ذو الفقار دوغان* – (أحوال تركية) 11/8/2020

تُعد البطالة من أبرز المشاكل المستمرة في تركيا. فعلى الرغم من الإجراءات التي اتخذها حزب العدالة والتنمية الحاكم بهدف تعزيز الاقتصاد، ارتفعت البطالة بنحو مليون شخص خلال سنة 2019.
ومع وصول نسب البطالة إلى أعلى معدل سجّلته منذ سنوات، لا يجد السكان العاطلون عن العمل في تركيا، الذين يواجهون تداعيات الأزمة الصحية، سببا للأمل في مفاجآت المستقبل.
حدّد المعهد الإحصائي التركي معدل البطالة عند 13.2 في المائة في آذار (مارس). لكن العديد من الاقتصاديين أكّدوا أن الأرقام الرسمية استندت إلى عدد الأشخاص الذين قالوا إنهم لا يشغلون وظيفة وأن فترة بحثهم عن عمل تجاوزت أربعة أسابيع، ما يجعل النسبة غير دقيقة.
وقد تسبب تفشي فيروس كورونا المستجد في تسليط مزيد من الضغط على الاقتصاد التركي؛ حيث تجمد نشاطه في العديد من قطاعات البلاد. لكن الرئيس رجب طيب أردوغان أعلن “إبقاء العجلات الاقتصادية تدور” كأولوية في مرحلة تكافح فيها البلاد الوباء.
وبالمقارنة مع الشهر نفسه في سنة 2019، انخفضت الوظائف الشاغرة وطلبات التوظيف التي يضعها أصحاب العمل والمؤسسات بنسبة 50.4 في المائة، لتصل إلى 95 ألف وظيفة شاغرة، هابطة من 191.556 في تموز (يوليو) 2019.
وبالإضافة إلى ذلك، انخفض عدد الوظائف الجديدة المعروضة في تركيا بأكثر من 100 ألف في تموز (يوليو) مقارنة بالفترة نفسها في سنة 2019، على الرغم من عملية تطبيع الحياة الاقتصادية التي اتبعتها البلاد منذ بداية شهر حزيران (يونيو). ويشير الانخفاض في الطلبات المقدمة في وكالة التوظيف التركية إلى انتشار اليأس بين العاطلين عن العمل.
يعد التراجع المستمر في عدد الطلبات المقدمة إلى الوكالة مؤشراً يعكس تضاعف عدد الأتراك الذين فقدوا الأمل في العثور على وظيفة. ففي تموز (يوليو)، انخفض عدد العاطلين عن العمل المسجلين في وكالة التوظيف التركية بنسبة 1.6 في المائة مقارنة بشهر حزيران (يونيو) ليصل إلى 3.3 مليون شخص، بينما انخفض بنسبة 17.7 في المائة مقارنة بشهر تموز (يوليو) الماضي، حين تجاوز عدد العاطلين عن العمل المسجلين في الوكالة أربعة ملايين.
كما يمكن أن نذكر عزوف عدد من الأتراك عن إجراء مقابلات عمل كدليل آخر على انتشار اليأس بين العاطلين عن العمل؛ حيث انخفض عدد الأشخاص الذين حضروا مقابلات نظّمتها وكالة التوظيف التركية بنسبة 66 بالمائة في تموز (يوليو) مقارنة بالشهر نفسه في 2019.
من جهة أخرى، استنفدت خزائن صندوق التأمين ضد البطالة في تركيا بسرعة. وبلغ عدد الأشخاص الذين حصلوا على إعانات منه حوالي 484 ألفاً حتى نهاية حزيران (يونيو)، ووصلت المدفوعات إلى 4.5 مليار ليرة في ستة أشهر، وتكاد تبلغ مبلغ الـ4.8 مليار ليرة التي سُجّلت في سنة 2018 كاملة.
خلال الوباء، حظر حزب العدالة والتنمية تسريح الموظفين لمدة ثلاثة أشهر، لكن الحكومة سمحت لأصحاب العمل بفرض إجازة غير مدفوعة الأجر على عمالهم، ما جعل حظر التسريح عديم الجدوى. وخلال إجازتهم غير مدفوعة الأجر، يحصل العمال على مبلغ رمزي قدره 39 ليرة (6 دولارات) في اليوم من صندوق التأمين ضد البطالة.
كما شهدت تركيا طفرة في “بدل العمل لفترة قصيرة” خلال الجائحة العالمية. ففي العام 2019، بلغ عدد المستفيدين من هذه الميزة 24 ألفاً، وقد تلقوا 181 مليون ليرة. وارتفع هذا العدد إلى 2.3 مليوناً، وبلغت قيمة المدفوعات 13.8 مليار ليرة، وفقاً لبيانات عن شهر حزيران (يونيو) 2020. وقد استفاد 1.7 مليون شخص من الدعم النقدي المخصص للذين فُرضت عليهم إجازة غير مدفوعة الأجر خلال فترة الوباء، وبلغت المدفوعات من صندوق التأمين ضد البطالة 2.8 مليار ليرة.
تكشف هذه الأرقام عن أن عدد الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم بسبب الوباء و”العاطلين الجدد” عن العمل الذين تلقوا مدفوعات من صندوق التأمين ضد البطالة بلغ 4 ملايين شخص. وقبل الوباء، الذي اندلع في شهر آذار (مارس)، تجاوز عدد العاطلين عن العمل، الذي بلغ 4.2 مليون شخص وفقاً لبيانات المعهد الاحصائي التركي لشهر شباط (فبراير) 2020، ثمانية ملايين شخص، بالإضافة إلى أولئك الذين خسروا وظائفهم أثناء الوباء وحصلوا على دعم من الصندوق.
ولكن، لم يتمكن حوالي مليونين من المتقدمين للحصول على مزايا “بدل العمل لفترة قصيرة” من صندوق التأمين ضد البطالة من الاستفادة منها لأنهم لم يستطيعوا دفع أقساط التأمين لمدة 450 يوماً على الأقل. وبذلك، لم يتم تضمينهم في البيانات التي ذكرناها. وعندما نضيف هؤلاء، يمكننا القول إن عدد العاطلين عن العمل قد تجاوز 10 ملايين شخص خلال فترة الوباء.
دحضت بيانات المعهد الاحصائي التركي ووكالة التوظيف التركية وصندوق التأمين ضد البطالة مزاعم أردوغان، الذي قال يوم الجمعة إن الاقتصاد التركي يشهد فترة انتعاش، مستشهداً بمقارنة لنسب مبيعات الثلاجات بين سنتي 2002 و2019.
وفي مقابلة تلفزيونية، قال مواطن طُلب منه التعليق على تصريحات أردوغان: “صحيح أننا نطير، لكننا نطير هابطين رأساً على عقب مثل طياري الكاميكازي اليابانيين. وسنهبط على رؤوسنا قريباً”.
وتعبّر كلماته عن واقع البلاد الاقتصادي، بعيداً عن الأرقام والتصريحات الرسمية.

*كاتب وأكاديمي تركي.