بسم الله الرحمن الرحيم ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
وصايا إسلامية هامة لكل أسرة
وبعد
وصايا إسلامية ، فعن عن النعمان بن بشير ـ رضي الله عنه ـ : أن أمه بنت رواحة سألت أباه بعض الموهبة من ماله لابنها فالتوى بها سنة ثم بدا له، فقالت : لا أرضى حتى تُشْهِدَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على ما وهبتَ لابني، فأخذ أبى بيدي وأنا يومئذ غلام فأتى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال يا رسول الله : إن أم هذا بنت رواحة أعجبها أن أُشْهِدك على الذي وهبتُ لابنها، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ( يا بشير ألك ولد سوى هذا؟، قال: نعم، فقال: أكلهم وهبْتَ له مثل هذا ؟، قال: لا، قال: فلا تُشْهِدني إذاً، فإني لا أشهد على جور( ظلم ) ) رواه مسلم . هذهِ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبناء المجتمع وسلامته من التفكك الأسري، لذلك كان لابد من العدل بين الأبناء في العطية مهما يكن، وكان لعمرةَ موقف هو شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم توفيقاً لهذهِ الهبة لكي لا يتم نزاع بعد ذلك وهي في المقابل رسالة للأهل أن يحذروا تحكيم العطية على حكم الشرع مع أنها هي أم تُحب ابنها لكنها كذلك تحب قبل ابنها ربها وقد قيل لامرأة عربية أي ولدك أحب إليك قالت الصغير حتى يكبُر والمريض حتى يبرأ والمسافر حتى يرجع ، وقد كانت عادة العرب في الجاهلية حرمان البنت من الميراث والتي لا تزال بعض نتوءاتها باديةً إلى عصرنا هذا، لحرمان البنات برعاية أنهن سيعمرن بيوت الآخرين ، أما الذكور من الأولاد فسيعمرون بيوتنا ، لكن البيت الحقيقي ليس في الدنيا بل بعد الموت ، الم تعلم أن النفس تبكي على الدنيا وقد علمت أن السلامة فيها ترك ما فيها ، لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت بانيها ، فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشرٍ خاب بانيها، لا تركنن إلى الدنيا وما فيها فالموت لا شك يُفنينا ويُفنيها ، أعمل لدارٍ غداً رضوان خازنها والجار احمد والرحمان ناشيها قصورها ذهباً المسك طينتها الزعفران حشيش نابتُ فيها.
الدنيا ليست دارنا، كل مولود يولد على وجه الأرض يُكتب له في سجل المواليد أنه ولد يوم كذا لكنه لا يُكتب له متى يموت وهو مكتوب ذلك قبل أن يولد أنه متى يموت ، المولود في الدنيا يحتل من الأرض ثلاثة أشبار ويوم يموت يحتل عشرة أشبار، فهل من المعقول أن يتنازع الناس في الدنيا على هذهِ الأشبار! إن ملك الموت حين يدخل على ابن آدم وهو يجود بأنفاسه الأخيرة يقول له يا ابن آدم لقد طوفت الأرض مشرقاً ومغرباً فما الذي أتيت بهِ منها بأي شيء جئت ، لقد جئت إلى الدنيا يوم نزلت إليها قابضاً على يديك وكأنك تريد أن تجمعها بين يديك ، ويوم خرجت منها خرجت فاتحاً يديك ولسان حالك يقول قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم للبشير أَكُل أولادك أعطيته مثل هذا قال لا يا رسول الله ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور ، النبي صلى الله عليه وسلم يحُثنا على أن نعدل بين أولادنا ، يقول صلى الله عليه وسلم اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ذلك ليُدلل عليه الصلاة والسلام وليبين أن التسوية واجبة بين الأبناء في العطية ، إن خيف من عدمها الضرر وقطيعة الرحم وهي في الحقيقة أمر متوقع الحصول في اغلب الأحوال لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لسيدنا بشير أيسرك أن يكون لك في البر سواء ؟ قال بلى ، قال النبي صلى الله عليه وسلم فلا إذاً.
ليس أمام كلام الله وكلام رسولهِ صلى الله عليه وسلم من كلام ، الإسلام حض على صلة الرحم، وعلى بر الوالدين، وجعل قطيعة الرحم وعقوق الوالدين من الكبائر ، ولا يختلف عاقلان أن في تفضيل أحد الأولاد على الآخر سيسبب عقوقاً وقطيعة رحم بل وسيُحدث بين الأبناء تحاسداً، وما قصة نبي الله يوسف عليه السلام مع إخوته عنا ببعيد، وقد قصها الله لنا في كتابه لنتعظ بها ونعتبر، وقد يتعامل البعض بإعطائهِ بعض أولاده دون الآخرين قولاً فيقول : إن ولدي يعصيني وإن الآخر يُعطيني وأريد معاقبة العاصي بإعانة المطيع باعتباره أحق من الآخر، لكن هل ضمن أن المطيعَ لا ينقلب عاصياً؟ وأن العاصي لن ينقلب مطيعاً؟!، هل يأمن أن لا ينقلب العاق إلى بار وهل يضمن أن لا ينقلب البار إلى عاق؟!، هل يضمن الطائع أن يكون طائعاً وأن يكون على طاعته والعاصي أن يكون عاصياً وأن يبقى على عصيانه، أليست القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبهم كيف يشاء ، ولعل آخر أن يقول إن ولدي هذا قد قمت بتعليمه حتى الجامعة وإن الآخر لن ينل حظه من التعليم فأريد أن أميزه بشيءٍ مقابل تعليم الآخر، هل نسي الأب أن الرازق هو الله وأنه تعالى هو القائل نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمة ربك خير مما يجمعون ، هل علم حقيقة نفع أبنائه له أم أن عليه أن يعلم أن الله تعالى يقول ((يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ )) النساء: ١١
لقد قسم الله تعالى الميراث وبينه في كتابه ولن يترك توزيعه لا لملكِ ولا لنبيٍ ولا لرسول، وهو القائل جل جلاله (( وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ )) النساء: ١٤
. يقول سيدنا أبو هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه في هذه الآية : إن هذهِ الآية تشمل الرجل الذي يختم عمله بخاتمةٍ سيئة بحيث يحرُم بعض الورثة ويُعطي بعضهم لأن هذهِ الآية جاءت بعد آيات المواريث ، ولقد خُتمت آيات المواريث بآيةٍ بينةٍ تبين أن الله تعالى عادل في قسمته، أنه حكيم عليم بخلقه ، وبين سبحانه وتعالى كذلك أن هذا الأمر هو وصية من الله والله عليم حليم.
العدل بين الأبناء واجب حتى في المعاملة لكي يحرص على برك دنيا وآخرة.
جاء رجل من بني سلمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يَا رَسُولَ اللَّهِ, هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ فقَالَ: نَعَمْ، الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا, وإنفاذ عهدهما من بعدهما وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا، قال الرجل ما أكثر هذا يا رسول الله وأطيبه ، قال عليه الصلاة والسلام فأعمل به.
اللهم إنا نسألك إيماناً لا يبيد ويقيناً لا ينفذ وقرة عينٍ لا تنقطع ومرافقة نبيك صلى الله عليه وسلم في الجنة يا رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.