هل يجوز القصر قبل 80 كيلو ؟
لا يجوز للمسافر القصر في الصلاة في مسافة أقل من 80 كيلو متر، وهذا رأي الجمهور من الفقهاء، وأوضحوا أن مسافة قصر الصلاة هي شرط من شروط القصر، فيجب أن تكون المسافة مساوية ل80كم أو أكثر، مع أن بعض العلماء رأوا بعدم تحديد مسافة معينة، بل ترك الحكم على العرف، فإن كان في عرف المدينة هذا سفر فيحق له أن يقصر، ولكن في الوقت الحالي هناك العديد من الوسائل التي تقرب المسافات، لذا تم ترجيح الرأي الأول بعدم جواز القصر في مسافة أقل من 80 كيلو متر.
أقل مسافة يجوز فيها قصر الصلاة
أجمع العلماء بما هو متوفر لدينا حالياً من وسائل للتنقل والسفر أن أقل مسافة يجوز فيها قصر الصلاة هي قرابة 80 كيلو متر، فما أدنى منها لا يحق للمسلم أن يقصر في صلاته، وتم تحديد هذه المسافة كونها مسافة سفر راكب الدابة مسيرة يومين تقريباً، وقد كانت تقدر بالمدة التي يقضيها المسافر، وكانت قديماً تعرف كل المسافات التي يحتاج فيها المسافر إلى حمل زاد وماء معه، لكي يستطيع إكمال المسافة، أما الآن فالسيارات وفرت كل ذلك بحكم سرعتها، فأجمع العلماء على كون المسافة لا تقل عن 80 كيلو متر.
كما رأى بعض الفقهاء أن المسافة يجب ألا تقل عن 85 كيلو متر، ومن بينهم أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية الدكتور أحمد ممدوح، فيذكر ممدوح أن مسافة القصر ما يساوي 85 كيلو متر أو يزيد، مع وجود النية للسفر لقضاء حاجة حلال، كالنية للتجارة أو للشراء أو صلح أو مهما يكن من الأغراض المستحلة للسفر، ولكن ليس السفر بغرض ارتكاب الفحشاء والذنوب.
كما فسر بعض العلماء أن مسافة القصر هي مسافة” أربعة برد” وهي ما مسافتها 88 كيلو متر، ولا يحق للمسافر القصر دونها.
شروط القصر في الصلاة
يشترط العلماء بعض الضوابط لاستحقاق المسافر القصر في الصلاة، والتي منها ما يلي.
الشرط الأول الالتزام بمسافة السفر
ذكر العلماء في الحكم على مسافة المسافر أن المسافة التي يتم قصر الصلاة فيها هي مسافة أربعة برد، وتلك المسافة هي التي تقدر بحوالي 88 كيلو متر تقريباً، وكان هذا رأي الجمهور من المالية الشافعية والحنابلة، بالإضافة إلى بعض السلف، وبعض علماء المذهب الحنفي، ومسببين ذلك إلى حديث ابن عباس- رضي الله عنه- الذي قال فيه: (يا أهلَ مَكَّةَ، لا تَقْصُروا في أقلَّ مِن أربعةِ بُرُد، وذلِك مِن مَكَّةَ إلى الطَّائفِ وعُسْفَانَ).
كما قد ذهب بعض العلماء إلى إتاحة القصر في الصلاة لكل ما يطلق عليه سفر في عرف القوم، سواء كانت مسافر ذلك السفر طويلة أم قصيرة، وسادلوا في ذلك إلى قول الله- تعالى- في القرآن الكريم: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا) (سورة النساء الآية 101) واستضهدوا بالآية الكريمة في كونها لم تحدد مسافة الضرب في الأرض، أو حتى زمن السفر.
إذا شك المسافر في مقدار المسافة هل يجوز له السفر
ذكرنا قبلاً تحديد المسافة بحكم أن المسافر عالم بمقدار المسافة، ولكن في حالة شك المسافر في مقدار المسافة هل يجوز له السفر؟ في الحقيقة ذهب الحنابلة والمالكية والشافعية إلى وجوب إتمام الصلاة في حالة الشك من قدر المسافة، مسببين تلك الفتوى للأسباب الآتية.
- يرجع الأصل في الصلاة إلى الإتمام، وهذا الأصل لا يزول بالشك.
- يرجع الأصل في الإنسان أنه مقيم في مكانه، فلا يتحقق السفر إلا بمعرفة صاحبه بمقدار سفره.
- الأحوط والأكثر براءة للذمة أن يتم المسلم صلاته، حتى لا يقع في الذنب بالتقصير في صلاة بلا داعي.
- يشبه من صلى وهو يشك في صحة صلاته بحكم المسافة فحكمه كحم من صلى صلاة وهي يشك في دخول وقتها.
هل يحق للتائه القصر في الصلاة
يرى العلماء أن الشرط في القصر هو الخروج وقصد السفر، وحتى إن تعدى التائه مسافة القصر فعليه إتمام الصلاة، وأجمع في ذلك فقهاء المذهب الأربعة، مسببين ذلك للأسباب الآتية.
- أن التائه لم يقصد سفراً من الأساس، فلا يجوز له اعتبار التيه كالسفر.
- أن الصلاة قد جمعت بين ما يوجب الإتمام، وما يجيز الرخصة بالقصر، فالأولى وجوب الإتمام للاحتياط.
الشرط الثاني عدم نية الإقامة في السفر
يرى العلماء أن المسلم يجب أن يبيت النية من الهدف من سفره، فإن كان ينوي الإقامة والاستقرار في محل سفره هذا فليس له قصر، أما كانت نيته من سفره قضاء حاجة والعودة مباشرة وعدم الاستقرار في محل السفر فيحق له القصر في الصلاة، ولكن ألا يمكث في سفره المدة المحددة التي تفصل بين السفر والإقامة.
مدة الإقامة التي تقطع السفر
اختلف العلماء في مدة الإقامة المحددة التي إذا نواها المسافر لا يحق له القصر في الصلاة، وكان أقوى تلك الآراء ما يلي.
- يذكر المالكية والشافعية وبعض الحنابلة بالإضافة إلى بعض السلف الصالح، ودللوا على هذا الرأي بحديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- (يُقيمُ المهاجرُ بمكَّةَ بعدَ قضاءِ نُسُكِه ثَلاثًا) فأعادوا الحكم في ذلك أن الرسول- ﷺ- حرم على المهاجرين الإقامة بمكة بعد ثلاثة أيام لقضاء الحوائج، فرأوا بذلك أن السفر ثلاثة أيام وتلك المدة التي يجوز فيها القصر، وما أكثر من ذلك فهي نية بالإقامة، ويلزم معها إتمام الصلاة.
- يرى الشافعي وابن عباس وإسحاق ابن راهويه، أن مدة الإقامة تبدأ من اليوم العشرين، فحتى اليوم التاسع عشر هي مدة يجوز للمسافر فيها القصر، وقد وصف الترمذي هذا الرأي بالأقوى بين المذاهب، دللوا على ذلك في قول ابن عباس- رضي الله عنه-: (أَقَامَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تِسْعَةَ عَشَرَ يَقْصُرُ، فَنَحْنُ إذَا سَافَرْنَا تِسْعَةَ عَشَرَ قَصَرْنَا، وإنْ زِدْنَا أتْمَمْنَا).
- يرى ابن تيمية وابن القيم وعبد الرحمن بن سعدي وابن عثيمين أنه ليس للسفر مدة محددة، ما دامت النية هي السفر وعدم الإقامة أو الاستيطان، فيجوز للمسافر القصر، ودللوا على رأيهم بقول الله- تعالى- في القرآن الكريم: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) (النساء 101).
من حبس ولم ينو الإقامة أو اضطر للمكوث لقضاء حاجته
يرى جمهور الفقهاء والعلماء على مختلف المذاهب أن حكم من مكث لقضاء حاجته أطول من الفترة التي حددها، ولم يكن ينوي على الإقامة، فيحق له القصر في الصلاة حتى مع طول مدة إقامته، ويستدلوا على ذلك بقول ابن عباس- رضي الله عنه-: (أقامَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تِسْعةَ عَشَرَ يَقْصُرُ)
هل يجوز للذي يعمل بالسفر بلا نية الإقامة أن يقصر في الصلاة
يذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية أن الملاح أو الشخص الذي يعمل بالسفر بمختلف أشكاله هو أيضاً مسافر ويجوز له قصر الصلاة، حتى ولو كان مع أهله، ما دام ليس فريباً من وطنه، واستدلوا على هذا بقول ابن عباس- رضي الله عنه قال-: (فرَضَ اللهُ الصَّلاةَ على لِسانِ نبيِّكم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الحضَرِ أربعًا، وفي السَّفَرِ ركعتينِ، وفي الخوف ركعةً)، بالإضافة إلى أن الملاح هو مسافر أيضاً فمهما كان هذا عمله أم له ولكنه مسافر في الأساس.