام كوسا)، تحت صليب في الفحيص، وبعد أن أنهي حواري الصحفيّ معه، أطلبُ منه أن يوصل “سلامي” إلى سمر سامي. كنتُ متأكداً أنه لن يفعل لا بصفته “باجس” العاشق، ولا “بسام” الزميل. سأرسل سلاماً آخر عبثياً من بيروت مع الكاتب الجميل سامر رضوان. سيواصل العمر الركض بعد العاشرة، وألتقي حاتم علي في دمشق. استمرّت لقاءاتنا أربعة أيام عمليّة، كنتُ في كلّ يوم أسأله أن يوصلني إلى سمر، فيردّ إنها لا تحبّ الصحافة، وكدتُ أردّ: لستُ صحفياً أنا عاشق.
الآن أنا بعد العاشرة بكثير. لم أعد أبحث عن وسطاء لإيصال “سلامي” إلى سمر. يمكنني أن أكتب إليها على الجدران الزرقاء، مثل عاشق ثائر، ويمكن أن أكون عاشقاً مجنوناً وأغنّي من أجلها شعراً نزارياً يحقق ملايين المشاهدات، بل يمكن أن أصل إليها كفاً بكفّ، لأعترف لها أني عشتُ ثلاثين عاماً بعد العاشرة، أسمّي النساء باسمها، لكني لا أريد كلّ هذا، أريد شيئاً محتملاً، قد لا يأتي، وقد يأتي خفيفاً، سريعاً مثل المطر في أيلول، ومثل العمر بعد العاشرة.