وماذا بعدَ البيانِ والبُهتانِ حولَ المسعى؟

لا يزالُ السجالُ قائماً حولَ هدمِ وتوسعةِ المسعى؛ وجاءَ هذا السجالُ على هيئةِ بياناتٍ ودراساتٍ مِنْ علماءَ يرونَ أنَّ المسعى مكانٌ محدَّدٌ ولا يجوزُ توسعتُه أفقياً مستندينَ إلى أدلةٍ شرعيةٍ وتاريخيةٍ وبلدانيةٍ بالإضافةِ إلى فتاوى العلماءِ وتقاريرِ اللجان؛ في حينِ صدرتْ ف
أحمد العساف
لا يزالُ السجالُ قائماً حولَ هدمِ وتوسعةِ المسعى؛ وجاءَ هذا السجالُ على هيئةِ بياناتٍ ودراساتٍ مِنْ علماءَ يرونَ أنَّ المسعى مكانٌ محدَّدٌ ولا يجوزُ توسعتُه أفقياً مستندينَ إلى أدلةٍ شرعيةٍ وتاريخيةٍ وبلدانيةٍ بالإضافةِ إلى فتاوى العلماءِ وتقاريرِ اللجان؛ في حينِ صدرتْ فتاوى وبياناتٌ أخرى منْ علماءَ آخرينَ يرونَ امتدادَ الجبلينِ وبالتالي جوازَ التوسعةِ الأفقيةِ ويتكئونَ في ذلك على أدلةٍ شرعيةٍ وتاريخيةٍ وبلدانيةٍ إضافةً إلى إفاداتِ بعضِ أهلِ مكَّةَ- شرَّفها الله-.
وقدْ امتدَّ هذا السجالُ بمشاركةِ فئاتٍ ليستْ منْ أهلِ العلمِ الشرعي ولا منْ خبراءِ الجيولوجيا أوْ مِنْ ساكني مكَّةَ أباً عنْ جد، فكانتْ غالبُ مشاركاتِهم بهتاناً وتضليلاً كَثَّرتْ نقطةَ العلم؛ ويصدقُ هذا الوصفُ على كثيرٍ منْ وسائلِ الإعلامِ وأصحابِ الأهواءِ لأغراضٍ حزبيةٍ ومذهبيةٍ كما يجري على أربابِ التخرُّصِ والاصطيادِ بالماءِ العكرِ والافتراءِ على حُماةِ البيتِ العتيقِ لأهواءٍ ومصالحَ  شخصيةٍ أوْ مذهبيةٍ حتى كادتْ الفتوى أنْ تضيعَ بينَ الترخصِ والتخرُّص.
وسوفَ نقفُ على مسافةٍ متساويةٍ منْ جميعِ الأطرافِ لنرى المسألةَ بعينِ المستقبلِ القريبِ والبعيدِ ونثيرَ عدداً منْ التساؤلاتِ المشروعةِ والمهمَّةِ لعامَّةِ النَّاسِ وخاصتِهم إذْ الجميعُ متأثرونَ بهذهِ النَّازلةِ في المناسكِ والسياساتِ وفنونِ الإدارةِ والإعلام؛ وقبلَ الخوضِ في هذهِ اللُجَّةِ لامناصَ منْ التأكيدِ على بعضِ القضايا الرئيسة:  
أولا: أنَّ قرارَ ولاةِ الأمرِ وحُماةِ الحرمينِ- سدَّدهم الله- بالتوسعةِ كانَ للإفساحِ وبحثاً عنْ الأصلحِ للنُّساكِ معتمدينَ على فتوى المجيزينَ ورأيِ القائلينَ برفعِ الخلافِ مِنْ قبلِ الحاكمِ على اعتبارِ أنَّها مسألةٌ اجتهادية([1]).
ثانياً: أنَّ العلماءَ المانعينَ مِنْ التوسعةِ اقترحوا حلولاً عمليةً بديلةً تحافظُ على المشعرِ وتستفيدُ منْ المساحةِ الجديدة.
ثالثا: أنَّ فتوى هيئةِ كبارِ العلماءِ في السعوديةِ أثبتتْ استقلالَ الهيئةِ وتحرِّيها الصوابَ وليسَ رغباتِ الآخرين؛ وفي هذا الإثباتِ مصالحٌ عظيمةٌ للدولةِ والأمَّةِ والهيئة.
رابعاً: قدْ تفتحُ هذهِ النازلةُ البابَ لإصلاحٍ شاملٍ منْ منطلقاتٍ شرعيةٍ خالصة.
 وبعدَ هذا ألا يحقُّ لنا أنْ نتساءلَ عنْ كيفيةِ وحكمِ السعي الآنَ وبعدَ الانتهاءِ منْ أعمالِ الهدمِ والتوسعةِ؟ وهلْ سيلتزمُ كلُّ حاجٍ ومعتمرٍ بالفتوى التي يراها في المسعى؟ وهلْ سيكونُ المسعى مكاناً للازدحامِ وتدافعِ النُّساكِ وما يصاحبُ ذلكَ منْ اختناقٍ ومماتٍ – لا قدَّر الله-؟ أمْ أنَّ جهةً مّا ستتولى تنظيمَ حركةِ الساعين؟ وهل سيتوقفُ المانعونَ ومَنْ وافقهم عنْ أداءِ الحجِ والعمرة؟ ألا نستطيعُ تطبيقَ حلولٍ توفيقيةٍ بينَ المعتبرينَ منْ أصحابِ القولين([2])؟ وهلْ يمكنُ التراجعُ عنْ التوسعة ؟ وماذا ستكونُ عليهِ الحالُ إذا أقحمتْ الفرقُ الضالَّةُ الموضوعَ في مخالفاتِها الموسمية؟ ثمَّ أليسَ منْ المناسبِ انصرافُ طائفةٍ منْ العلماءِ نحوَ فتاوى الحرمينِ والمشاعرِ بمساندةٍ منْ المهندسينَ والجيولوجيين([3]
ومنْ جوانبَ أخرى ما مصيرُ وسائلِ الإعلامِ التي ارتكبتْ عدداً منْ الأخطاءِ  في التعاملِ معْ قضيةِ المسعى مثل:
·        تدويلُ شؤونِ الحرمينِ والمشاعرِ كسابقةٍ خطيرةٍ ثقيلةِ التبعات.  
·        الاحتفاءُ برأيٍ واحدٍ وحجبُ الآراءِ الأخرى تماماً([4]).
·        تسفيهُ العلماءِ والفقهاءِ واللجانِ والهيئاتِ التي ترجعُ إليها الدولةُ في النوازلِ والمستجداتِ الحساسةِ قديماً وحديثاً.
·        التضليلُ باستفتاءِ بعضِ مَنْ لمْ يُحِطْ بالمسألةِ وبعضِ مَنْ لا يعرفُ المسعى أساساً([5]).
فهلْ كلُّ هذهِ الجرائرِ كفيلةٌ بإصلاحِ إعلامِنا؟ ألا مِنْ حكيمٍ يرى ببصيرتهِ أثرَ هذا الاحتكارِ والإقصاء؟ وهلْ منْ اللائقِ أنْ تكونَ غالبُ الصحفِ ووسائلِ الإعلامِ نَفَسَاً واحداً وصوتاً واحداً؟ والمقلقُ في هذهِ البليةِ أنَّهُ صوتٌ يعبِّرُ عنْ فئاتٍ لا امتدادَ لها ويُحدثُ أضراراً سياسيةً وثقافيةً واجتماعية، ثمَّ ألمْ يحنْ الوقتُ لصحافةٍ ناطقةٍ بلسانِ الأكثرية؟ ومتى وكيفَ يقتحمُ العلماءُ والفضلاءُ بلاطَ صاحبةِ الجلالةِ الورقي والإليكتروني؟ وأخيراً أليسَ منْ واجباتِ الإعلامِ تجاهَ ولاةِ الأمرِ أنْ يظهروا مكانةَ العلماءِ العليَّةَ إبَّانَ أيامِهم؟
ونقفُ عندَ الأمرِ الأخيرِ عنْ حتميةِ توثيقِ الصِّلةِ بينَ ولاةِ الأمرِ منْ العلماءِ والأمراءِ والتزامِ كلِّ طرفٍ يما يجبُ للآخرِ شرعاً، فهلْ ستكونُ هذهِ الحادثةُ سبيلاً لتوطيدِ العلاقةِ القديمةِ القائمةِ بينَ السيفِ والقلمِ في بلادنا؟ وهل ستدفعُ هذهِ القضيةُ باتجاهِ تثقيفِ أبناءِ الأسرةِ الحاكمةِ الكريمةِ بواجباتِهم الشرعيةِ وبالأحكامِ الفقهيةِ والسلطانيةِ وآدابِ الحكمِ وسياساته؟ أليسَ منْ حقِّ الحاكمِ أنْ يسمعَ النصيحةَ الصادقةَ منْ العلماءِ معْ ردِّ شُبَهِ الغوغاءِ ودحضِ أفكهم؟ ثمَّ أليسَ منْ حقِّ العلماءِ على الحاكمِ أنْ  يدفعَ أذى السفهاءِ عنهم؟


(1) يرى المانعونَ أنَّ حدودَ المشاعرِ لا اجتهادَ فيها وليستْ مجالاً للنَّظرِ مِنْ أهلِ الاجتهادِ مِنْ العلماءِ والحكام.
(2) اقترحَ  الشيخُ عبد الرحمن البراك – حفظه الله – جعلَ التوسعةِ مكاناً للصلاةِ بدلاً منْ الصلاةِ في المسعى؛ ومنْ المقترحاتِ جعلُ المسعى أربعةَ مسارات.
(3) للشيخِ عبد اللهِ بنِ منيع-حفظه الله- مقترحٌ حولَ الاستفادةِ منْ الرواقِ العثماني لتوسعةِ المطافِ وبناءِ جسرٍ للطائفينَ على العربات.
(4) وقدْ أكثرتْ بعضُ هذهِ الوسائلِ منْ نقلِ فتوى الشيخِ عبد اللهِ بنِ جبرين – حفظه الله – بخلافِ باقي فتاويه!
(5) وهذه مسألةٌ كبيرةٌ عويصةٌ فليسَ لها إلاَّ المحققون الكبار منْ العلماء.
Source: www.almoslim.net

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *