إدلب (سوريا) – ما عاد أزيز الطائرات الصوت المدوي منذ حوالي ثلاثة أشهر يسمع بمحافظة إدلب في شمال غرب سورية بعدما دخل وقف إطلاق النار الذي أعلنته موسكو وأنقرة حيز التنفيذ.
وسرى وقف إطلاق النار بعدما إتفق الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان عقب لقاء طويل جمعهما في الكرملين أول من أمس.
وتحدّث المرصد السوري لحقوق الإنسان ومراسلو وكالة فرانس برس عن هدوء في إدلب، وأفاد المرصد عن “غياب تام للطائرات الحربية التابعة لقوات النظام وحليفتها روسيا عن أجواء إدلب” منذ سريان الوقف.
ودارت “اشتباكات متقطعة مع تبادل لاطلاق النار في الساعات الثلاث الأولى من يوم أمس، ثم توقفت لاحقا”، وفق المرصد الذي أحصى مقتل ستة عناصر من قوات النظام مقابل تسعة من فصيل الحزب التركستاني الإسلامي، الذي يضم غالبية من المقاتلين الصينيين من أقلية الأويغور ويقاتل الى جانب هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً).
وفيما لم تعلق دمشق بعد على الاتفاق، أفادت وكالة الأنباء الرسمية “سانا” من جهتها أن “الهدوء ساد محاور العمليات”.
وأكدت أن “وحدات الجيش جاهزة للرد بقوة على أي محاولة خرق من قبل التنظيمات الإرهابية” التي تتهم دمشق أنقرة بدعمها.
وينصّ الاتفاق على تسيير دوريات مشتركة بدءاً من 15 آذار (مارس)، على مسافة واسعة في محيط طريق “ام فور” الدولي الذي يربط محافظة اللاذقية الساحلية بمدينة حلب، ويتطلع الطرفان إلى إنشاء “ممر آمن” بمسافة ستة كيلومترات على جانبي الطريق، ما يعني ضمنياً منطقة عازلة بطول 12 كيلومتراً.
ورغم تعهد الرئيسين بأن يكون اتفاق وقف اطلاق النار “مستداماً” وأملهما أن “يوقف معاناة المدنيين”، إلا أن السكان لا يعلقون آمالاً كبيرة عليه.
في مخيم للنازحين قرب بلدة كفرلوسين الحدودية مع تركيا شمال إدلب، يقول أحمد قدور (29 عاماً) النازح من ريف حلب الغربي مع زوجته وطفليه لفرانس برس “عن أي هدنة يتحدثون؟”. ويضيف “لا ثقة لدينا بالنظام وروسيا بشأن وقف اطلاق النار رغم اعتقاد الناس أنه صادق.. فالنظام في كل مرة يستهدف التجمعات ويرتكب المجازر”.
وتظاهر العشرات في بلدة كفرتخاريم في ريف إدلب الشمالي الغربي أمس احتجاجاً على عدم تضمن الاتفاق عودة النازحين إلى منازلهم، وفق مراسل فرانس برس في المكان.
وأمل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن يؤدي الاتفاق إلى “وقف فوري ودائم للعمليات القتالية” بعدما تحمل السكان “معاناة هائلة”.
ورحب الاتحاد الأوروبي باتفاق وقف إطلاق النار، معتبرا إياه مؤشرا الى حسن النوايا، كما أعلن تقديم مساعدات إنسانية للمنطقة بقيمة 60 مليون يورو. وقال وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل لدى وصوله لمحادثات مع وزراء خارجية التكتل في زغرب أن وقف إطلاق النار “شرط لإيصال مزيد من المساعدات الإنسانية لأهالي إدلب”، مضيفا ردا على سؤال يجب أن “نركز جهودنا على الجانب الإنساني”.
وأكد الوزراء هذه المقاربة في بيان، مطالبين روسيا وتركيا بضمان أن يكون وقف إطلاق النار “فوريا ودائما” .
ودعا الاتحاد الأوروبي موسكو وأنقرة الى “ضمان حماية المدنيين من الأرض والجو” بوقف القصف الداعم لهجوم النظام السوري في المنطقة.
ورحب برنامج الأغذية العالمي بالاتفاق، منتقداً في الوقت ذاته عدم تضمنه إرساء “منطقة آمنة للنازحين المدنيين”.
وتسبّب الهجوم الذي بدأته قوات النظام بدعم روسي ضد مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام وفصائل أخرى معارضة أقل نفوذاً في إدلب ومحيطها بالكارثة الإنسانية الأسوأ منذ اندلاع النزاع، مع نزوح حوالى مليون شخص وفق الأمم المتحدة. وأودى القصف بحياة نحو 500 مدني بحسب المرصد.
ولا يعد وقف اطلاق النار الحالي الأول في إدلب التي تعرضت خلال السنوات الأخيرة لهجمات عدّة شنتها قوات النظام بدعم روسي وسيطرت خلالها تدريجياً على أجزاء واسعة من المحافظة. ومع تقدمها الأخير في جنوب إدلب وغرب حلب، بات قرابة نصف مساحة المحافظة تحت سيطرة قوات النظام.
وقال إردوغان إن بلاده تحتفظ “بحق الرد بكل قوتها وفي كل مكان على أي هجوم” تشنه دمشق. وأوضح في تصريحات نقلتها أمس صحيفة “حرييت”، أنّ “نقاط المراقبة الـ12 ستبقى كما هي، في الوقت الحالي التغيير ليس مطروحاً”؟
وتضمّن اتفاق سوتشي انشاء منطقة منزوعة السلاح لم يتم استكمال تطبيقها، ونصّ كذلك على إعادة فتح الطريقين الدوليين “ام فايف”، الذي استعادته دمشق مؤخراً ويمر في إدلب ويربط مدينة حلب بدمشق وصولاً إلى الحدود الجنوبية، وطريق “ام فور” الذي يربط محافظة اللاذقية بمدينة حلب وتريد دمشق ضمان أمنه.
ويشكل الطريقان متنفساً لدمشق كونهما يربطان أبرز المناطق الواقعة تحت سيطرتها ومن شأن استعادتهما أن تسرع من دوران العجلة الاقتصادية وعملية نقل البضائع والركاب. ويوشك النزاع الذي تسبب بمقتل أكثر من 380 ألف شخص على بدء عامه العاشر منتصف الشهر الحالي، بعدما ألحق دماراً هائلاً بالبنى التحتية وأدى الى تهجير وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.-(أ ف ب)