د. أماني سعد ياسين
أكثر من عام مرّ على الإنفجار المهيب لمرفأ مدينة بيروت في الرابع من آب ( أغسطس) عام 2020 ، إنفجار شبّه بالقنبلة النووية التي ألقيت في هيروشيما المدينة اليابانية التي اشتهرت فقط بعدما ألقيت عليها تلك القنبلة النووية وللمصادفة في
في السادس من آب ( أغسطس) من العام 1945م من قاذفة القنابل (بي-29) “إينولا جاى” والتي كان بقيادة الكولينيل بول تيبيتس من السرب( 393) من القوات الجوية الأمريكية.
وبعدها بثلاثة أيام فقط ألقت القوات الأميركية القنبلة النووية الثانية على مدينة ناكازاكي اليابانية لتفرض على اليابان الاستسلام للحلفاء في الحرب العالمية الثانية.
ومنذ أيام قليلة ، احتفلت اليابان الدولة التي تسبق أكثر الدول تطوراً اليوم بحيث يلقبونها في مواقع التواصل الاجتماعي بأنها ” كوكب اليابان” بذكرى إلقاء هذه القنبلة النووية من قبل أعتى دولة في العالم. واليوم وبعد مرور سنوات على إلقاء هذه القنبلة وما تلاه من إلقاء القنبلة الثانية في ناكازاكي وما أسقطت من ضحايا قُدّرت ب140,000 مئة وأربعين الفاً من القتلى في هيروشيما وحدها وبما يقرب من 75,000 في مدينة ناكازاكي ، ما زالت أمريكا الدولة المتكبّرة الظالمة المتغطرسة تمارس أعمالها العدوانية هنا وهناك في أرجاء المعمورة ولكن من اللافت اليوم اهتمامها وتواجدها المباشر بقواتها وعديدها إن في مواقع احتلتها أو في بوارجها الحربية المجهّزة بكل انواع الأسلحة والطائرات الحربية في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً في العراق بعد حرب العراق الأولى والثانية وكذلك في سورية بعد احتلالها المنطقة الأغنى بالنفط في الشمال السوري من بعد المساعدة على خلق واستغلال جماعات داعش الإرهابية لوضع موطئ قدمٍ لها ولجنودها المحتلين في سورية. أسرد هذه التفاصيل والوقائع التي حصلت وأماكن تواجد وانتشار القوات الأمريكية في المنطقة لأعود وأشير إلى ما يحصل في لبنان منذ أكثر من سنة والى الآن بل ربما منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في بيروت وما تلاه من أحداث متتالية في المنطقة كلها لأقول أن ما يحدث اليوم في لبنان هو ليس غوغائياً أبداً كما أنّه بالتأكيد ليس وليد اللحظة والسنة!
إن ما يحصل في لبنان اليوم هو استكمال لما حصل ويحصل في المنطقة منذ سنوات وإلى الآن وهو مخطّط له من الإدارة الأميركية منذ سنوات بالدقة والتفصيل الممل بالخطة أ والخطة ب وقد يكون هناك الخطة ج وغيرها طالما هذه الدولة المتجبرة العدوانية المتنمرة موجودة وتستقوي في منطقتنا كما في كل العالم. إن ما حصل في الرابع من آب من انفجار في ميناء بيروت وما تلاه من تداعيات وقبل ذلك ما حصل في لبنان من تهاوي مفاجئ وسريع لليرة اللبنانية وكذلك ما يحصل اليوم من حوادث أمنية متنقلة هنا وهناك في لبنان لا يشير إلا إلى دخول لبنان مرحلة الفوضى المنظمة واللاتوازن الأمني الذي تدفع به هذه الدولة مع ربيبتها دولة الصهاينة في المنطقة وكذلك ربيبتها الأخرى الدولة الوهابية السعودية. فكل ما يحصل اليوم في لبنان يشير إلى خروج لبنان من دائرة القبول والحماية الدولية ودخوله فعلياً في المجهول ولن يتوقف الحال هنا حتى يستسلم لبنان والشعب اللبناني وينضم إلى حلف المستسلمين والمصفّقين والمطبّلين للمحتل والى اللائحة الطويلة من العملاء المتعاونين والمطبّعين من الأعراب. ولمن لم يفهم بعد حقيقة ما يحصل في لبنان فلينظر إلى الموقف العلني للسعودية الوهابية واجتماع السفراء الثلاثي الشهير للتدخل الوقح وللتباحث حول الشأن اللبناني والى الزيارة الشهيرة للرئيس ماكرون إلى لبنان بعد انفجار بيروت العام الماضي وكل ما حصل ويحصل إلى الآن من تدويل للأزمة اللبنانية. والملاحظ أن هذا التدويل هو على طريقة أريد وأريد وليس لك ما تريد أي على طريقة التعاطي الدولي نفسه الذي حصل ما بعد عملية اغتيال الرئيس الأسبق رفيق الحريري والضغوطات التي حصلت وقتها لأجل خلق المحكمة الدولية التي عملت وعملت لسنوات طوال وكانت النتيجة في النهاية لا شيء ، فهذا نفسه يراد له أن يتكرر اليوم لاستغلال ما حصل في يوم الرابع من آب سياسياً وفي كلا الحالتين من الملاحظ أنه لم يتم تزويد لبنان بأي صور من الأقمار الاصطناعية التي تعمل في الفضاء لتصوير كل دقيقة وصغيرة وكل شاردة وواردة في بلدنا وعلى مدار الساعة ، إلا في هذه الحالات المفصلية المهمة وهي مسألة حياة او موت ، حياة شعب أو موت شعب، في هذه الحالتين لم يتم تزويد لبنان بأي صور مع تكرار طلب لبنان الرسمي لتزويده بهذه الصور أكثر من مرة وهذا شيء مريب بالفعل ويجب أن ينظر إليه على أنه دليل فعلي ومهم لاتهام الكيان الغاصب لفلسطين بالمسؤولية المباشرة عن التفجيرين ولا ننسى أن هناك شواهد كثيرة من الناس ومن تصاوير الكاميرات التي صورت في نفس وقت التفجير الثاني أي تفجير المرفأ لصاروخين أطلقا على المرفأ هذا عدا عن القول الشهير للرئيس الأمريكي ترامب في ذلك الحين بأن تفجير مرفأ بيروت كان نتاج” قنبلة من نوع ما” ومن اللافت أن هذا القول لم يتراجع عنه أبداً بأن المسبّب هو قنبلة وبقي على إصراره وعناده مع اعتراض مجلس الشيوخ الأمريكي عليه في ذلك الوقت. كل هذه الدلائل مضافاً إلى الدليل الأكبر وهو كون أمريكا وربيبتها ( اسرائيل) وعميلتها الوهابية السعودية هم المستفيد الأول من كل ما يحصل من تدمير سريع وممنهج لبنيان الدولة اللبنانية وما قد يستتبع ذلك من انفلات أمني ، وهذا كله يجب أن يضيء على سبب ما حصل ويحصل في لبنان اليوم بل منذ سنوات وإلى اليوم.
وما يخشى منه اليوم هو أن يكون لبنان قد دخل في مهب عاصفة العمل المخابراتي التخريبي التدميري للمخابرات الصهيونية وعملائها من أعراب الخليج ودول ما يسمى بالتطبيع العربي مع الكيان الغاصب لفلسطين واستغلال الوضع الداخلي اللبناني والأزمات اللبنانية المتلاحقة وكل هذه ليست بريئة المنشأ بل هي بفعل فاعل ونتيجة عقل شيطاني مدبّر وباستغلال عملاء الداخل الفاسدين المفسدين .
وما يُخشى منه حقاً اليوم في لبنان هو خروج الوضع عن السيطرة بالكامل وبدء مرحلة الفوضى التي كانت تطبّل لها وتزمّر وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس وما سمّته حينذاك ب ” الفوضى الخلّاقة” ومعروف أن المخططات الأمريكية للمنطقة كبيرة جداً وذات أمد بعيد جداً وهنا يجب التذكير انه وعلى خلاف الذاكرة الضعيفة للعرب واللبنانيين فإن المخططات والأهداف الخارجية ترسم للمنطقة لسنواتٍ آتية وأنّ كل ما يحصل في المنطقة وما يحصل في لبنان تحديداً اليوم هو استكمال ما حصل في في المنطقة في السنوات الأخيرة.
والمخطط بكلمة أخرى أنّ ما لا تريد أو ما لا تستطيع الإدارة الأمريكية المتجبرة فعله بالحرب المباشرة تحاول فعله بالمكائد والمؤامرات ومن خلال استغلال الثقوب ونقاط الضعف والوهن في الدولة بل وتوسيع هذه الثقوب من خلال استغلال الانقسام اللبناني حول ما يحدث في لبنان منذ أكثر من عامين والى الآن وكذلك استغلال ما قد يحدث في لبنان في المستقبل ولا يجب أن ننسى خلايا الإرهاب النائمة وخلايا عملاء الصهاينة النائمة في لبنان وهم كثر في ظل سياسة عدم المحاسبة والمحاكمة وعلى طريقة “التطنيش” اللبنانية الشهيرة وهذه الأخيرة هي أيضاً وللأسف الشديد نتيجة الفساد المتغلغل في خلايا الدولة من القمة إلى القاعدة. إنّ ما يظهر من مؤشرات جديدة تزداد يوماً بعد يوم يشير إلى تكاتف أعداء لبنان من إدارة أمريكية متنمرة وصهاينة ووهابيين ومعها كل العملاء والتابعين من دول عربية مطبّعة مستسلمة وتعاضدهم لاستكمال الهجمة التي كانت قد بدأت عشية اغتيال الرئيس الحريري وما تلاه من هجمة مسعورة على سورية ولكن المخطط المرسوم اليوم هو تحديداً أن تسود الفوضى في لبنان.
والسؤال المطروح اليوم ، هل بدأت مرحلة اللاأمن ونهوض الخلايا النائمة في لبنان لتطويعه؟!