د. تمارا برّو
منذ أن تسلّم الرئيس الأميركي جو بايدن السلطة جعل من أولوياته منافسة الصين وإعاقة تطورها بالاضافة إلى مكافحة التغير المناخي. والمفارقة أن المناخ أصبح محط خلاف بين الصين والولايات المتحدة الأميركية أكبر مصدرين لانبعاث ثأني أكسيد الكربون في العالم.
كان الاتفاق الأول بين الصين والولايات المتحدة الأميركية حول التعاون لمكافحة تغير المناخ في عهد جو بايدن في الاجتماع الذي عقد بين البلدين بمدينة أنكوريج في ولاية ألاسكا الأميركية خلال شهر آذار/ مارس 2021، وعلى الرغم من أن مندوبي البلدين لم يتوصلوا إلى حل الخلافات السياسية والاقتصادية بينهما، إلا أنه تم الاتفاق على التعاون حول عدد من المواضيع ومنها تغير المناخ.
وبعد اجتماع ألاسكا سافر جون كيري، المبعوث الأميركي الخاص بشؤون المناخ إلى الصين، والتقى بنظيره الصيني شيه تشن هوا وأصدر الجانبان بياناً مشتركاً حول التغير المناخي. وبعد هذا البيان وافقت الصين رسمياً على تعديل كيغالي لبروتوكول مونتريال لتقليل انتاج واستهلاك مركبات الكربون الهيدروفلورية. وهذا ليس بالأمر السهل للصين بالنظر إلى كونها أكبر منتج ومستهلك لمركبات الكربون الهيدروفلورية. وبالرغم من أن الولايات المتحدة الأميركية لم تنضم بعد إلى تعديل كيغالي، مع أن الرئيس جو بايدن قد أعلن عن نية إدارته الانضمام إليه، إلا أنها تفي بالتزاماتها المحددة فيه من خلال تنفيذ قانون الابتكار والتصنيع الأميركي الذي صدر في العام 2020، ويتطلب خفضاً إلزامياً لمركبات الكربون الهيدروفلورية.
وبعد إصدار البيان المشترك بين الصين والولايات المتحدة الأميركية حول المناخ لم يحرز الجانبان أي تقدم يذكر في تعاونهما على الرغم من أن كلا البلدين أعلنا مراراً وتكراراً عن رغبتهما في التعاون لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري. وتدعي الولايات المتحدة الأميركية أن الصين لم تتخذ الإجراءات الكافية لمعالجة تغير المناخ، فواشنطن تريد أن تتعهد بكين بالوصول إلى ذروة الانبعاثات في وقت مبكر، وبذل المزيد من الجهود لخفض استهلاك الفحم، المصدر الأساسي لغازات الاحتباس الحراري. فقد دعا جون كيري الصين في أثناء الاجتماع الافتراضي الذي عقده مع المسؤولين الصينيين مؤخراً إلى زيادة جهودها لخفض انبعاثات الكربون للمساعدة في وقف ارتفاع درجات الحرارة عالمياً. بالمقابل ترى الصين أنها تبذل جهوداً ضخمة في معالجة قضية تغير المناخ. فقد أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ أن بلاده تهدف إلى بلوغ ذروة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون قبل عام 2030، وتحقيق حياد الكربون قبل عام 2060. وتعهد الرئيس الصيني أيضاً بخفض استهلاك الفحم بدءاً من عام 2026 ، وأن الصين ستنتج 25% من طاقتها من مصادر الوقود غير الأحفوري بحلول عام 2030. وفي الخطة الخمسية الـ 14 التي أقرتها الصين ومن المفترض العمل بها خلال الفترة 2021-2025، سيتم الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. وفي إطار مساعيها لمكافحة تغير المناخ أعلنت الصين أنها ستزرع 36 ألف كيلومتر مربع من الغابات الجديدة سنوياً بدءاً من العام الحالي حتى عام 2025. وتتهم الصين الولايات المتحدة الأميركية بتأخير تحقيق الأهداف الرئيسية لاتفاق باريس لتغير المناخ بسبب انسحابها من الاتفاقية وايقافها تنفيذ المساهمات المحددة وطنياً.
تدرك الصين جيداً أنه من مصلحتها معالجة أزمة التغير المناخي لا سيما بعد الفيضانات والأعاصير التي شهدتها بعض المدن الصينية والتي خلّفت مئات القتلى وخسائر بمليارات الدولارات. كما أن تعاون الصين مع الدول الأخرى، لا سيما الدول الأوروبية، لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري ، سوف يعزز علاقات الصين مع هذه الدول. ومن ناحية أخرى فإن الصين هي أكبر مستورد للنفط في العالم وأغلب وارداتها النفطية تمر عبر مضيقي هرمز وملقا، وبالتالي فإن أي توتر فيهما سوف يؤثر سلباً على الصين، لذلك فإن الاعتماد على الطاقة المتجددة سيخفف من قلق الصين حول هذه المسألة.
في ظل التوتر الشديد الذي يسود العلاقات الأميركية الصينية، فإنه من غير المأمول أن يتعاون الطرفان حول تغير المناخ، رغم أن كلا الجانبين يعيان تماماً أنه لا يمكن مكافحة تغير المناخ دون التعاون بينهما. فقد جاء في البيان المشترك بين الصين والولايات المتحدة الأميركية أن الجانبين ملتزمان بالتعاون مع بعضهما البعض ومع الدول الأخرى من أجل معالجة أزمة تغير المناخ. كما أن الرئيس الصيني شي جين بينغ أكد خلال قمة المناخ التي عقدت افتراضياً خلال شهر نيسان/ إبريل 2021 أن بلاده مصممة على العمل مع الأسرة الدولية وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية على معالجة أزمة التغير المناخي. ولكن تسير الرياح بما لا تشتهي السفن فعلى ما يبدو أن المشاكل بين البلدين أرخت بظلالها على علاقاتهما في مسألة التغير المناخي؛ فخلال الزيارة التي قام بها جون كيري إلى الصين أوائل هذا الشهر دعا بكين إلى بذل المزيد من الجهود للحد من انبعاثات الكربون، إلا أن رسالة الصين كانت واضحة بأن قضايا المناخ لا يمكن فصلها عن العلاقات العامة بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، وتأمل بكين أن تتمكن الإدارة الأميركية من تصحيح سياستها تجاه الصين لإعادة العلاقات إلى المسار الصحيح. وقد سلّمت الصين نائبة وزير الخارجية الأمريكية ويندي شيرمان في أثناء زيارتها الصين في شهر تموز/يوليو قائمتين إحداهما غطت أخطاء يتعين على واشنطن معالجتها، بينما أثارت الأخرى قضايا تعتبر مهمة للصين، حسبما ذكرت شبكة CNBC. تضمنت القوائم مطالبة بضرورة أن تنهي واشنطن محاولاتها لتسلّم المديرة المالية لشركة هواوي Meng Wanzhou من كندا لمواجهة اتهامات بانتهاك قواعد التصدير الأمريكية، وكذلك قيود التأشيرات على الطلاب الصينيين وأعضاء الحزب الشيوعي، والقيود المفروضة على الشركات الصينية وغيرها من القضايا. كما تضمنت مطالب بكين لواشنطن ألا تتحدى أو تشوه أو حتى تحاول تقويض مسار ونظام الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وألا تحاول عرقلة أو مقاطعة عملية التنمية في الصين، وألا تنتهك سيادة الدولة الصينية أو تضر بوحدة أراضيها، في إشارة إلى العقوبات الأمريكية على انتهاكات الحقوق في التيبت وهونج كونج وشينجيانغ.
ولما لم تؤت زيارة جون كيري الأخيرة إلى الصين ثمارها، ولتخفيف حدة التوتر بين بكين وواشنطن والتعاون حول مسألة التغير المناخي، أجرى الرئيس جو بايدن مؤخراً اتصالاً بالرئيس الصيني وتباحثا حول مكافحة التغير المناخي.
تقود الولايات المتحدة الأميركية الجهود العالمية للتعامل مع أزمة التغير المناخي. فمنذ تسلّم الرئيس بايدن السلطة انضم مجدداً إلى اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ ، وعين وزير الخارجية الأسبق جون كيري مبعوثاً لشؤون المناخ الذي زار عدة دول للتباحث حول هذا الموضوع. كما عقدت واشنطن قمة عالمية افتراضية في إبريل / نيسان 2021، وحضر القمة الرئيس الصيني شي جين بينغ. وخلال قمة مجموعة السبع التي عقدت في شهر حزيزان/ يونيو 2021 تعهد المجتمعون بالتصدي للتغير المناخي. وأمس عقد بايدن قمة مع بعض قادة الدول حول التغير المناخي بغياب الصين، وشدد القادة في الاجتماع على أهمية قيام الولايات المتحدة بالتنسيق مع أوروبا وآسيا لتشكيل جبهة مشتركة لإقناع الصين بالتحرك بسرعة في وقف انبعاثاتها والتوجه إلى مجالات الطاقة المتجددة.
يسعى الرئيس بايدن إلى إعادة القيادة العالمية إلى الولايات المتحدة الأميركية وهو الذي رفع شعار “أميركا عادت” بعد الفشل الذي منيت به الولايات المتحدة الأميركية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب. لذلك تحاول الادارة الأميركية أن تبرهن للعالم من خلال توليها قيادة موضوع تغير المناخ أن الولايات المتحدة الأميركية ما زالت قادرة على تزعم العالم، ولكن بكين لن تقبل أن تخبرها واشنطن بما يجب أن تفعله ومتى.
سبق لبكين أن تعاونت مع إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لزيادة الزخم قبل اتفاق باريس عام 2015 بشأن التغير المناخي، وصادقت الدولتان في نفس اليوم على هذه الاتفاقية غداة انعقاد قمة مجموعة العشرين في هانغتشو بشرق الصين عام 2016، ولكن العلاقات الصينية الأميركية وقتها لم تكن متوترة إلى الحد الذي وصلت إليه اليوم.
الاتفاق بين الولايات المتحدة الأميركية والصين ضروري وأساسي لنجاح الجهود الدولية للحد من الانبعاثات الكربونية التي تسبب الاحتباس الحراري. ومن غير المتوقع أن يكتب لمؤتمر COP26 المزمع عقده في غلاسكو خلال شهر نوفمير/ تشرين الثاني النجاح، إذا لم تتفق بكين وواشنطن على وضع خلافاتهما جانباً، والتركيز على قضية المناخ .
دكتورة تمارا برّو، باحثة في الشأن الصيني من لبنان
t.berro2020@hotmail.com
Source: Raialyoum.com