سامحني قارئي الكريم على هذا العنوان السخيف ؛ فإنه نتيجة الوجع والإحباط ! عند أحد الدواوير رأيتها في السيارة، مع ثلاثٍ غيرها، حين التفتّ بشكل عفوي، فأذهلني الاندهاش، وأربكتني الهيئة : صبية خليجية حول الثامنة عشرة من عمرها، قد أسدلت خصلات شعرها التي تبرزها باستفزاز من أعلى الرأس إلى الحاجبين، وأمسكت السيجارة بين أصابعها، ساحبة نفسًا عميقًا، نفثته بعد ذلك من نافذة السيارة بتلذذٍ ظاهر، وتحدّ للمارة، تحد لكل من في الدوار المزدحم، كأنها تقول : أنا حرة، أنا سيدة نفسي، أنا أفعل ما أريد، أنا فتاة متطورة، عصرية، أكسر قيود المجتمع الذي لم يألف مرأى شابة (تُسَوْجر) أي تدخن!!
ارتعد جسدي – عجبًا واندهاشًا – فلأول مرة – منذ ست عشرة سنة قضيتها في هذا البلد الخليجي الطيب – أشهد فتاة خليجية تفعل ذلك علنًا.. ذلك يحصل سرًّا.. نعم.. في الحجر المغلقة.. نعم.. تفعله خواجاية على حل شعرها.. نعم.. تفعلة امرأة عربية ممن انزلقن إلى أكذوبة التحرر من زمن بعيد.. ربما.. لكن أن أرى شابة خليجية في مقتبل عمرها، وفي هذا البلد، تستفز من حولها في الشارع بهذا الشكل فإنه والله لأمرٌ مروع، في شعب يحتفي بالذوق العام، واحترام القيم، ويتحرز من المجاهرة بمثل هذه السلوكيات..
وأعاد هذا المشهد إلى ذكرياتي مناظر رأيتها لبعض المنقبات المستأجرات (للكذب والخداع) اللواتي شاركن في برامج إعلامية، وإحداهن تدير الميدالية في يدها بحركة ماجنة، وتصفق، وتصرخ، وتتمايل، وتبالغ في مرحها، وتتصرف تصرفات يستحيل أن تصدر عن منقبة، أو محجبة، أو سيدة تحترم نفسها حين تكون في محضر غرباء عنها.. فأيقنت أنهن لسن منقبات (ولا يحزنون) بل إنهن صاحبات قصدٍ ورسالةٍ لبسن النقاب تعمية على المشاهدين لحبك خطة خلاصتها تسميم الأجواء، وإفساد الفطر، وإدخال مناظر ومفاهيم (فاسدة ومفسدة) وأيقنت كذلك أن تغطية إحداهن وجهها بالنقات أمام المشاهدين للحظات لن يستر مطلقًا كونها لم تركع ركعة لله تعالى منذ سنين أو حتى طول حياتها، ولا تعرف شيئًا عن الإسلام وآدابه وأحكامه، بل إنها جعلته غطاءً للتمويه والمخادعة، أكثر منه غطاءً يدل على الالتزام والعفة وحسن الخلق .
ظل مشهد الفتاة ذات السيجارة يطرق رأسي، فوضعت يدي على وجهي لعلي ألجم خيالي الذي خانني، وجمح بي – كعادته – ليريني : كيف سيكون حال المسلمات بعد عشرين أو ثلاثين سنة ـ بل ربما أقل منها ـ إذا صارت هذه البنت أمًا؟!. وظننت – وبعض الظن إثم – أن التي (تشرب) الآن سيجارة (مايكرو) وأن التي تعري نحرها لن تستنكف أن تجلس ابنتها على الشاطئ بالهيئة التي تعلمون..
وجمحت – كذلك – بي الفرضيات الغبية، وأنا أستعيذ بالله مما أجد وأحاذر .
ماذا لو خرجت لنا ورودٌ تنفث رائحة السجائر والشيشة.. هل سيشمها أحد ؟ وهل سيبقيها الزفت والقطران ورودًا ؟!
وماذا لو رفرت حولنا فراشة سوداء ذات منظر بشع.. هل سيتغزل في حسنها شاعر، أو تهفو لمرآتها نفس رقيقة ؟!
وماذا لو برز للعصافير والكناري أنياب كأنياب الأفاعي، وفكّ بارز مثل فك القرد.. هل سيقتنيها الناس، ويضعونها في بيوتهم في الحدائق والأقفاص؟!
وماذا لو صارت المرأة التي تتعرى، وترفض، وتتمرد هي المرجعية النهائية للقيم والفضائل، والعفة والشرف ؟!
وماذا لو رأينا كل بناتنا – لا قدر الله – على هيئة هذه الفتاة التي تزعم أنها – بالسيجارة – قد صارت عصرية، متمدنة، حرة في أن تنفث دخانها في وجوه العابرين؟! ألن يكون بطن الأرض للمحترمين خيرًا من ظهرها ؟!
اللهم رحمتك
ــــــــــــــ
الشيخ: عبد السلام البسيونيsize=3>