إيمان الفارس

عمان– في حين يمثّل ملف المياه، في بلد يصنف ثاني أفقر دولة مائيا على مستوى العالم، قضية وجود وأمن وطني، وسط تحديات من كل حدب وصوب، انخفض اهتمام الحكومات بجدّية دعمه في الآونة الأخيرة.

واتّضح التقليل من أهمية وضع القطاع المائي على أولويات لائحة “فهرس” الحكومة، من خلال عدم المضي الحثيث بمسارات لجلب الدعم المالي اللازم لتنفيذ مشاريع استراتيجية لتأمين كميات متجددة من المياه، وعلى رأسها مشروع تحلية مياه البحر الأحمر في العقبة، والذي ما يزال يسجّل تأخرا على جدول تنفيذه، لأسباب مالية، ناهيك عن التعطّل الحاصل بسبب تبعات أزمة كورونا.

حتى أن الخطاب الحكومي الموجّه لدعم هذا القطاع، الذي يعاني أزمات عجز كبيرة مائية ومالية، بات باهتا ولا يراعي التبعات الحقيقية التي قد تنجم عن غياب دعمه، ومن أبرزها أزمة جفاف السدود الحالية، توازيا وغياب أي مشاريع قد تمكّن الأردن من عبور مواسم شتوية شحيحة، ما ستكون عواقبه وخيمة على احتياجات الشرب والزراعة، في حال لم يحمل التغير المناخي، أي مفاجآت هطولات مطرية، قد تعكس التوقعات وتبشر بالرحمة.

وفي هذا السياق، استهجن وزير المياه والري الأسبق حازم الناصر في حديث لـ”الغد”، تعطّل مشاريع مهمة في وزارة المياه، تصل قيمتها إلى 600 مليون دولار، معتبرا بأن الحكومتين الأخيرتين، لم تصنفا ملف المياه من ضمن الأولويات، إنما مثّل عملا روتينيا، ولم يلقَ الدعم المالي والإداري، موضحا أن “ملف المياه يجب أن يتصدر أولويات العمل لدى المؤسسات”.

وبات اتضاح معالم التغير المناخي منذ سنوات، والذي يشكل حالة خطرة على بلد شحيح الموارد المائية، ويتجاوز فيه حجم العجز الـ500 مليون م3 سنويا، يطرح أسئلة ملحّة بخصوص ماهية الإجراءات المتخذة على صعيد قطاع المياه لمواجهة تلك التحديات.

ويتلخص شح المياه في الأردن، بعجز في ميزان الطلب على المياه، وقدرة الموارد على التزويد، بحيث تناهز حصة الفرد من المياه في الأردن 100 م3 في العام، للاستعمالات جميعها، معادلة ما يقل عن 20 % من مستوى الفقر المائي العالمية المحدد بحوالي 500 م3.

وتوازيا مع ذلك، لم تبخل مراكز الدراسات العلمية والدولية، بإعداد ونشر مئات التقارير التي حذرت وما تزال تحذر من انعكاسات التغير المناخي وانحباس الهطولات المطرية، بخاصة على الدول المجهدة مائيا، وتوصياتها بضرورة عدم التريث وتسريع وتيرة العمل بأقصى جهد لإمكانية التصدي لها.

وبين الناصر، أن معظم السدود في الأردن جافة، باستثناء سدين، مشيرا الى أن المخزون الحي في تلك السدود انخفض بما نسبته 5 % من مخزون السدود الكلي، ولا يتجاوز الـ20 مليون م3، حيث تتوفر معظم تلك الكميات في سد الملك طلال.

وأضاف مصدر مسؤول سابق في قطاع المياه لـ”الغد”، أن الحديث حول بعض الحلول لتأمين المياه مستقبلا، باستثناء تحلية المياه في العقبة، كإثارة الجدل حول إمكانية رفع الضخ من مشروع مياه الديسي إلى 125 مليون م3 سنويا، ما هو إلا مضي بمسارات غير مجدية، لا سيما وأن الخط الناقل لمياه الديسي، مصمم لضخ ما لا يتجاوز 112 مليون م3.

وبين المصدر، أن هناك دراسات عديدة لمشاريع حيوية واستراتيجية، تهدف الى تأمين مياه شرب، لكنها بانتظار التنفيذ، ولا تلقى الاهتمام أو الأولوية اللازمتين لدعم التنفيذ.

خبراء أرجعوا في وقت سابق، أسباب تراجع أداء قطاع المياه في الآونة الأخيرة، لعدم التنسيق بين مؤسسات الدولة، والقطاعات المتداخلة، وعدم وجود منظومة تضمن عدم تداخل الاعمال المشتركة، كما هو الحال في العلاقة بين كل من وزارات المياه والطاقة والبيئة والزراعة، مؤكدين “ضرورة إنشاء وحدة خاصة لمتابعة القضايا المشتركة، وقضايا المياه العابرة للحدود وقضايا المياه المشتركة”.

وبات واضحا أن غياب الربط بين استطلاعات التنبؤات الجوية للموسم المطري، ومؤشرات مدى استمراريته وحجمه، ورسم الإدارة المائية أو التوزيع المائي، بدأ يلقي بظلاله القاتمة على مصير المياه المتوافرة وبشكل شحيح.

وكانت لجنة المياه والزراعة النيابية، بحثت أول من أمس، الخطط والاستراتيجيات المائية في حال تكرر انخفاض معدلات هطل الامطار الموسم المقبل، وإمكانية التوسع في حفر الآبار، وتوفير مصادر للمياه للمحافظة على الأمن المائي، اضافة إلى بحث قيام سلطة وادي الأردن بتنظيم سد الموجب وأثر ذلك على الثروة السمكية.

وأكد رئيس الاجتماع في الجلسة النائب محمد العلاقمة، ضرورة المكاشفة والمصارحة من الحكومة، والابتعاد عن إخفاء المعلومات في ظل ما ينشر من أخبار لم تؤكدها الجهات الحكومية أو تنفيها، بخصوص الوضع المائي الذي له أثر مباشر في حياة المواطن، والقطاع الزراعي مشددا على ضرورة معالجة أزمة المياه والوصول إلى حلول حقيقية.

وقال العلاقمة إن مشروع الناقل الوطني، يمكن أن يعالج مشكلة المياه مستقبلا إذا تكرر انخفاض معدلات هطل الأمطار، بحيث يكون قابلا للتحقيق على أرض الواقع لأهمية المشروع إستراتيجيا للمملكة.

فيما شددت الأمين العام لسلطة وادي الأردن منار محاسن خلال الاجتماع، على أن التحدي المائي بالنسبة للأردن إستراتيجي، مؤكدة أن خطط الحكومة تقوم على تزويد المحافظات والجهات المستفيدة من السدود التي شهدت جفافا، أو انخفاضا بالسعة التخزينية بالمياه، وتعويضها لسد العجز المائي.

وأضافت محاسنة أن تدفق المياه من سد الموجب البالغ سعته 29 مليون م3، أوقف منذ مطلع آب (أغسطس) الماضي، خشية الجفاف، موضحة أنه بسبب انخفاض معدلات هطل الأمطار للموسم الماضي؛ تراجعت نسبة التخزين في السد الذي يغذي محافظتي الكرك والعاصمة عمان ويعتمد عليه لغايات الشرب والري والزراعة.

من جانبه أكد الأمين العام لسلطة المياه بشار البطاينة، توافر خطط واستراتيجيات للتعامل مع ملف المياه، تنفذ على أرض الواقع، بحيث تبقى المياه متوافرة لغايات الشرب والري والصناعة، مشددا على تجاوز أزمة المياه والعجز المائي هذا العام والبالغ 40 مليون م3.

وأوضح البطاينة، أن الأردن يعتمد في مصادره على المياه الجوفية والسطحية، حيث تسبب انخفاض كميات هطل الأمطار للموسم الماضي والتغير المناخي، وارتفاع نسب التبخر الى جفاف وتراجع نسب التخزين في السدود.

وتوقع الانتهاء من مشروع الناقل الوطني منتصف العام 2026، حيث تأهلت 5 شركات لغايات طرح العطاء والمباشرة بتنفيذ المشروع الذي سينتج عنه 300 مليون م3 من المياه سنويا.

قطاع المياه، الأكثر أولوية والأشد ارتباطا بالقطاعات الأخرى كالزراعة والطاقة والبيئة، تواجهه تحديات متراكمة نتيجة عدم تصنيفه بين الأولويات الوطنية مؤخرا، ما يثير تساؤلات عدة حول إمكانية النهوض بالقطاع إداريا، وتأمين مستقبل المياه للأجيال الأردنية القادمة، وتلبية احتياجاتها للشرب.

إقرأ المزيد :

سلطة وادي الأردن .. لهذه الأسباب جفّت السدود

[wpcc-iframe class=”wp-embedded-content” sandbox=”allow-scripts” security=”restricted” style=”position: absolute; clip: rect(1px, 1px, 1px, 1px);” title=”“سلطة وادي الأردن .. لهذه الأسباب جفّت السدود” — جريدة الغد” src=”https://alghad.com/%d8%b3%d9%84%d8%b7%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d8%af%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b1%d8%af%d9%86-%d9%84%d9%87%d8%b0%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%a8%d8%a7%d8%a8-%d8%ac%d9%81%d9%91%d8%aa-%d8%a7%d9%84/embed/#?secret=1jklQ0dqC7″ data-secret=”1jklQ0dqC7″ width=”600″ height=”338″ frameborder=”0″ marginwidth=”0″ marginheight=”0″ scrolling=”no”]

الوسوم

السدود المياه