هل سيجعل فيروس كورونا الاستطباب عن بعد هو القاعدة، وليس الاستثناء؟

لا ريب أنَّ انتشار فيروس كورونا المستجد قد قلب العالم رأساً على عقب، فهل سيغيِّر أيضاً من طريقة تلقِّي العلاج؟ السؤال الذي يطرح نفسه: هل رأيت طبيبك النفسيَّ مؤخراً؟ وهل أصبحت زيارة الطبيب فِعلاً من الماضي مثل: المُصافحة، والتلويح باليد؟ لحسن الحظ، المرضى الذين هم في أمسِّ الحاجة إلى علاجٍ نفسيٍّ -وخاصةً في ظلِّ الأزمة الراهنة- أضحى متاحاً لهم التواصل عن بعدٍ مع المعالجين، وذلك عن طريق المكالمات الصوتيَّة، أو الفيديو، أو الرسائل.

Share your love

في الواقع، كان الانتقال من التواصل وجهاً إلى وجه إلى السعيِّ في مناكب العالم الافتراضي أمراً على قدمٍ وساقٍ قبل أن يظهر فيروس كورونا المستجد في عالمنا، كما أنَّ العديد من الأطباء النفسيين توجَّهوا إلى منصَّات التواصل الاجتماعي، مثل: الإنستغرام، وغيره؛ لضمان سير عملهم، وجذب المتابعين إلى مواقعهم، وتنمية أعمالهم التوجيهيَّة والتدريبيَّة. وليس أمراً غريباً أن تجد ثلَّةً من هؤلاء الأطباء تتخطَّى نسبة المتابعين لديهم حاجز النصف مليون متابع.

في حين أنَّه من غير المرجَّح أن تختفي خدمات العلاج والاستشارة التقليدية كليَّاً، إذ لم تزل تحتلُّ دوراً هامَّاً في التنسيق وإيصال تلك الخدمات، خصوصاً بالنسبة إلى المرضى المحفوفة أوضاعهم بالمخاطر.

إنَّ المباني التي كُرِّسَت لعمل أخصائيي الصحة العقلية باتت تنتشر في جميع أصقاع الأرض.

تبقي مساحات العمل تلك المعالجين مرنين في التعامل مع إدارة أعمالهم عن بعد، بُغية أن تتلاقى مع متطلَّبات المرضى، وتقدم أفضل الخدمات إليهم.

وفي أوج هذا الحجر الصحي والإلزامي، حتَّى الأطباء الذين يعارضون القيام بأداء مهامهم عن بعدٍ وخارج مكاتبهم، يتقبَّلون الأمر، ويَهمُّون بالعلاج؛ نظراً لما تستدعيه الأوضاع والضرورة.

لا يخلو هذا النهج العلاجيّ الجديد من بعض المصاعب. على سبيل المثال: بعض العرقلات التي تتعلَّق بخصوصيَّة المريض والتي يجب التعامل معها، حيث أنَّ بعض أنماط التواصل تجدي نفعاً في تقديم الرعاية الصحية، وتتوافق مع “نظام حماية معلومات المرضى الأمريكي” (HIPPA).

أخيراً، وممَّا يدعو إلى التفاؤل، وجدت مقالة نُشرَت في مجلة جاما (JAMA) عام 2012: أنَّ العلاج السلوكيَّ المعرفيَّ كان فعَّالاً بالقدر نفسه عند إدارته عبر الهاتف، كما كان عند تقديمه وجهاً إلى وجه. علاوةً على ذلك، وجد الباحثون أنَّ معدلات الشفاء لدى المرضى عاليةٌ في العلاج عن طريق الإنترنت، ويعود ذلك إلى أنَّها وسيلة استطبابٍ مريحةٌ بالنسبة إليهم.

الجدير بالذكر: إنَّ النشاط الذهني يتزايد عند التواصل عبر الإنترنت، وكما أظهرت نتائج تحليلٍ إحصائيٍّ في عام 2016 أنَّ حيويَّة العقل تقدِّم إفادةً بسيطة فيما يخصُّ الاكتئاب. كما أفادت دراسةٌ أخرى أنَّ آثار ومحاسن تلقِّي العلاج من الاكتئاب عن بعدٍ وعبر الإنترنت، يوازي الواقعيَّ منه من حيث الأهمية، هذا إن لم يكن أفضل.

هذا ولم نذكر بعد ميزات العلاج عبر العالم الإلكتروني، والتي منها أنَّ أسعاره مدروسةٌ ومنطقيَّة، وليس مُربِكاً أو مُتعباً؛ ويُعدُّه الغالبية العظمى من المرضى أكثر خصوصيَّةً من العلاج التقليدي الواقعي، كما يفسح المجال لهم باختيار المعالج المفضَّل عندهم، والذي يودُّون مشاركته خصوصيَّة حالتهم.

إنَّه لمن الممتع -في كثيرٍ من الأحيان- تجربة أشياءٍ جديدةٍ ومختلفةٍ عن الأنظمة السائدة والتقليدية، وبتوَّفر العلاج عبر الإنترنت، لن يعود للفيروس المستجدِّ أيَّ نفوذ.

 

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!