النوي قحدون
تابعنا مؤخرا تلك الصورة التي جمعت امير قطر وولي عهد السعودية الى جانب مستشار الامن للإمارات العربية المتحدة ويبدو انها صورة سياحية بامتياز في احد المنتجعات على شاطئ* نيوم* الموعود ومن قبلها في بغداد تابعنا مؤتمر دعم العراق وكانت سانحة لبعض المصالحات العربية التي تمت على الهامش بين الرياض والدوحة من جهة والقاهرة والدوحة من جهة اخرى ثم تلتها زيارة من ابو ظبي الى الدوحة واستندت تلك اللقاءات في مجملها على توزيع الابتسامات البروتوكولية دون ان تصل درجة تقبيل اللحى أو الاخذ بالأحضان فقد ولى زمن التقبيل مع رحيل الكبار كما ان كورونا اعفت بعضهم واخفت الكثير مما يخفى وفي القلوب ايضا شيء في صدورهم لا يمكن البوح به فقد شاهدنا بمرارة امل يائس لرئيس جمهورية مصر العربية يتقابل مع امير قطر وتسألت حينها فقط كيف سيمر ذاك المساء على قنوات الردح في مدينة الإنتاج الاعلامي بالجيزة واخواتها في مدينة دبي وما رد فعل الجزيرة الكبرى وتعاليقها الصاخبة على تلك اللقاءات وعادت تغمرني الذكريات…
ولسنا هنا بصدد رصد تلك الانفعالات بالقدر الذي نحن بصدد ظاهرة قديمة تعودنا عليها كشعوب فقد كنا نتجمع امام الشاشات ونشاهد وصول الوفود بمناسبة انعقاد كل قمة عربية ونطير فرحا لكل قبلة من زعيم لأخيه الزعيم وكانت تلازمنا مشاعر الفرح كلما انعقد اجتماع على الهامش يبادر فيه البلد المضيف بوساطة آنية ليجمع المتخاصمين , ينفض مؤتمر وينعقد مؤتمر وبين الاجتماع والاجتماع تنفجر ازمات وخصومات لكن الحق يقال انه ما من خصومة تمت إلا وتلتها مصالحة وهكذا سار الامر على مدى عقود رحلت فيها شوامخ وقامات كان تأثيرها واضحا على مسارات دول بأكملها وتغيرت ايضا انماط انظمة الحكم في العالم العربي وتماهت مع المتغيرات ومنذ ان اصبح العالم اقل حجما مما ترآى لنا قبل ذلك اصبح الوصال والخصام يتم بنفس السرعة التي يسير بها عالم اليوم والميزة في العلاقات البينية العربية انها لم تتغير بالشكل الذي نراه سائدا في عالم اليوم ورغم ان التكتلات السياسية والاقتصادية هي ميزة القرن الواحد والعشرين إلا ان الانقسام عندنا يظهر جليا حتى في بعض المجالس العربية التي نجحت في الالتئام على ادنى التوافقات وبداية من الجامعة العربية التي ولدت بدون روح وكان مقدرا لها ان تسبق الاتحاد الاوروبي عراقة الى مجلس التعاون الخليجي وهما ابرز منظمتين تضمان اكثر البلدان العربية فلم نجد من تاريخهما إلا الفرقة عنوانا والتواطؤ اسلوبا في تسيير شؤون اوطان عربية اخرى ووصل الامر في الجامعة العربية الى طلب التدخل الاجنبي في العراق وليبيا ثم سوريا جهارا وبالأغلبية البسيطة التي تعني الإجماع في نظر من يتحكمون في قراراتها ولم تؤخذ فيها حتى توسلات البعض ممن بقي محتفظا بشيء من النخوة او لنقل بعض الحكمة فخربت اوطان وشردت شعوب بسبب تلك التكتلات وفي مفهوم الغرب للعلاقات الدولية انها تقوم على مصالح حقيقية ولكنها لا تخرب لمجرد عدم التوافق على مصلحة واحدة فقد خطفت امريكا صفقة الغواصات الاسترالية في تجني وسرقة موصوفة ولم تتعدى درجة الخصومة استدعاء السفير الفرنسي من واشنطن لايام معدودة وقد نبهت تلك الحادثة دول الاتحاد الاوروبي لغدر امريكا الحليف لكنها لم تتجاوز الى قطع العلاقات او إسقاط كل الاتفاقيات او بناء تحالف لحصار العدو بينما تسود المزاجية والمناكفة والمكايدة العلاقات البينية عندنا ويصل الامر حد إحاكة المؤامرات وبطلب عربي خالص ضد بلد عربي آخر فتكون تلك الدول في حالة توظيف لأغراض العدو قبل الصديق فقد راينا قبل زمن قريب حالة قطر مع تحالف السعودية والامارات والبحرين ومصر فكما سمت تلك البلدان قطر بالعدو سمت ايضا قطر تلك الامصار بدول الحصار وبعد زوال الخطر* الترامبي* سادت لغة الدبلوماسية على نهج بايدن فأصبحت العلاقة قريبة من السمن على العسل وقبلها ايضا قادت السعودية تحالفا إخترق ارض اليمن الجريح وشرد ابناءه وبفضل مقاومة وشجاعة اهله وحدهم اندحر التحالف العربي وعاد ليطلب من الذي اوهمه بسهولة المهمة كي يضمن له طريقا مشرفا للانسحاب بل شاهدنا حالة التشرذم والانفلات وعدم المسؤولية في التعامل مع هذا الملف حتى داخل دول التحالف فالسعودية تأوي ما يسمى بالحكومة الشرعية بينما تدعم الامارات قادة ما يسمى المجلس الانتقالي في الجنوب وعندما يسأل الناس عن اخبار اليمن فلن يجيبك عاقل إلا بانه لم يمكن اتعس من ذي قبل كل ذلك ولا دولة ولا زعيم عربي يهمه امر اليمن لانه لم يحن الوقت لتاتي الإشارة ممن يرغم العرب على معاداة بعضهم بحسابات عصية على فهم خبراء العلاقات الدولية وتبدو متشابكة وغير محبوكة ولا تستند لمنطق فالعبثية سيدة مواقف العرب في علاقاتهم وقد ذهب عنهم بقية من نخوة الكبار ومن تربية الصغار .
سئمنا هذه التقاليد الراسخة منذ – سايس بيكو- وسئمنا جلد الذات وتم تدجيننا كشعوب دخلت فلك حكامها واصبح الدفاع عن مزاجية الحاكم من صلب الوطنية والقومية وقد سهلت مواقع التواصل الاجتماعي وجميع ادوات الاعلام فكرة التماهي مع مواقف شوفينية نعتقد انها وطنية وافتقدنا رابطة الدم وصلة الرحم العربي ودخلنا غرف الانعاش في انتظار التلاشي واذكر هنا ان رئيس السلطة الفلسطينية كان ذات يوم محاصرا في رام الله وخاطب زعماء القمة العربية المجتمعين في قمتهم وكان ذلك حدثا فارقا في حالة التشرذم المتواصلة وبنسق سريع, ثم اصبح اسر الرؤساء لدى الدول المستضيفة بل وحتى قتل الزعماء وإباحة دمهم من فتاوى العصر الحديث القديم لنصل الى ما نحن عليه ومالم ندرك ان العاطفة والمشاعر وحدها إذا قادت علاقات الدول فالمحصلة هو ما نرى فالمصالح المشتركة والتكتلات الاقتصادية هي قاطرة التقدم والنمو ثم تليها دعائم واواصر الاخوة والصداقة وكل ذلك متوفر في عالمنا العربي وكل ما ينقصنا هو ان نتصارح قبل ان نتصالح واملنا هذه المرة في ان يخرج البيان الختامي بالجزائر بالتأكيد على مركزية قضية فلسطين وتدعيم التضامن العربي ولا ضير إن اضفنا …إدانة احتلال ايران لجزر الامارات!!!.
– كاتب جزائري –
Source: Raialyoum.com