“أطفال اليوم رجال الغد” كثيرًا ما رددنا هذه العبارة على مسامع أبنائنا وطلابنا، ولم نكن لننتبه بأن طبيعة الغاب تقول لنا: قد تستطيع أن تداعب صغار النمور، ولكنك لا تستطيع أن تلاعب النمور، ومن هنا تبدأ المعضلة التي لا نكترث لها بل نغذيها دون أ ن نشعر- وربما نشعر- فتنمو حواسنا الخمس غير آبهين بالأشواك تخدش أقدامنا في بساتيننا التي ما ظننّا” أن تبيد هذه أبداً” ودون أن ندرك خطر هذا السرطان الذي داهم كياننا رذاذاً بداية وفيضانا نهاية.
ويخرج منا السؤال- على سبيل التوبيخ- ماذا بأيدينا أن نفعل؟! نقذفه في وجوه بعضنا ، ونتراشقه في جلساتنا دون وعي منّا بأن السؤال- في مثل هذه الحالة- هو توبيخ للأنا أكثر منه إدانة للآخر، وهذا ما يوجب علينا إعادة طرح السؤال من جديد، ولكن عبر هيكلية جديدة تتشكل معالمها على النحو التالي: ماذا يجب علينا أن نفعل؟ دون أن ننسى- أو نتناسى- بأن النمور الصغيرة ليست قططاً وأنها تكبر شيئاً فشيئاً، وقد لا نملك القدرة على الاقتراب منها، بعد أن كنّا – في يوم من الأيام – نقضي وقتاً ممتعاً بمداعبتها.
وللوقوف على مشاكل الناشئة ومحاولة تحليل واقعهم واستشراف مداهم، كان لنا هذه اللقاءات مع بعض الآباء والأبناء، وكذلك المختصين المخلصين الذين يتعاملون مع فئة الشباب ويحتكون بهم عن كثب.
الأسرة نقطة الارتكاز والانطلاقsize=3>
size=3>الطالب إبراهيم سعد وهو طالب في الصف الثاني الثانوي ويحضر نفسه لتقديم امتحان الشهادة الثانوية العامة (التوجيهي)، يرى أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها الطالب هي التي تؤثر عليه بشكل كبير من خلال سعيه لتعويض النقص المادي والنفسي الذي يعيشه جراء أوضاعه.
وهذا ما أكده السيد خيمس زهران المكنى بـ(أبو محمد) وهو أب لثلاثة أولاد وبنتين في العقد الخامس من عمره، وقد رأى أن للأسرة دوراً كبيراً يكمن في غرس المبادئ الدينية التي تكفل للأبناء حياة سوية نفسياً واجتماعياً واقتصادياً.
بين الماضي والحاضر
size=3>وعندما تطرقنا مع السيد خميس للفروق الأساسية بين الشباب في الزمن الماضي والشباب في الوقت الحالي، أشار إلى أن الجيل القديم كان متحملاً للمسؤولية بشكل أكبر، إضافة إلى الشعور القوي بالانتماء للوطن والمحافظة على مرافقه العامة، وكذلك الشعور بقيمة العلم واستطاعته- أي العلم- تحقيق طموح الشباب.
في حين رأى أنّ الجيل الحالي وبسبب تغير الظروف الحضارية بشكل عام وخصوصاً الثورة العلمية التقنية المتمثلة بثورة الاتصالات بشتى أشكالها، والتي أدت إلى التسيب وفقدان الشباب للشعور بالمسؤولية، والتقليل من قيمة القيم الاجتماعية مع اتباع ذلك الانتقاص من القيمة الحالية والمستقبلية للتعليم، وذلك لشعور الشاب المسبق بعدم جدوى التعليم في زمن بطالة العاملين والمتعلمين.
وحمّل الأستاذ علي عبد الله معلم مادة الفيزياء الأسرة المسؤولية الكبرى، حيث قال بأن كلاً من الأسرة والمدرسة يتحمل المسؤولية تجاه الناشئة، ولكن الأسرة تتحمل العبء الأكبر من ناحية طبيعية، وذلك للارتباط الطبيعي والعاطفي للفرد بأسرته، وأما المدرسة فهي ذات دور تكميلي إذ يتمثل في بلورة شخصية الفرد بشكل صحيح، وإكسابها بريقاً ولمعاناً أكبر، من خلال ترسيخ المفاهيم الإنسانية في داخل الفرد، أو قمع وتحجيم المفاهيم المضادة للقيم الإنسانية.
توثيق الارتباط بالعاداتsize=3>
size=3>ويرى الطالب أحمد خليل وهو طالب في الجامعة الأردنية أن الأسرة هي اللبنة الأولى والأساس في تشكيل شخصية الفرد المسلم وتزويده بالأخلاق والمبادئ والمعارف العامة، وبالتالي فإن نوع التربية التي يتعرض لها الفرد هي في الأصل انعكاس عن واقع أسرته وبيئته المنزلية والاجتماعية.
وعند سؤالنا عن دور الأسرة الذي يجب أن تقوم به وتفعّله أجاب قائلاً: بأن دور الأسرة يكمن في تعليم الطفل منذ الصغر العادات والتقاليد العربية والأخلاق الإسلامية من خلال ربطه بالله عز وجل، وعن طريق الصلاة، لينشأ بعد ذاك شاباً قوياً مؤمناً، إضافة إلى الاهتمام بالجانب الفكري والثقافي للفرد، وكذلك صقل مواهبه وشخصيته وتعليمه الاعتماد على نفسه وحلّ المشكلات التي تعترضه بطريقة عقلانية ومنطقية والاستفادة من كافة التطورات التكنولوجية مثل الإنترنت الستالايت واستغلالها تربوياً.
غياب القدوة
size=3>وتكمن معاناة الشاب حسب رأي المدرس علي عبد الله في غياب القدوة التي تحاكي فطرة الشاب، إضافة إلى الجهل بحقيقة وجوده كإنسان وموقعه على هذه الأرض ودوره فيها، وكذلك الجهل بالنظر إلى الآخرين، والجهل في عملية الصرف العاطفي.
ويرى الأستاذ علي عبد الله أن الأنظمة التعليمية الحديثة قد ساهمت في احترام الإنسان وتقديره، إلا أن الإفرازات السلبية لهذه الأنظمة يعود إلى المادة الدراسية من جهة وإلى عدم تفعيل القوانين الرادعة للطلاب المستهترين من جهة أخرى.
الاغتراب
size=3>ويرى السيد خميس زهران أن الشاب في هذه الأيام يشعر بأنه غير مقبول في المجتمع بسبب ما يحمله من مبادئ وتصرفات خاطئة وفوضوية تجعله يسيء الأدب لمن حوله، وبالتالي نبذه من قبل محيطه الاجتماعي (المدرسة أو الحارة) الذي يأخذ الشاب بالنقمة عليه.
وبحرارة تحدث الأستاذ علي عبد الله عن السلبيات الكبيرة التي تعاني منها المؤسسة التربوية التعليمية في الواقع الميداني من خلال سوء استغلال الأنظمة والقوانين التربوية والتعليمية الحديثة من مثل النجاح التلقائي في المرحلة الأساسية ( من الصف الأول إلى الصف العاشر) ومنع العقاب البدني.
كما يرى أن سلبيات الطالب تكمن في جهله العام وعدم المبادرة للتخلص من هذا الجهل من قبل بعض الطلاب، وعدم استغلال الفرصة التي قد تُهيأ له من أجل التخلص أو التقليل من هذا الجهل، وكما أنّ هنالك طالبًا سلبيًا ، ففي المقابل يوجد- أيضا- معلم سلبي إذا لم يدرك هذا المعلم الدور الكبير الذي يقوم به وكذلك الأمانة والمسؤولية الملقاة على عاتقه.
أما الطالب إبراهيم سعد فقد ذهب إلى أن النظام المدرسي الجديد شجع على اللامبالاة، وأن الإدارة المدرسية هي المسؤولة الأولى عن هذا التردي الأخلاقي العام في المدارس، وكونها الأقرب ميدانياً والأكثر اطلاعاً على أحوال الطلاب وظروفهم ومستوياتهم التربوية والتعليمية.
مرحلة جديدة ومخاطر أكبر
size=3>يشير الطالب أحمد خليل إلى أن المرحلة الجامعية هي الأخطر على الشاب الذي يكون من الطبقة المتوسطة والفقيرة، ذلك لأنه يختلط في هذه المرحلة بفئات عديدة وشرائح متنوعة من المجتمع، كما يحتك بطبقات جديدة خاصة الطبقة البرجوازية، وهذه الطبقة تملك من أسباب الرفاهية أكثر من غيرها، ما يجعل أصحابها يمارسون هواياتهم ويحققون رغباتهم ويلفتون الأنظار إليهم بطرق عدّة، ما يدفع بالشاب الفقير، ضعيف الشخصية والفكر إلى تقليدهم، ومحاولة الولوج إلى هذا العالم الذي لا يملك مقوماته من ناحية، ووسائل الحماية من عثراته التي قد تكلف هذا الشاب مستقبله من ناحية أخرى.
ويستمر الطالب أحمد خليل وهو طالب على أبواب التخرج- بالحديث عن أقرانه الذين يصبون جلّ اهتماماتهم وأحاديثهم عن المستقبل وعن الرغبة في الدخول إلى المرحلة العملية، والتحاق كل شاب بمركزه الوظيفي الذي يتناسب وشهادته الجامعية، والبدء ببناء اللبنات الأساسية في حياة أيّ شاب، كالزواج وبناء بيت واقتناء سيارة وما إلى ذلك من رغبات الشباب العامة.
تقنية إضاعة الوقت
size=3>لقد أصبحت مقاهي الإنترنت وسيلة شائعة لقضاء وقت الفراغ فيها، وذلك لعدة أسباب بينها لنا السيد ذويب صاحب مقهى (ساحة الإنترنت) في وسط العاصمة (عمان) إذ قال: إنّ استخدام الإنترنت من خلال المقاهي أقل تكلفة وأكثر ضبطاً واستغلالا للوقت، إضافة إلى الجو العام الذي يشيعه المقهى في نفوس رواده من خلال خلق جو أكثر دفئاً وقرباً من شبكة الإنترنت، جوّ عام مفعم بالحركة والنشاط والمساعدة، إضافة إلى تبادل الآراء والمشورة بين الرواد.
هذا ويرى السيد ذويب أن مقاهي الإنترنت، ساهمت في خلق علاقات صداقة بين أصحاب هذه المقاهي أو مديرها وبين روادها وكذلك بين رواد المقاهي أنفسهم، ويقر بأن أغلبية مستخدمي الإنترنت لا يستفيدون من الشبكة بشكل جيد وخلاق، وإنما يستعملونها ويستغلونها لأغراض رؤية المواقع الإباحية والألعاب والمحادثة، ويتوقف السيد ذويب عند المحادثة قائلاً : إن السواد الأعظم يلجؤون إلى المحادثة، وهم من الشباب بالطبع- من أجل التسلية وقضاء الوقت، والبعض من أجل البحث عن عمل أو سفر للخارج أو ما شابه ذلك، وكذلك من أجل الهروب من الضغوط النفسية والمشاكل التي يواجهونها في أسرهم أو أماكن عملهم.
ويحرص ذويب على أن يكون رواد مقهاه من الذين يبحثون عن الفائدة أو قضاء أوقات الفراغ بشكل إيجابي، ويقوم بمنع أي شخص يحاول استغلال الشبكة لرؤية مواقع إباحية، وذلك لأن السيد ذويب يقدر مهنته ويحترمها، بل يرى أن مقاهي الإنترنت يجب أن تكون مواقع محترمة تحمل رسالة اجتماعية وفكرية، وأن تكون عبارة عن نموذج مصغر للمراكز الثقافية ترتقي بمستوى روادها في شتى المجالات.
ويطرح ذويب فكرة مفادها أن يكون هناك تجمع أو نقابة لأصحاب مقاهي الإنترنت، وألا تبقى هذه المقاهي عشوائية في عملها وتنافسها غير الواعي والذي لا يلحق الضرر إلا بأصحاب المقاهي أنفسهم، والسعي إلى الرقي بمستوى الرواد وسمعة هذه الأماكن كمواقع حضارية إيجابية لا سلبية في جسم المجتمع.
فيما يوضح سامر البوريني وهو صاحب محل ألبسة التقيناه في مقهى (ساحة الإنترنت) سالف الذكر- أن معظم مستخدمي شبكة الإنترنت يستخدمونها بشكل سلبي غير فعال، وأن 20% فقط هم الذين يستفيدون من هذه الشبكة في أعمالهم العملية والتعليمية.
وقد أكد سامر على أهمية مقاهي الإنترنت ودورها الحضاري، إلا أنه أشار إلى أخطار الإنترنت والستالايت على الفتاة العربية، والتي لوثت هذه التقنيات شخصيتها وأفقدتها ميزاتها المعروفة.
ونتيجة لذلك فقد طالب السيد سامر أن تكون هناك رقابة وحماية للجيل، بحيث تقوم على هذه الرقابة الدوائر والمؤسسات الحكومية، وتضع القوانين التي من شأنها أن تحد من أضرار شبكة الإنترنت.
المنتديات الثقافية
size=3>إن ثورة الاتصالات الحديثة (الستالايت والإنترنت) لم تؤثر على حياة الأفراد فقط، بل وعلى مؤسسات حكومية وأهلية أيضاً، وفي هذا الصدد التقينا مع عماد أبو ردن رئيس منتدى الرصيفة الثقافي الاجتماعي الذي أشار إلى التأثير الملحوظ لثورة الاتصالات الحديثة على المنتديات، وذلك من خلال قلة الحضور والمتابعة للفعاليات الأدبية والثقافية والاستعاضة عنها ببرامج الفضائيات والمواقع المختلفة على شبكة الإنترنت.
وأكد عماد أبو ردن على أهمية المنتديات الثقافية باعتبارها مؤسسات تحاول قدر الإمكان استقطاب الشباب الناشئة، والرقي بهم فكرياً وثقافياً من خلال الأمسيات والندوات المختلفة، ورعاية مواهبهم المتعددة، إضافة إلى المحاضرات الإرشادية والتوجيهية، وذلك من أجل توعية الشباب من أخطار التدخين والإدمان على المخدرات وضرورة مكافحة الإيدز والأمراض السارية وما شابه من مواضيع تمسّ المجتمع بشكل مباشر.
وأكد أبو ردن ضرورة الرقيّ بالمنتديات الثقافية والاستفادة من التقنيات العلمية الحديثة وتجاوز الطرق التقليدية، وذلك من خلال دعم المنتديات مادياً، وتزويدها بأجهزة الكمبيوتر وشبكة الإنترنت بحيث يتم المباشرة عليها من قبل الهيئات الإدارية للمنتديات، لما في ذلك من فائدة للشباب وجذب لهم إلى هذه الأماكن الفكرية والثقافية والاجتماعية المهمة بدلاً من مقاهي الإنترنت التي يتوخى معظمها الربح المادي فقط.
تطلعات
size=3>من خلال اللقاءات والحوارات السابقة نجد أن الجميع يقرّ بالمشكلات المتعددة والمزدوجة التي تواجه هذا الجيل من الناشئة والشباب، إلا أن الجميع في ذات الوقت يتطلعون إلى تفعيل دور الأسرة المحوري والجوهري، وكذلك دور المدرسة المغيب، إضافة إلى دور الأماكن الدينية التاريخي، كما دعا الجميع إلى الاستفادة من تقنيات الاتصالات الحديثة المختلفة من خلال الاستخدام الصحيح لها، والرقابة القانونية والذاتية من خلال إشاعة الوعي والحسّ الأخلاقي والديني لدى الشباب، إضافة إلى تفعيل دور المنتديات الثقافية والاجتماعية وذلك من أجل إعادة صياغة الناشئة من جديد وتوجيههم الوجهة السليمة، ليكونوا بحق رجال الغد الذين ينيرون لنا طريق المستقبل المشرق والمزدهر .