نهج زارا: كيف سيطر بائع التجزئة على صناعة بأكملها؟

هل سمعت عن "أمانسيو أورتيجا" (Amancio Ortega)؟ ربَّما لا. من هو رجل الأعمال الغامض الذي تبلغ ثروته أكثر من 65 مليار دولارٍ، والذي يعدُّ أحد أغنى الناس في العالم؟ إنَّه مؤسس زارا، ماركة الملابس الإسبانية الدولية التي زعزعت صناعة التجزئة. إذاً ما هو سرُّهم؟ هل يعملون مثل تجَّار التجزئة للملابس الرائجة الأخرى؟ أم أنَّ هناك شيئاً آخر يحدث خلف الكواليس؟

Share your love

يحبُّ الناس النظر إلى العلامات التجارية الناجحة، ومعرفة الدروس المُستفادة منها، كعلامة زارا التجارية للملابس المذهلة. كما يحبُّون -من المراهقين إلى المتقاعدين، ومن كلِّ أصقاع العالم- التسوُّق هناك. إنَّه أحد أكثر المتاجر ازدحاماً في المراكز التجارية.

إذاً ما هو سرُّهم؟ هل يعملون مثل تجَّار التجزئة للملابس الرائجة الأخرى؟ أم أنَّ هناك شيئاً آخر يحدث خلف الكواليس؟

اتضح أنَّ زارا (ZARA) تعمل بطريقةٍ مختلفةٍ تماماً عن شركات الملابس الأخرى.

كيف تخلق العلامة التجارية مشترين مدمنين؟

أفضل طريقةٍ لوصف كيفية عمل زارا هي أنَّها: “سريعة”.

عادةً ما تُشكِّل ماركات الملابس المجموعات نفسها في عامٍ واحد: واحدةً للربيع والصيف؛ وأخرى للخريف والشتاء، ويحاول تجار التجزئة التقليديون توقُّع طرازات الموضة قبل عام.

يقضون وقتاً طويلاً ويهدرون الموارد لتصميم وتخطيط وإطلاق مجموعاتهم، ولسوء الحظ، يمثِّل هذا خطراً كبيراً على العلامات التجارية.

في حال وجد التصميم صدىً لدى المشترين، فإنَّ المبيعات تسير على ما يرام؛ ولكن إذا لم يترك أثراً، فهذا يعني بدء عمليات تخفيض الأسعار والأرباح للموسم. استبعدت زارا بطريقتها هذا الخطر.

تُصمّم زارا، وتُنتج، وتوزِّع، وتبيع مجموعتها في أربعة أسابيع فقط، على عكس منافسيها الذين يستغرقون أشهراً عديدةً للقيام بالشيء نفسه. وهذا يعني أيضاً تزويد المتاجر بتصميمين جديدين أسبوعياً، وإبقاء مستويات التخزين منخفضة.

ونتيجةً لذلك، فإنَّ نهج زارا له بعض الفوائد:

  • يعني وجود مخزون ملابسٍ أقل، وانخفاض تكاليف التخزين، وتخفيضاتٍ أقل.
  • سيتوقَّف المتسوقون كثيراً عند زارا (ZARA) لرؤية المنتجات الجديدة والتصاميم الرائجة.
  • خَلق هوس للحصول على الملابس قبل نفادها؛ لأنَّ البضائع محدودة.

مع عملية الإنتاج السريعة، وتوق الناس إلى الحصول على البضائع، ربَّما تتساءل: كيف تحصل زارا على الإلهام الذي يمكِّنها من تصميم ملابسها؟

استراتيجية زارا العكسية:

تعمل معظم ماركات الملابس باستخدام نهجٍ يبدأ من الأعلى إلى الأسفل، حيث تعتمد التصاميم على ما يتوقَّعون أنَّه سيصبح شائعاً في الموسم المقبل.

بعبارةٍ أخرى: إنَّها طريقةٌ تأمليّّةٌ قد تؤتي ثمارها، أو قد لا تفعل. حيث تتخذ الشركات القرارات في الذروة، وتعرِضها على المستهلكين الذين يختارون ما يريدون من البضائع.

من ناحيةٍ أخرى، تنهج زارا نهجاً معاكساً، حيث يجمعون باستمرارٍ معلوماتٍ من مصادر مباشرة عن المستهلكين. إذ ينتشر المستطلعون في الشوارع ومراكز التسوُّق في المدن ليراقبوا ما يرتديه الناس، ويدوِّن مُديرو المتاجر ملاحظاتٍ حول ماهيَّة أذواق العملاء، ومن ثمَّ يرفعون تقاريرهم إلى المكتب الرئيس.

يوضِّح هذا النهج التصاعدي كيف أنَّ رسم التصميمات يحدث على أساس ردود الفعل الفورية، وتُخاط وفقاً للأذواق الإقليمية المفضَّلة. أتاحت هذه الاستراتيجية لبائع التجزئة أن يروِّج بضاعته في جميع أنحاء العالم، وأن يلَّبي مباشرةً احتياجات الناس.

الصيغة الإعلانية لزارا هي أيضاً جزءٌ من استراتيجيتها العكسية، إذ تعتمد علامة زارا التجارية على أن يتبنَّى المستهلكون الإعلان، بدلاً من تخصيص ميزانياتٍ من أجل الإعلانات التجارية واللوحات الإعلانية؛ لأنَّ الإعلان بالكلمة هو أقوى أشكال التسويق.

نهج زارا في حياتنا:

إذاً، ما الذي يمكننا تعلُّمه من نهجهم؟ وهل نستطيع تطبيقه على حياتنا وعملنا؟

تتضمَّن استراتيجية نموِّهم ونجاحهم بعض الدروس التي يمكننا الاستفادة منها:

1. الانتباه إلى ردود الأفعال:

تُجمِّع زارا الكثير من بيانات المستهلكين، ومن أماكن مختلفةٍ مثل: الشوارع، والمراكز التجارية، والعملاء؛ والتي لن يستخدموها كلَّها، لكنَّ البيانات تتيح لهم معرفة ما يعجب الناس، وما لا يعجبهم، وكيف يمكن لها أن تلَّبي احتياجاتهم.

ينتج عن أيِّ شيءٍ تفعله ردود أفعال، فمثلاً: يمنحك جسدك عندما تمارس التمرينات ردود أفعالٍ من حيث الشكل والشعور، وتعطيك استجابات الناس وسلوكاتهم عند تقديم خدمةٍ ما معلوماتٍ قد تكون مفيدةً في التحسين، فهم يخبروننا كيف نبلي، وما إذا كان هناك حاجةٌ إلى التعديل.

2. تقليل الريبة:

تزيد الريبة في أيِّ قرارٍ من خطر حدوث خطأ ما. تدرس زارا المستهلكين باستمرارٍ لتحديد الموضة التي يجب أن تكون عليها تصميماتها قبل بدء العملية؛ لأنَّ تصنيع منتجاتٍ قريبةٍ قدر الإمكان من الموضة الحالية، يعني زيادةً واعدةً في المبيعات.

عليك التفكير في المعلومات التي في متناول يدك عندما يكون عليك اتخاذ قرار، إذ يمكن لأيِّ معلوماتٍ مفقودةٍ وحاسمةٍ أن تكون مفيدةً في معرفة الاتجاه الذي علينا التحرُّك إليه. من الأفضل أن نفهم أكثر، ومن مصادر مختلفة، للحدِّ من الريبة قبل اتخاذ قراراتٍ هامَّة.

على سبيل المثال: يمكن للتحدُّث إلى الطلاب وخريجي البرامج التعليمية قبل إنفاق آلاف الدولارات على التعليم الإضافي، أن يجنِّبك مجازفة الدخول إلى برنامجٍ ومن ثمَّ إدراك أنَّه غير مناسبٍ لك.

3. كن مستعداً لتغيير المسار من أجل التأقلم:

يعتمد نجاح زارا على قدرتها على التأقلم السريع، على عكس العديد من علامات الملابس التجارية التي تكون تصاميمها راكدةً في الموسم، إذ تُقدِّر زارا البيئة وتتفاعل معها في غضون أسابيع.

تقوم العلامة التجارية بتصميم أنماطٍ جديدةٍ وإرسالها إلى المتاجر، بينما تكون الموضة ما تزال في ذروتها، ونتيجةً لذلك تتعرَّض العلامات التجارية الأخرى إلى الضغط الذي يرغمها على إطلاق مجموعاتٍ متعدِّدةٍ كلَّ موسمٍ، وتمسي أكثر مرونةً في عمليات المنافسة.

تتغير بيئتنا أحياناً بشكلٍ أسرع من خططنا. بالطبع الخطط هامَّةٌ من أجل أن نعرف إلى أين نتجه، ولكن من الهامِّ أيضاً الحفاظ على المرونة، وأن نكون على استعدادٍ لإعادة تقويم الوضع في أحيانٍ كثيرة.

أحياناً تكمن الفرصة الذهبية في الابتعاد عن مسارنا الأصلي:

إليكَ قصةً ممتعة، انتقل “ليفي شتراوس” (Levi Strauss) إلى سان فرانسيسكو للبدء بتجارة البضائع الجافة في فترة ازدهار الذهب، وبدلاً من ذلك، انتهى به المطاف ببيع السراويل المصنوعة من الدنيم والمسامير المعدنية لخبراء الذهب. ولقد لقيت هذه السراويل، والمعروفة باسم الجينز، نجاحاً هائلاً. (خمِّن من جمع ثروةً من ذلك؟).

سيكون هناك دائماً ريبةٌ وتغييراتٌ في أيِّ شيء، ولكنَّ أقلَّ ما يمكننا القيام به هو إيجاد طرائق لإدارتها والتخطيط لها. يمكننا إعداد أنفسنا للحصول على فرصٍ كبيرةٍ عن طريق تقليل الشك في قراراتنا، والانفتاح على الاحتمالات.

 

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!