هل الشياطين تصفد في رمضان
يسعدنا شهر رمضان بالكثير من الفضل والمنة خلال أيامه من الله- جل في علاه- وفضائل رمضان عظيمة، منها مضاعفة الأجر والثواب، منها الفوز بمحبة الله ورضاه، منها إتاحة الفرصة للمسلمين للتقرب من الله وتكفير سيئاتهم، وذلك يحدث بالبعد عن الشياطين، ولكن هل الشياطين تصفد في رمضان، تقدم الدكتور محمد مصطفي حيزة الواعظ العام بالأزهر الشريف وعضو لجنة الفتوى الرئيسية بمجمع البحوث الإسلامية بالرد على هذا السؤال بذكر حديث رسول الله- ﷺ- عندما قال: (إذا كانَ رَمَضانُ فُتِّحَتْ أبْوابُ الرَّحْمَةِ، وغُلِّقَتْ أبْوابُ جَهَنَّمَ، وسُلْسِلَتِ الشَّياطِينُ.[وفي رواية]: إذا دَخَلَ رَمَضانُ، بمِثْلِهِ) (حديث صحيح) وذكر أن الشياطين تصفد في رمضان كما أخبرنا رسولنا الكريم.
كيف تحدث المعاصي في رمضان ما دامت الشياطين مصفدة
يتساءل العديد من الناس عن كيفية ارتكاب الكثيرين للمعاصي، وقد تصل للكبائر بعض الأحيان، على الرغم من أن الشياطين مصفدة في رمضان.
- يرد على ذلك الدكتور عارف الشيخ على هذا موضحاً الآتي، لا شك في أن الشياطين تصفد في رمضان بموجب الحديث الثابت عن رسول الله- ﷺ-، وقد تكون المشكلة في تأويل كلمة “تصفد”، ويذكر الدكتور عارف الشيخ رأي الحافظ بن حجر في ذكر اختلافات العلماء في معنى تصفيد الشياطين في رمضان، فيذكر الحافظ بن حجر أن معنى التصفيد، فقد تكون إشارة لكثرة إقبال المسلم على الثواب، والمزيد من الطاعات، وأن الشياطين يقل قدرتهم على إغواء الناس فيصيروا مصفدين.
- وذكر الدكتور عارف الشيخ رأي القرطبي في هذا الشأن، فيذكر القرطبي أن قدرة الشياطين على الوسوسة وإفواء المسلم تقل إذا احتاط وحافظ على شروط صومه وآدابه، الأمر الذي قد يتساوى في معناه مع رأي الحافظ بن حجر في كتابه فتح الباري الموجود في الجزء الرابع الصفحة المائة وأربعة عشر، فالمعاصي على كثرتها تحدث في رمضان ولكن يزيد إقبال المسلمين على الطاعات.
- يذكر ابن تيمية أن تصفيد الشياطين يكون في عدم قدرتهم على القيام بما يفعلونه في الأيام العادية في الإفطار، فإن المصفد هو المقيد، ومن يتحكم في شهواته في رمضان بكسب ثواب الشهر الكريم يغلق أكبر الأبواب أمام الشياطين للدخول إليه منها، وهو باب الشهوة، مما يجعل الشياطين مقيدة عن القيام بما هي معتادة على فعله في غير رمضان.
سبب المعاصي في رمضان هي النفس
يعتبر شهر رمضان الكريم فرصة سنوية للكشف عن تفاصيل نفسك، ومعرفة حقائق نفسك التي كانت مشوشة بفعل وسوسة الشيطان لك خلال سائر أيام العام، فالعديد منا لا يستطيع الوقوف عند حقيقة نفسه، وتتعدد أنواع النفوس التي خلقها الله- عز وجل- في الجنس البشري، وسنعرض لكم أنواعها فيما يلي.
النفس المطمئنة
تلك النفس التي كرمها الله، وهداها إلى طريقه المستقيم، فتدعوا صاحبها لعمل الخير والبعد عن الذنوب والمعاصي، وهذه النفس يرضا عنها الله ويدخلها الجنة، كما في قوله- تعالى-: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي) (سورة الفجر الآيات 27: 30)
النفس اللوامة
هي النفس التي تترك صاحبها يفعل المنكرات والذنوب ولا تنهاه عنها، ثم تعود وتلوم صاحبها ليتوب عما فعل، فهو أمر مفيد للمسلم أينما كان، فكثرة التوبة إلى الله علامة من علامات الإيمان، ولكن ينقصها أن يتحكم فيها صاحبها بألا يرتكب الذنوب قدر الإمكان، وألا يأتمر بأمرها حين تريد ارتكاب الذنوب، وقد قسم الله بهذه النفس في سورة القيامة في قوله- تعالى-: (وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) (سورة القيامة الآية الثانية)
النفس الأمارة بالسوء
تعمل النفس الأمارة بالسوء على إمارة صاحبها بارتكاب الذنبوب والمعاصي، فهي نفس تميل في طبيعتها إلى الغفلة والنسيان، فهي تنسى عبادة الله- تبارك وتعالى-، وقد تتملك من صاحبها فتجعله يخسر دنياه وآخرته بما يرتكبه من آثام.
الفرق بين وسوسة الشيطان والنفس
يذكر الشيخ محمد متولي الشعراوي- رحمه الله- الفرق بين وسوسة الشياطين, وبين ما تأمر به النفس، فقد ذكر الشيخ أن الشيطان يريد من الإنسان فعل كل الذنوب والمعاصي التي يعرفها والتي لا يعرفها، فترى أن الواقع في وسوسة الشيطان يفعل ذنوباً هي جديدة عليه، ولم يعتد القيام بها سابقاً، فهذا من عمل الشيطان.
أما إمارة النفس فتكون في ارتكاب الذنب أو الفعل الذي اعتد عليه سابقاً، فتصبح إمارتها في تنفيذ الإنسان لذنب اعتاد عليه، ولا يستطيع التوقف عنه، ويمكن أن تتمثل تلك الإمارات في شكل عادة التدخين، فنرى المدخن يعرف حرمتها وضررها على جسمه، ولكن يقول أنه لا يستطيع التوقف عنها.
للأسف إمارة النفس أشد خطورة على الإنسان من وسوسة الشيطان، فإمارة النفس ملازمة لصاحبها توجب عليه التجلد والصبر, وأن يحتسب ثواب ذلك الصبر عند الله، ويستحضر النية لله- تعالى- أنه يصبر طاعةً لله، في كل مرة تأتي له بارتكاب الذنب، على عكس وسوسة الشيطان، فقد تنحل عن صاحبها بالاستعاذة، والتحصن بالذكر والقرآن الكريم، وهي في الأصل عمل غير معتاد لصاحبها، فمن السهل التخلص منها.
هل الجن موجودين في رمضان
يذكر أن الشياطين هم نوع أو جنس من الجن، ومن الجن من هو مسلم ومؤمن، كما في القرآن الكريم قوله- تعالى-: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ۖ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدً) (سورة الجن الآية الثانية) فهل الجن موجودون في رمضان؟ الحقيقة نعم الجن موجود في رمضان، وكما ذكرنا فهناك منه المسلم، الذي لا يضر بني البشر ولا يمت لهم بصلة، وهناك الشياطين التي تريد إلحاق بني البشر كلهم بهم في جهنم، وذكرنا ما يحدث للشياطين، أما الجن الصالح أو العابد لله لم يذكر أنه يتم تصفيده.
ما المكان الذي تذهب إليه الجن في رمضان
نذكر أن الثابت لدينا هو تصفيد الجن وحبسهم أو حتى التقليل من قدرتهم على التلاعب بنفوس البشر، ولكن لم يذكر في السيرة النبوية أو القرآن الكريم ما يدل عن المكان الذي قد تصفد فيه الشياطين، وكون الجن من المخلوقات التي خلقها الله- سبحانه وتعالى- فهي تتحلى بخاصية الوجود التي يتحلها بها كل المخلوقات، فهي موجودة على الرغم من عدم قدرتنا على رؤيتها، وفقد ذكرت في كثير من الآيات والأحاديث، فلا يمكننا إنكار وجودها.
متى تطلق الشياطين من جديد
يتعلق تصفيد الشياطين في الحديث الشريف السابق ذكره عن تصفيدهم في شهر رمضان الكريم، وهناك الكثير من الأقاويل التي تدعي إطلاق الشياطين بعد ليلة القدر، أو في ليلة السابع والعشرين من رمضان، أو خلاف ذلك، ولكن الظاهر في حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن تصفيد الشياطين مقرون بالشهر الكريم، فإذا انتهى شهر رمضان الكريم، تطلق الشياطين، ويحدث ذلك مع مغرب آخر يوم في الشهر، تلك الليلة التي لا يكون فيها صلاة للتراويح، ويستعد فيها المسلمون جميعاً لصلاة العيد في فجرها، الليلة التي تسبق أول أيام شهر شوال.