بول إيدن* – (أحوال تركية) 6/2/2020

قد تحاول دمشق إثارة قضية استعادة هاتاي (لواء اسكندرون) مرة أخرى إذا استمر الصراع الحالي بينها وبين تركيا. وفي شباط (فبراير) 2016، توقع وزير الخارجية التركي السابق، يشار ياكيش، هذا الاحتمال بشكل أساسي في التعليقات التي أدلى بها لصحيفة “توداي زمان” عند مناقشة احتمال التدخل العسكري التركي في سورية. وقال في ذلك الحين: “لن يقبل العالم هذا التدخل (للجيش التركي في سورية)”. وأضاف: “لن يسمح بإعادة رسم الحدود من جانب واحد”.

  • * *
    وسط التوتر التركي السوري المتزايد، يُذكّر مقال نُشر في الآونة الأخيرة في الصحافة الروسية الحكومية القراء بمطالبة سورية التاريخية بمقاطعة هاتاي التركية (لواء إسكندرون). ويوحي توقيت نشر هذا المقال فيما يبدو بأن موسكو ربما تريد أن تبعث رسالة إلى أنقرة بسبب تصرفاتها في محافظة إدلب السورية.
    نشرت “سبوتنيك نيوز” المقال المذكور وذكرت أن هاتاي، المتاخمة لإدلب، كانت قد انتزعتها فرنسا خلال الانتداب الفرنسي على سورية ثم ضمتها تركيا في العام 1939 بعد إجراء استفتاء متنازع عليه حول وضع هاتاي في المحافظة.
    ويثير توقيت هذا المقال التساؤلات لأن علاقته الوحيدة بالأحداث الحالية هي أن سورية وتركيا كانتا تخوضان أعمالا عدائية في إدلب قبل إعلان وقف إطلاق النار. وقد عمدت الحكومة التركية إلى احتجاز رئيس التحرير وثلاثة من أعضاء فريق سبوتنيك في إسطنبول لفترة وجيزة بعيد نشر المقال.
    يعتقد مصطفى غوربوز، وهو باحث غير مقيم في المركز العربي في واشنطن العاصمة، أن المقال يهدف عمدا إلى استفزاز تركيا. وقال غوربوز: “على غرار السياق التركي، فإن الصحافة المستقلة هامشية حقاً في روسيا”.
    وأردف قائلا: “يعد الإعلام الروسي أحد أكثر الأدوات فعالية في أيدي (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين، ليس فقط في السياق الداخلي ولكن أيضا في الدبلوماسية”.
    وهكذا، فإن الصحافة الروسية سلاح بين يدي بوتين والذي يمكن استخدامه لممارسة الضغط، وكذلك لنقل رسائل خفية، والتي ربما كانت الهدف من مقال هاتاي.
    بعد أن أسقطت تركيا قاذفة روسية من طراز “سو-24” فوق حدودها مع سورية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، توترت العلاقات بين أنقرة وموسكو بشدة. ونشرت الصحافة الروسية عدة مقالات ضد تركيا تزعم، من بين أمور أخرى، أنها ساعدت تنظيم “داعش” في تجارة النفط غير المشروع.
    ثم توقفت هذه المجموعة من المقالات الناقدة حول تركيا في الصحافة الروسية بشكل موحد بعد أن توصل الجانبان إلى تقارب عقب تعبير الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن الأسف بشأن حادث إسقاط الطائرة والبدء اللاحق في التعاون الروسي التركي في سورية.
    وقال غوربوز: “من المهم أن نلاحظ مدى تأثير الطبعات الدولية لوسائل الإعلام الروسية في الشرق الأوسط”. وتابع قائلا: “مثل هذه الأسلحة الإعلامية هي أيضا جزء من استراتيجية التوسع طويلة المدى لروسيا في المنطقة”.
    ومن جهته، يشك تيمور أحمدوف، الباحث المقيم في أنقرة في مجلس الشؤون الدولية الروسي، في أن المقال “كان خطوة متعمدة ومدروسة من سبوتنيك”.
    وقال أحمدوف: “أعتقد أنه كان هناك خطأ من فريق التحرير… لا أعتقد أن موسكو ترغب في نشر مقال تركي حول هذا الموضوع الحساس الآن، مع الأخذ في الاعتبار أن الجانبين يبحثان عن طرق لحل الأزمة في إدلب بطريقة دبلوماسية”.
    ويشك أحمدوف أيضاً في أن دمشق ستقوم بإحياء قضية هاتاي، حتى في خضم نزاعها المتصاعد حالياً مع أنقرة. وذلك لأن سورية بحاجة إلى الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع تركيا إذا كانت تريد الاستقرار السياسي وإعادة الإعمار والتجارة بعد انتهاء الصراع الطويل في البلد المنكوب بالحرب.
    وقال أحمدوف: “إذا قررت دمشق التكهن بشأن قضية هاتاي، فسوف يؤدي ذلك إلى نفور القوميين الأتراك، الذين يرغبون في رؤية علاقات مستقرة مع الحكومة المركزية في سورية في قتالهم ضد الانفصالية الكردية”.
    ويعتقد نيكولاس دانفورث، الباحث الزائر في صندوق مارشال الألماني، أن مقال سبوتنيك “يمثل بعض التصيد التحرري من دون إلهام بدلاً من مطالبة جادة بالأراضي التركية ذات السيادة”. وأضاف أن هذا هو الحال على الأرجح، لأن دمشق لم تسترد بعد سيطرتها على سورية بأكملها.
    وأشار البروفيسور جوشوا لانديس، مدير دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، إلى أن إعادة فتح هذه القضية هي مؤشر على مدى تدهور العلاقات بين أنقرة ودمشق. وقال لانديس لموقع (أحوال تركية): “يشير تقرير سبوتنيك حول القضية إلى أن روسيا تبحث أيضاً عن سبل لزيادة الضغط على أنقرة من دون الذهاب إلى الحرب”.
    ومع ذلك، وفي الوقت نفسه لم يكن أحد قد أثار قضية هاتاي منذ عشرات السنين. وفي حين أن خرائط الحكومة السورية الرسمية تتضمن غالباً هاتاي كجزء من سورية، إلا أن معظم السوريين والأتراك يعتبرونها مسألة منتهية.
    ويتذكر لانديس أنه عندما درس اللغة العربية في دمشق في ثمانينيات القرن الماضي، كان مع حفنة من الأتراك العرب من هاتاي الذين كانوا يسعون إلى لحصول على شهادات في الطب من جامعة دمشق.
    وقال: “عندما يخبر الأستاذ السوري طلابه في الفصل كيف كانت هاتاي سورية، كان طلاب هاتاي يسخرون في الجزء الخلفي من الفصل لأنهم لا يريدون أن يكونوا سوريين ويعتقدون أن الأستاذ كان يراهن على حصان خاسر”.
    حتى وسائل الإعلام السورية التي تديرها الدولة نادرا ما أثارت مسألة هاتاي، باستثناء مناسبة واحدة جديرة بالملاحظة في العام 2013. ولكن حتى ذلك الحين، كان من الواضح جداً أنه كان مجرد كلام وليس مؤشراً على حدوث تحول جوهري في السياسة السورية القائمة منذ فترة طويلة حول القضية –والتي تؤكد أن تركيا ضمت هاتاي ظلماً ولكنها مع ذلك أرض تركية.
    ومع ذلك، قد تحاول دمشق إثارة قضية هاتاي مرة أخرى إذا استمر الصراع الحالي بينها وبين تركيا. ففي شباط (فبراير) 2016، توقع وزير الخارجية التركي السابق، يشار ياكيش، هذا الاحتمال بشكل أساسي في التعليقات التي أدلى بها لصحيفة “توداي زمان” عند مناقشة احتمال التدخل العسكري التركي في سورية.
    وقال في ذلك الحين: “لن يقبل العالم هذا التدخل (للجيش التركي في سورية)”. وأضاف: “لن يسمح بإعادة رسم الحدود من جانب واحد”. وتابع قائلاً: “الأكثر من ذلك أنه إذا واجه الجيش التركي الهزيمة، فقد تعيد سورية قول أن هاتاي تنتمي إلى سورية”. كما توقع ياكيش في المقابلة أن “من المؤكد أن روسيا ستكون الفاعل الرئيسي في تشكيل مستقبل سورية”.
    اليوم، يشك ياكيش في أن روسيا وتركيا ستدمران كل سبل العودة إلى لوضع الطبيعي بسبب مصالحهما المتباينة في إدلب نظرا لحقيقة ترابطهما القوي اقتصادياً.
    وقال ياكيش لموقع (أحوال تركية): “إن عودة هاتاي إلى سورية غير مرجحة… ما قلته في هذا الموضوع في الماضي كان أن سورية قد تثير مسألة هاتاي إذا استمرت العلاقات في التدهور”.
    وأضاف: “هذا لا يعني أن تركيا ستسمح بذهاب هاتاي إلى سورية من دون خوض حرب شاملة”.

*صحفي مقيم في شمال العراق.