د. أحمد زايد مدرس الدعوة الإسلامية بالأزهر:
– بناء المدارس والنوادي في الغرب له أولوية
– الدعاة لم يستطيعوا استغلال أجواء الحرية في الخارج
– صراعات أبناء الجاليات الإسلامية أكبر إساءة لصورة الإسلام
– قضايا الغرب تحتاج إلى دعاة خبراء.. والشباب الموجودون هناك لن يسدوا الفراغ.size=3>
ــــــــ
الدكتور أحمد زايد مدرس بقسم الدعوة الإسلامية بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر الشريف.. ورغم صغر سنه إلا أنه أحد الشخصيات الواعدة في مجال الدعوة الإسلامية، وهو أحد المهمومين بالقضايا الإسلامية على المستوى الخارجي.
حصل على الماجستير عن “العلاقة بين اليهود والنصارى قديما وحديثا، وأثرها على الدعوة الإسلامية”، ثم نال الدكتوراه برسالة عن “فقه الدعوة”.
وللدكتور زايد كتابات وأبحاث في مجالات الدعوة والتربية طعّم الرؤية الإسلامية فيها بخبرات عملية مثل “الكتابات الدعوية المعاصرة.. مشاكل وحلول”، وبحث بعنوان “معايشة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، وأثرها في التربية”، وبحث آخر بعنوان “فقه الدعوة والعمل الجماعي لابن تيمية” وبحث آخر بعنوان “مدخل إلى العمل الجماعي في الدعوة إلى الله”.
ويأتي الحوار مع د.أحمد زايد باعتباره أحد الذين لمسوا عن قرب واقع العمل الإسلامي والدعوة الإسلامية في الغرب، وذلك بحكم أسفاره الدعوية العديدة إلى بلدان غربية مثل الولايات المتحدة وألمانيا وكندا.
التقينا به لنتعرف عن قرب على تجربته في الدعوة إلى الله في الخارج.
– لديك انطباعات عامة عن الدعوة والمسلمين في الخارج.. هل يمكن أن نتعرف على هذه الانطباعات؟size=3>
أول انطباع يمكن التركيز عليه هو افتقاد المسلمين لرؤى مستقبلية لواقعهم هناك، وذلك بسبب عدم وجود قيادة -أيا كانت هذه القيادة- وحتى إذا وجدت هذه القيادة فإنها تكون وقتية أو متذبذبة، لكن هناك مع ذلك بعض التيارات القوية التي تحاول وضع استراتيجيات وخطط لواقع المسلمين ومستقبلهم في الدول التي يعيشون فيها، وأعتقد أن أهم شاغل هو توطين الدعوة الإسلامية في الغرب، وهو شيء طيب لكنه يحتاج إلى جهود سياسية واقتصادية وإعلامية وتربوية.
والانطباع الثاني المهم هو مشكلة المسلمين الجدد الذين لا يجدون رعاية ولا اهتماما حقيقيا بهم لتعليمهم الدين الصحيح وطبيعة الإسلام، وذلك على الرغم من فرحة الدعاة المسلمين بإعلان شخص إسلامه، ولكنهم يظنون أنهم بعد فترة وجيزة من الرعاية قد فهموا الإسلام وفهموا كل شيء بينما هم في حقيقة الأمر ما زالوا بعيدين عن الإسلام، ولذلك فكثيرا ما يفاجأ المسلمون أن شخصا أسلم ثم ما لبث أن ارتد عن الإسلام، ويحدث هذا غالبا مع النساء، وإذا لم يرتد هذا الشخص أو هذه المرأة فإنه يصبح مسلما بالهوية فقط، وهذا يجعلنا نؤكد أن المسلمين الجدد في حاجة إلى رعاية خاصة من خلال وضع برامج للارتقاء والاهتمام بهم وتنمية معارفهم الإسلامية.
– ماذا عن المسلمين الوافدين على الدول الغربية ويعيشون فيها؟size=3>
من انتقلوا إلى دول الغرب للإقامة الدائمة أو المؤقتة بها هم إلى حد ما تربوا على قيم ومبادئ إسلامية، الأمر الذي يساعدهم على الحفاظ على دينهم بصورة أكبر، ولكن المشكلة الحقيقية في أبناء هؤلاء المهاجرين الذين يواجههم عدم وجود مؤسسات تعليمية إسلامية مستقلة إلا نادرا، فيتوجهون إلى المدارس الأجنبية التي تجعلهم يذوبون فيها، فينسون اللغة العربية والعادات والدين، وتفرض عليهم عادات وتقاليد أخرى، خاصة مع طول وقت الدراسة من خلال الأنشطة الدراسية المختلفة، وهي أنماط وثقافات غربية بحتة، والمطلوب لمواجهة هذه المشكلة أن تنصرف جهود المسلمين إلى بناء المدارس الإسلامية لأن ذلك يعتبر في نظري أولى من إنشاء مساجد جديدة؛ فالمساجد كثيرة جدا، وهناك بفضل الله مسلمون أثرياء يمكنهم القيام بهذه المهمة، والمسلمون يحتاجون أيضا إلى أندية خاصة يمارسون فيها أنشطتهم الترويحية بعيدا عن الأنماط الغربية في هذا الشأن.
– كثيرا ما توجه أصابع الاتهام للمسلمين في الغرب بسبب خلافاتهم المذهبية، ما حقيقة ذلك؟size=3>
مشكلة الخلافات والانشقاقات بين المسلمين هناك تأتي نتيجة نقلهم أمراضهم الاجتماعية والفكرية من بلادهم إلى البلاد الجديدة التي نزحوا إليها، وذلك فضلا عن الخلافات المذهبية في فهم الدين الإسلامي ومقاصده والتركيز على الخلافات الفقهية في الفروع، وأعتقد أن هذه المشكلة من إفراز المجتمعات التي كانوا لا يشعرون فيها بالأمن، فعندما يخرجون ويجدون حرية التعبير عن الرأي يحاولون استغلال ذلك بشكل خاطئ، فيسعون إلى فرض آرائهم على غيرهم من المسلمين، وهو ما يخلق كثيرا من المشكلات.
– هذه كلها مشكلات تحيط بالمسلمين في دول المهجر، فماذا عن الإيجابيات؟size=3>
بالطبع هناك إيجابيات، ومبشرات تحمل على التفاؤل، ومن بين ذلك نذكر ذلك الإقبال المتزايد على الإسلام من قبل غير المسلمين -حتى بعد أحداث سبتمبر- وسعيهم للتعرف على حقائقه، وهناك أيضا حرية الحركة وإقامة الأنشطة الإسلامية المختلفة في إطار القانون.. هذا بالإضافة طبعا إلى عدم التضييق على المسلمين، وعدم الرقابة على المراكز الإسلامية.
– تتحدثون عن الحرية في الغرب، فهل يحدث بسببها مواجهات بين الدعاة والمستشرقين أو أي معادٍ يحاول تشويه صورة الإسلام؟size=3>
أنا لم أقل إنها حرية مطلقة، فهي حرية لها سقف، ولكنها غير متاحة للدعاة في بلاد المسلمين، والشيء الآخر أن دعوة أي مسلم لغيره من المسلمين لا تجد معارضة من سلطات البلدان الغربية لأن هناك حرية رأي وعرض للأديان -وليس فرضها طبعا-، وبالنسبة للمواجهات التي تسألني عنها، فهناك بالتأكيد صراع مع كل من يتصدى للإسلام في هذه الدول بإثارة الشبهات حوله، وللأسف الشديد فإن هذا الصراع يبدو غير متكافئ حتى الآن لأن إمكانيات المسلمين للتصدي لهذه التيارات تبدو ضعيفة.
– هل ترى أن تأهيل الدعاة وإعدادهم بشكل جيد، وإيفادهم إلى تلك الدول يمكن أن يكون مجديا في القضاء على الخلافات المذهبية التي نقلها المسلمون إلى المجتمعات الجديدة؟size=3>
أنا شخصيا مهتم بهذا الموضوع غاية الاهتمام، ولذلك فقد قمت بكتابة دراسة عن فكرة إنشاء معهد أو مؤسسة تحتضن الدعاة وتكفلهم ماديا ومعنويا، وتكون مهمة هذه المؤسسة تعليم الدعاة اللغات المختلفة بجانب حفظ القرآن ودراسة العلوم الإسلامية المختلفة، وهذه الدراسة عرضتها على عدد من علماء المسلمين الكبار، ومنهم الدكتور يوسف القرضاوي الذي قال لي بعد ذلك إنه حاول محاولات كثيرة لإخراج هذا الاقتراح إلى النور لكنه لم يجد بعد معينا عليه.
ويكفيني القول: إنني رأيت في إحدى الدول الغربية أشخاصا يسمون أنفسهم دعاة وعلماء دين إلا أنهم يسهمون في إعطاء صورة سيئة عن الإسلام بسبب أمور شخصية مثل طلبه الحصول على أموال أو بسبب أخلاقه ومعاملاته الشخصية، وفي المقابل أيضا فهناك دعاة مخلصون، وهم كثير، ولكن أوضاعهم المعيشية سيئة ولا تساعدهم على الحركة للدعوة.
ونعود لمسألة معاهد إعداد وتأهيل الدعاة، فنقول إنه توجد الكلية الإسلامية الأوربية في أوربا، وتتم الآن مساع لإقامة فرع لها في إنكلترا إضافة إلى الجامعة الإسلامية في الولايات المتحدة، ويبقى أن نقول إن مشكلة هذه الجامعات أن العلم فيها يتم عن بعد أي بالمراسلة، وهذا غير كافٍ، لكنه يحل جانبا من مشكلة إعداد الدعاة.
– لكن ما هو دور المؤسسات الإسلامية الرسمية في تأهيل الدعاة مثل الأزهر وجامعات السعودية؟size=3>
ما لمسته أن الجهود التي بذلت لهذا الغرض، مثل تأسيس كلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر من خلال إنشاء قسم للدراسات الإسلامية باللغة الإنجليزية، لم تؤت الثمار المرجوة، فأين خريجو هذا القسم من الدعوة في بلاد الغرب، ونحن نراهم يتخرجون ليقفوا في طابور التعيين كأي خريج، والسبب في ذلك أنهم لا يعرفون مهمتهم في الحياة، ولم تسع جامعة الأزهر للاستفادة منهم.. إذن هي جهود غير مكتملة وبالتالي لا تؤتي الثمار المرجوة منها.
– هذا عن الأزهر، فماذا عن غيره من المؤسسات؟size=3>
هناك المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء في أوربا، ويقوده علماء مقيمون في الدول الأوربية أو وافدون عليها، ويرأس هذا المجلس الدكتور يوسف القرضاوي ونائبه هو فضيلة الدكتور فيصل مولوي (لبناني) والدكتور عصام البشير (سوداني) وهو مجلس متخصص في الإفتاء وحل المشكلات الإسلامية، وله علماء في المساجد، وهو غير مشهور شهرة الأزهر مثلا، وكذلك لا يكفي لسد العجز.
– وما تقويمكم للمستوى العلمي للعلماء والدعاة المسلمين في الغرب؟size=3>
كثير من القيادات الدينية والعلماء في هذه الدول -سواء الأئمة أم غيرهم – من الشباب الذين يفتقدون حنكة الشيوخ أو فقههم وتعمقهم في العلم، هذا فضلا عن كون أكثريتهم من المتطوعين غير المتخصصين، وأوضاع الدول الغربية تتطلب عالما قادرا على علاج المشكلات والمسائل العجيبة التي تطرح عليه، وتحتاج إلى اجتهاد أو قياس، وهو ما لا يفيد فيه غالبا عالم محدود المعارف محدود الخبرات.
وحتى إذا زار العلماء الكبار هذه الدول، فهي زيارات مؤقتة لا تشبع نهم المسلمين ورغبتهم في التعلم، وتجب الإشارة هنا إلى أن الإنترنت والقنوات الفضائية تسد جزءا من هذا الفراغ، لكن يبقى وجود شيخ وسط الناس يستفتونه ويلجؤون إليه في أي وقت أمرا مهما.
– أريد أن تصف لي كيف ينظر الغرب الآن للمسلمين؟size=3>
معظم الناس في الغرب غير مثقفين لأنهم يشغلون أنفسهم بالعمل طول الوقت، والقلة فقط مثقفون، وهم الذين يهتمون بالقضايا الخارجية، وطبعا غالبا ما يتأثرون بما تبثه وسائل الإعلام التي تصور المسلمين دائما في موقف المتهم بالإرهاب.
– وهل هناك محاولات لتصحيح هذه الصورة.. وكيف؟size=3>
بالطبع هناك جهود للتصحيح، لكنها فردية، فقد رأيت مثلا مسلمين في ألمانيا يسعون للوصول إلى كل الأماكن لتصحيح صورة الإسلام -حتى في الكنيسة- وهناك يقومون بعرض الإسلام والتعريف بحقيقته، وهذا هو محور تركيز المسلمين الآن.. هناك أيضا يتاح للمسلمين الذهاب إلى المدارس غير الإسلامية لعرض الإسلام، ويحدث هذا في أمريكا بشكل كبير، ومن التجارب أيضا ما رأيته في المركز الإسلامي في ألمانيا الذي يقوم بإصدار نشرات توزع على الأفراد في الأماكن الحكومية لعرض الإسلام.
– وحركة الترجمة هناك، إلى أين وصلت؟size=3>
هناك فقر كبير، باستثناء ألمانيا التي يوجد بها الشيخ عبد الحليم خفاجي الذي قام بإنشاء مؤسسة سماها بافاريا تقوم بترجمة الكتب الإسلامية إلى اللغة الألمانية ، خاصة تفسير القرآن الذي ألفه الشيخ خفاجي، وهو تفسير مشهور جدا قريب من تفسير (في ظلال القرآن) للمرحوم سيد قطب.
حركة الترجمة في الغرب تحتاج لأناس أصحاب كفاءة علمية ولغوية، يساندهم دعم مالي من خلال مؤسسات تقوم على أمر الترجمة حتى لا تكون مجرد جهود فر