نصر حركة طالبان: بداية التحدي.. إما النجاح او الفشل

د. رامي عياصره

الانتصار المذهل الذي سطرته قوة طالبان العسكرية من خلال السيطرة السريعة على افغانستان وتلاشي القوات الحكومية المدعومة امريكياً كمكعب الثلث في صحراء حارقة يؤشّر بوضوح أن عودة طالبان للحكم باتت مسألة غير قابلة للنقاش، بل وستصنّف على انها تجربة محسوبة على ” الاسلام السياسي ” بكل تأكيد لكن ضمن سياقات التجربة الافغانية المثقلة بالحروب والتدخلات العسكرية و الاحتلالات المتعاقبة التي توالت على تلك البلاد التي تُصنّف على أنها “الافقر في العالم” .

هزمت حركة طالبان الولايات المتحدة الأمريكية في افغانستان عسكريا بعد حرب استنزاف طويلة استمرت لعقدين من الزمن كانت كلفتها باهظة ماديا ومعنويا وبالكثير من الخسائر البشرية .

انتصرت طالبان عسكرياً لكن هذا الانتصار له كلفة وتبعة ليست بالسهلة او اليسيرة  تكمن بما وراء هذا الانتصار وكيفية ادارته و ادارة المشهد الافغاني المثقل بالازمات والمشكلات.

هناك تحديات كبيرة تنتظر طالبان في الحكم تتمثل بعدة محاور يتوجب عليها تحمّل اعباءها والانجاز بها، منها وعلى رأسها ادارة العلاقات الدولية مع دول الجوار والعالم ، فهي تحاذي الصين شرقا وايران غربا وباكستان جنوبا وروسيا  قريبة منها شمالا .وكل هذه الدول لها مصالحها المتباينة مع الأخرى وطالبان معنيّة اولا وقبل كل شئ بمصالح الشعب الافغاني.

 لم تعد طالبان حركة افغانية محلية ، لقد اصبحت بعد السيطرة على العاصمة كابل وكل افغانستان تمثل سلطة حاكمة تدير دولة ومسؤولة عنها، وهذا يتطلب تفكيراً مختلفاً.

المسألة الأخرى التي تمثل التحدي لحركة طالبان هي ادارة الدولة الافغانية من الداخل والتعامل مع دولة مترامية الأطراف جغرافياً ، متنوعة عرقياً واجتماعياً بالاضافة  لتحدي تأمين مستلزمات الشعب الافغاني المعيشية واحتياجاته اليومية في الصحة والتعليم والنقل والغذاء والدواء والمحروقات وغيرها.

قبل ايام لم تكن هذه مسؤولية حركة طالبان لكنها بين عشية وضحاها باتت مسؤولة عن كل ذلك وأكثر، وهنا يكمن التحدي الحقيقي ، فشرعية البندقية ليست كافية للبقاء والاستمرار في التمتع بالتأييد الشعبي بالضرورة،  بل ان التجارب تؤكّد ان تحدي إدارة الدولة داخليا لا يقل شاناً عن ادارة علاقات الدولة خارجياً.

التحدي الثالث وهو تحدي ذاتي يعتمد على ذاتيّة الحركة وهو قدرتها على نمو قدراتها السياسية بالتوازي مع نمو قدراتها العسكرية .

فلا يصح ان تغلب العقليّة العسكرية على العقليّة السياسية او ان تقودها ، لابد من تصدّر وقيادة الشق السياسي للشق العسكري للحركة وتسييره لضمان نجاح تجربة طالبان في الحكم .

اعتقد ان حركة طالبان طرأ عليها الكثير من التطور سياسياً في السنوات الأخيرة، وان دخولها معترك الحكم بهذه السيطرة المطلقة سيدفعها نحو تطوير تفكيرها وخطابها السياسي بكل تأكيد ، هذه واحدة من إكراها العمل السياسي ومتطلباته علماً أن هذا لا يعني بالضرورة التخلي عن المنطلقات والثوابت التي قامت عليها الحركة ودفعت ثمنها الكثير من التضحيات ، ولكنّ الانتقال من الشرعية الشعبية الى الشرعية الدستورية ومنها الى شرعية الانجاز والتقدم والتنمية هي متوالية لا يستطيع فصيل شعبي يعمل في مجال السياسة أن يتحنّط عند مرحلة ما ولا يتقدم الى التي تليها هذا إذا كان يريد لمشروعه أن يتقدم ويتطور بدلاً من أن يجمُد ويتراجع ويفقد تأثيره وعوامل استمراره نحو آفاق المستقبل.

باحث اردني

Source: Raialyoum.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *