إيان جيه. لينش* – (أحوال تركية) 4/12/2020

التزم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن بتنظيم “قمة من أجل الديمقراطية” واستضافتها خلال سنته الأولى في منصبه، حرصاً على إحياء التعددية ومعالجة القضايا الدولية. ستعطي القمة الأولوية لمحاربة الفساد والاستبداد وتعزيز حقوق الإنسان في دول القمة وخارجها.
تبقى تفاصيل القمة غير واضحة في هذه المرحلة المبكرة. وقالت مجلة “بوليتيكو” إن تحديد الدول المدعوة للحضور هو سؤال مفتوح يثير قلقاً خاصاً فيما يتعلق بحلفاء الولايات المتحدة، مثل تركيا، التي تحكمها إدارة يتضاعف استبدادها.
وقال النائب الأميركي، توم مالينوفسكي، خلال حلقة نقاشية في المؤتمر الدولي لمكافحة الفساد يوم الخميس، إن تلك المرحلة تعدّ نقطة لتدخل الدبلوماسيين. ويُتوقّع حدوث نقاش داخل وزارة الخارجية بين مناصري حقوق الإنسان الذين يجادلون ضد ضم الديمقراطيات التي تشهد انتكاسات في قيمها، وبين السفراء الذين يجادلون بوجوب دعوة الدول المهمة.
قال مالينوفسكي: “تعد تركيا مثالا رائعا. فهي دولة تابعة لحلف شمال الأطلسي، ورئيسها منتخب، وبرلمانها منتخب. وفي الوقت نفسه، يوجد مئات الآلاف من المحامين والقضاة والناشطين في السجن، ويشهد البلد حملة قمع شديدة ضد الحريات المدنية على امتداد السنوات الماضية”.
واقترح أن تحدد الإدارة المقبلة المبادئ في البداية وتقول: إذا كنت تريد أن تدعى يجب عليك أن تصادق عليها، ثم عندما تأتي إلى القمة يجب ان تحول المبادئ إلى التزامات فعلية.
وتابع: “لكنك لن تمر حتى من الباب إذا لم تكن مستعداً للتوقيع على بعض الأشياء التي ربما لن يكون زعيم تركيا مستعدا للموافقة عليها”.
في حال غياب إعلان لمبادئ، هناك حجج إستراتيجية مع ضم تركيا وضده. ويمكن لإدارة بايدن تأجيل ضم حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان، نظرا إلى نية الرئيس المنتخب تنظيم ديمقراطيات العالم معاً لمواجهة الدول التي تراجعت عن أسسها.
يمكن أن يبعث الإقصاء رسالة عالية وواضحة بأن تركيا تعد من هذه الدول. ومن ناحية أخرى، يمكن القول إن القمة تقدم فرصة لإقناع أنقرة بعكس اتجاهها الاستبدادي واتباع هدف بايدن المتمثل في صياغة أجندة مشتركة.
تقول سيبال أوكتاي، وهي أستاذة مساعدة في جامعة إلينوي في سبرينغفيلد، لموقع أحوال تركية: “أشار أردوغان في الداخل خلال الأسابيع الأخيرة إلى أنه يستعد لرئاسة بايدن. لذلك، في حالة انضمامه إلى القمة، سيضاعف هذا الخطاب في الداخل لإظهار أنه يفي بتصريحاته السابقة حول مستقبل تركيا مع الغرب والحلفاء عبر الأطلسي”.
وأكدت أوكتاي وجوب دعوة أردوغان إلى القمة لأن “الولايات المتحدة لا تستطيع تهميش تركيا، وتركيا ما تزال بحاجة إلى حلف شمال الأطلسي كمصدر للدفاع الجماعي وكمصدر للمصداقية والسمعة. وقد تساعد دعوة تركيا إلى هذه القمة على إعادة بناء الجسر بين البلدين اللذين ما يزالان بحاجة إلى بعضهما بعضا. وسيكون إعلان المبادئ خطوة ذكية لتقييد أيدي تركيا”.
ستكون ماهية الإستراتيجية التي تختارها إدارة بايدن لقمتها أقل أهمية من تشكيل أي منتديات دائمة متعددة الأطراف قد تنتج عن القمة. وسيكون لقبول تركيا الكامل في أي شراكة ديمقراطية جديدة تأثير ضئيل على الديمقراطية فيها ولن يؤدي إلا إلى إعادة إنتاج المشاكل داخل الهيئات الدولية القائمة.
في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يمنع إبعاد الصين وروسيا العمل الجماعي ضد الاستبداد. لكن تنوع مجموعة العشرين السياسي جعل دولها غير قادرة على معالجة القضايا العالمية مثل الوباء والأزمة الاقتصادية وتغير المناخ. كما تراجعت أهمية مجموعة السبع بسبب عوامل هيكلية طويلة المدى بعد أن تفاقمت خلال السنوات الأخيرة بسبب ازدراء الرئيس دونالد ترامب للتعددية.
تعد مجموعة “دي 10″، التي دعا إليها رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في أيار (مايو)، من البدائل المحتملة. وسوف تشمل دول مجموعة السبع، إضافة إلى أستراليا والهند وكوريا الجنوبية. وقد أجرى “مجلس الأطلسي”، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، حوارات بين مسؤولي تخطيط السياسات في مجموعة “دي 10” منذ 2014. ويمكن أن يؤدي إدراج أربعة بلدان من آسيا والمحيط الهادئ إلى التغلب على المركزية عبر-الأطلسية في مجموعة السبع.
ويكمن اقتراح مماثل في تشكيل “تي 12”. وقد جادل جاريد كوهن وريتشارد فونتين، وهما مسؤولان سابقان في وزارة الخارجية، مؤخرًا في مجلة “فورين افيرز”، بأنه مثلما تشكلت مجموعة الدول السبع في البداية لتوجيه التعددية الاقتصادية، فإننا نحتاج الآن إلى مجموعة من “الديمقراطيات التقنية” الرائدة للتعامل مع التحديات التي يفرضها العصر الرقمي. وستشمل قائمتهما للدول المقترحة بلدان مجموعة “دي 10” باستثناء إيطاليا، وتفسح المجال للبلدان الأصغر ذات القطاعات التكنولوجية القوية، بما في ذلك السويد وفنلندا وإسرائيل.
يشترط الداعون إلى تشكيل المجموعتين على الدول التي تنال العضوية الالتزام بالديمقراطية القائمة على القواعد، ويدعون إلى تنظيم جدول أعمال أولي حول قضايا مثل شبكات الجيل الخامس وسلاسل التوريد الهامة التي لا يمكن لأي حكومة معالجتها بمفردها. ويبقى أن نرى ما إذا كان الديمقراطيات الرائدة الرئيسية ستنظر في هذه الاقتراحات خلال مؤتمر القمة من أجل الديمقراطية.
وقال مدير برنامج تركيا في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، أيكان إردمير، لموقع أحوال تركية: “نظراً إلى الطبيعة المقلقة لتراجع تركيا الديمقراطي، سيكون من غير المعقول أن يدعو بايدن أردوغان إلى قمته من أجل الديمقراطية”.
وأضاف إردمير، الذي كان عضوا في البرلمان التركي من 2011 إلى 2015 عن حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي: “لكن، يجب أن تنظر إدارة بايدن في مسار ثان إلى جانب اجتماع رؤساء الدول لإشراك النشطاء المؤيدين للديمقراطية من الأنظمة الاستبدادية في الحوار”.
وأضاف: “في النهاية، سيستخدم أردوغان المسار الذي يتخذه بايدن مهما كان كذريعة لنشر رؤيته غير الليبرالية للعالم بينما يستهدف المعارضة. لا ينبغي للإدارة المقبلة أن تقلق بشأن إيجاد طرق لإرضاء أردوغان وزملائه الأعضاء في كتلته الاستبدادية، بل يجب أن تبحث عن سبل لتقديم الدعم والتضامن للقوى المؤيدة للديمقراطية”.
ومن جهته، جادل النائب مالينوفسكي بأنه يجب تجنب عقد قمة كبيرة للديمقراطية. وقال: “تكمن أفضل طريقة للقيام بذلك في وضع معيار عال جداً للقبول في البداية. ومع مجموعة أصغر من الدول شديدة الالتزام، والتركيز على التزامات بشأن قضايا مثل الملكية النفعية، ومكافحة غسل الأموال، والتعاون في إنفاذ القانون والتعاون الاستخباراتي لتتبع تدفق الأموال المظلمة في جميع أنحاء العالم حتى نتمكن من حصد نتائج من كل هذا”.
ويتوقع أن يفضل الرئيس المنتخب بايدن مثل هذا النهج، “لكن الأمر يتطلب الكثير من التركيز والانضباط من جانب الدبلوماسيين الذين يستعين بهم لتحقيق ذلك على هذا النحو”.

*أكاديمي مهتم بشؤون
الشرق الأوسط.