هل تُلحِق مصادر الإلهاء الرقمية الضرر بالإنتاجية في العمل؟

حينما نواجه عقبةً ما أثناء أداء عملٍ مهم (ككتابة مقال على سبيل المثال) نتناول الهاتف ونفتح إحدى شبكات التواصل الاجتماعي ونبدأ بالتصفح ليضيع قدرٌ غير محددٍ من الوقت وتذهب معه نصف ساعةٍ أو أكثر كان يُفترَض أن تُبذَل لبلوغ جهدٍ مثمر، ويحل الشعور بالندم مباشرةً مكان الرغبة في رؤية ما حصل على تويتر خلال الـ 15 ثانية الماضية.

Share your love

يُعدّ هذا السيناريو تصرّفاً لا واعياً، كالتنفس، يُقدِم عليه الكثيرون، حيث إنَّ التوقّف عن إعارة الاهتمام لما تعكف على القيام به والانشغال بشيءٍ آخر أمرٌ دائم الحضور في هذه الأيام، كما يشكِّل توفير ذاك “الشيء الآخر” الخطة الذي تعمل وفقاً لها بعضٌ من أقوى الشركات في العالم. وبينما كان علماء الاقتصاد يبحثون عن تفسيراتٍ لتدنّي الإنتاج، تساءل بعضهم عمَّا إذا كان يجب أن يُلقى اللوم في ذلك على عدم القدرة على تركيز الاهتمام لأكثر من دقيقة.

لقد احتاجت التكنولوجيا فترةً طويلةً من الزمن لاجتياح حياتنا، فقد شكَّلت النقرات التي يصدرها عامل التلغراف أو الأصوات التي تصدرها آلة الطباعة مصدر إزعاجٍ فظيع، وكانت الهواتف الثابتة في أيامها مصدراً للتطفل قبل أن تجلب الهواتف المحمولة التشويش الناجم عن العمل إلى المنزل. ولكنَّ الإنترنت يُعَدُّ مختلفاً مع وجود الدورات الإخبارية التي لا نهاية لها، والشبكات الاجتماعية التي تعجّ بالحوارات الدائمة، والـ (news feed) المُصمَّمة لدفع المستخدمين إلى التصفّح والمشاركة بشكلٍ مستمر. فكُلما كانت الجلبة أعلى كان التشتت الذهني أكبر – وكان تجاهلها، خشية فقدان معلوماتٍ مهمة، أمراً أصعب.

من الواضح أنَّ مصادر تشتيت الانتباه تؤثر في الأداء أثناء العمل، كما تم التوصل في إحدى الدراسات التي أجراها حديثاً “دان نيكسون” (Dan Nixon) من (Bank of England) إلى دليلٍ قاطع يشير إلى أنَّها يمكن أن تتسبّب كذلك في تآكل الإنتاجية، إذ يلمس مستخدمو الهواتف الذكية هواتفهم وفقاً للدراسة ما بين مرتين في الدقيقة إلى مرةٍ كل سبع دقائق. ويقلل إجراء المهام أثناء تلقي الرسائل الإلكترونية والمكالمات الهاتفية معدل الذكاء لدى العامل حاولي عشر نقاط موازنةً بالعمل بلا مقاطعة. وتشير إحدى التقديرات إلى أنَّ استعادة التركيز من أجل أداء مهمةٍ ما بعد التعرض للتشويش يحتاج إلى نصف ساعةٍ تقريباً. وعلاوةً على ذلك لاحَظَ مُعِدُّ الدراسة أنَّ التعرّض المستمر للمقاطعة يجعل العمال يألفون التشتّت الذهني ويعلِّمهم في الواقع فقدان التركيز والبحث عن التسلية.


اقرأ أيضاً:
5 وسائل مساعدة للحفاظ على تركيزك في العمل

هل يمكن لهذا أن يفسر الانخفاض في الانتاجية الذي تشهده بلدان العالم الغني؟ في ورقةٍ نُشرَت في العام 2007 حلل كلٌّ من “سنان أرال”، و”أيريك برينجولفسون” من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا و”مارشال فان ألستن” من جامعة بوستن استخدام الشركات لتكنولوجيا المعلومات وتأثيراتها على الإنتاجية في العمل وعلى نمو العائدات، وكانت النتيجة التي توصلوا إليها عند الموازنة بين تعدد المهام وحجم الإنتاج أشبه بحرف (U) مقلوب، حيث يبدو في البداية أنَّ ازدياد عدد المهام التي يمكن التعامل معا نتيجةً لتطور تكنولوجيا المعلومات أدى إلى زيادة الإنتاج ولكن لاحقاً مع تراكم المهام التي يجب التعامل معها انخفض الأداء وازداد وقوع الأخطاء.

تساعد التكنولوجيا العاملين بوسائلٍ شتى، إذ إنَّها تسرِّع عملية التواصل وتتيح مشاركة الوثائق عن بعد، كما جعل الإنترنت إيجاد المعلومات أسهل بكثير وأسرع مما كان عليه في زمن السجلات الورقية. ومع انتشار الرسائل الإلكترونية، وقواعد البيانات الرقمية، والإنترنت ارتفعت الإنتاجية مع أواخر الألفية الماضية وبداية الألفية الجديدة، وكان يبدو في ذلك الوقت أنَّ فوائد التكنولوجيا تفوق الأضرار الناجمة عن التشتت الذهني الذي تتسبب به، ولكن النمو في الإنتاجية انخفض بسبب بلوغ العبء الناجم عن التشتت الذهني مرحلةً حرجةً.


اقرأ أيضاً:
انفوغرافيك: 10 برامج وأدوات لتعزيز الإنتاجية

ولكنَّ هذا بالتأكيد ليس كل شيء، فقد لا تتناسب فكرة أنَّ تشتت الانتباه هو السبب الرئيس لضعف الإنتاجية مع جميع مجالات العمل، حيث كان نمو الإنتاجية في العمل في مجالي التصنيع والبناء مخيباً للآمال على وجه التحديد – ومن الصعب أن تُعزى تلك المشكلة هنا إلى تبديد الأشخاص الذين يجلسون خلف مكاتبهم الوقت في تصفح موقع “بينتيريست”.

يُعَدّ ضعف الإنتاجية كذلك نتيجةً لإعادة توجيه العمال الذين يعملون في مجالاتٍ ذات معدلات نمو عالية نسبياً إلى أخرى أكثر ركوداً، وقد ساهم قطَّاعا الرعاية الصحية والتعليم في الولايات المتحدة، اللَّذين تُعَدُّ الإنتاجية في العمل فيهما منخفضةً دائماً، بنمو العمالة بنسبة تزيد عن الـ 50% منذ العام 2000.

فكيف نوفق إذاً بين ما ثبت عن المساوئ الناجمة عن التقنيات الحديثة وبين الصعوبة في تحديد مُسببات تدهور الإنتاج؟ من المحتمل أنَّ الشركات لم تكن فعالة بالقدر المتوقع في دفع العمال إلى بلوغ أفضل النتائج، إذ إنَّ العمالة لم تنخفض كثيراً نتيجةً لارتفاع الحد الأدنى للأجور وذلك بسبب ارتفاع نصيب العامل من الإنتاج، ويعود هذا في جزءٍ منه إلى أنَّ العمال بذلوا جهوداً أكبر وفي جزءٍ آخر إلى أنَّ الشركات التي كانت تواجه تكاليف جديدة ركزت الاهتمام تركيزاً أكبر على مراقبة أداء العمال. وارتفعت الإنتاجية مباشرةً في الفترة التي تلت الأزمة المالية حيث لم يكن تسريح الشركات للعمال الأقل إنتاجية سبب ذلك بل يبدو أنَّ العمال أعدوا أنفسهم لإقناع الرؤساء بألا يطردوهم. وبعد عقدٍ من تقديم الرواتب المنخفضة وجني الأرباح العالية ربما شعرت الشركات بالرضا فربما يكون هذا، مع إخفاقهم لاحقاً في الاستثمار، تفسيراً لضعف الإنتاجية أفضل من التشتت الذهني الذي يصيب العمال.


اقرأ أيضاً:
تعلّم كيف تُحسن إنتاجيتك في 15 دقيقة

سواءٌ أكانت العقول المنهكة بسبب المقاطعة المستمرة سبباً في تباطؤ النمو أم لم تكن كذلك فإنَّ الاجتياح الرقمي يتحمل نصيباً من المسؤولية. ويعتقد السيد “نيكسون” بأنَّ العمال الذين يعانون من التشتت الذهني يصبحون أقل قدرة على التفهم وهو ما يُعَدُّ أحد التأثيرات الجانبية الخطيرة في اقتصادٍ يُشار فيه إلى العلاقات مع الزبائن بوصفها خطاً دفاعياً ضد التحول إلى الأتمتة. ويبدو أن التشوش الذهني يقلل من الشعور بالسعادة كذلك وهذا التأثير قد يتضاعف إذا كان ذلك يعني إتمام العامل عدداً أقل من المهام – أو إذا كان مصدر التشتت الذهني هو أخبارٌ حزينةٌ أخرى. وحينما لا تجد الشركات المجال لتوفير لحظات من الراحة فإنَّها تأخذ تخليص مكان العمل من الأمور التي تقوض الإنتاجية على محمل الجد ويكون هذا لصالح الجميع حيث يكون هذا سبباً آخر للرغبة في وجود سوق عمالة قوي بالفعل.

 

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!