يوم العمال العالمي وسبب الاحتفال به

تحتفل العديد من الدول حول العالم بعيد العمَّال أو يوم العمَّال العالمي، والذي يُصادف الأوَّل من شهر مايو (أيار) من كلِّ عام، ويُعدُّ هذا اليوم بمثابة تكريمٍ وتقديرٍ للطبقة العاملة، والتي يعود لها الدور الأكبر في دفع عجلة الاقتصاد العالمي والمُساهمة في ازدهار الوضع الاجتماعي والاقتصادي في العديد من دول العالم. لكن ما القصَّة الكامنة خلف الاحتفال بهذا اليوم؟ ولماذا يُحتَفَل في الأوَّل من مايو (أيار) بعيد العمَّال؟ للإجابة عن هذه الأسئلة تابعوا معنا المقال التالي.

Share your love

البداية التاريخية ليوم العُمّال:

تعود قصَّة عيد العمَّال -أو يوم العمَّال العالمي- في جذورها إلى منتصف القرن التاسع عشر، وتحديداً في أستراليا، حيث كانت أستراليا أول دولةٍ في العالم تبتدع فكرة الاحتفال بعيد العمال، وذلك يوم 21 أبريل/نيسان من عام 1856، وكانت المطالب تدور حول تحديد ساعات العمل وتقليلها إلى ثماني ساعات، ثمَّ انتقلت بعدها إلى كندا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث بدأت الأصوات تتعالى للمُطالبة بتحديد ساعات العمل.

ولكن لنعود للوراء قليلاً، وبالتحديد إلى نيوزيلاندا، حيث يخفى على الكثير منَّا أنَّ أول العمَّال حصولاً على حقوقهم، وبشكلٍ خاصٍّ فيما يتعلَّق بحقوق العمل لـ 8 ساعات يوميَّاً، بدأت من هناك؛ وقد تحقَّق هذا المطلب في عام 1840 عندما تمكَّن النجَّار (صامويل بارنيل) من الحصول على هذا الحق في العاصمة النيوزيلنديَّة ولينغتون.

إلَّا أنَّ نيوزيلندا حدَّدت يوم 28 أكتوبر(تشرين الأول) من عام 1890 يوماً للاحتفال بأوَّل عيد عمَّال، ثمَّ عُدِّل إلى رابع يوم اثنين من أكتوبر(تشرين الأوَّل) من كلِّ عام.

حركة التسع ساعات في كندا:

تُعدُّ حركة “التسع ساعات”، والتي بدأت في كندا في عام 1872، أوَّل محاولةٍ وطنيّّةٍ لحركةٍ عماليَّةٍ حقيقيَّةٍ في كندا، والتي انطلقت من هاميلتون – أونتاريو، حيث بدأت المُطالبات من أجل تقليص ساعات العمل إلى تسع ساعات.

وعلى الرغم من هزيمة هذه الحركة نتيجة أسبابٍ عديدة منها: المحاربة الكبيرة التي لاقتها من قبل الحكومة، إلَّا أنَّ نضالها آتى ثماره بعد سَنِّ قانون الاتحاد التجاري، والذي أعطى الصفة القانونية للعمَّال ووفَّر الحماية لنشاط الاتحاد عام 1872.

في عام 1882 أُعلِنَ يوم الخامس من سبتمبر(أيلول) عيداً للعمال في كندا.

قام زعيم العمال الأمريكيين (بيتر ماكغواير Peter McGuire) بنقل هذه الفكرة إلى الولايات المتحدة، بعد حضوره احتفالاً بعيد العمال في تورنتو خلال أحد زياراته إلى كندا، إلَّا أنَّ تلك الفكرة لاقت اعتراضاً من قِبَل الحكومة الأمريكية لاعتماد هذه الفكرة على تقليص ساعات العمل، وهذا ما لاتريده الحكومة. فأعلن اتحاد العمَّال الأمريكيين تاريخ الأول من مايو عام 1886م يوماً للإضراب عن العمل.

أوضاع العمل والعمال في أمريكا قبل الإضرابات:

شهدت الولايات المتحدة الأمريكية عقب الحرب الأهلية وبعد فترةٍ طويلةٍ من الكساد توسُّعاً كبيراً في مجال الإنتاج الصناعي، وكانت مدينة شيكاغو من أهمِّ المراكز الصناعيَّة الأمريكيَّة في تلك الفترة، حيث يعمل العمَّال -غالبيتهم من أصولٍ ألمانية- بمعدَّل ساعات عملٍ لا يقلُّ عن العشر ساعات يومياً لـ 6 أيامٍ في الأسبوع، ويتقاضون أجراً لا يزيد على 1.5 دولار يوميَّاً؛ لذلك أصبحت المدينة مركزاً لنشاطاتٍ ومحاولاتٍ عديدةٍ لتنظيم وتحسين ظروف العمل.

إلَّا أنَّ الصراع بين العمَّال وأرباب العمل زاد، وجاء ردُّ أرباب العمل على العمَّال قاسياً، حيث قاموا بطرد العمَّال من أعمالهم، ووضعوا أسماء من انتسب إلى نقابات العمال في قوائم سوداء لمنع تشغيلهم، كما قاموا بتعيين عناصرٍ لمكافحة المُضربين عن العمل، وتوظيف جواسيس لصالحهم وبلطجيَّةً وقوَّات أمنٍ خاصَّة، بالإضافة إلى تقسيم العمَّال وتفريقهم من خلال إشعال الخلافات العرقيَّة بين العمَّال.

أحداث (هايماركت) وبداية النضال:

بدأت نقابات العمَّال الأميركية تستعد لتنظيم إضرابٍ عامٍّ دعماً لتحديد ساعات العمل بـ 8 ساعات، وفي تاريخ 1 مايو (أيار) شهدت العديد من المدن الأمريكية إضراباً عامَّاً ومسيراتٍ شارك فيها مئات الآلاف من العمَّال الأمريكيين، للمطالبة بيوم عملٍ لمدة ثماني ساعات، وكان شعارهم “8 ساعاتٍ للعمل – 8 ساعات راحة – 8 ساعاتٍ للنوم”، وقُدِّرَت أعداد العمَّال المشاركين في المسيرات والإضراب العام بين 300 و500 ألفَ عامل، من بينهم ما بين 30 و40 ألف عاملٍ في شيكاغو وحدها، بينما كان يجوب في شوارع المدينة أكثر من ضعفي هؤلاء في مسيراتٍ عماليَّة.

وفي الحقيقة لاقى هذا الاحتجاج صدىً خارج الولايات المتحدة الأمريكية في الدول الأوروبية، والتي شهدت بدورها احتجاجاتٍ تُطالِب أيضاً بتخفيض عدد ساعات العمل.

التقى العمَّال المضربون في 3 مايو/أيار، وبالتحديد في شيكاغو، في مصنع شركة ماكورميك لمعدَّات الحصاد، حيث مُنِع عمَّال اللِحام من دخول المصنع منذ فبراير (شباط)، فيما سُمِحَ لأولئك الذين رفضوا هذا الإضراب بالعمل بشكلٍ طبيعي، وسط معارضةٍ من العمَّال المضربين.

وقد حاول مجموعةٌ من العمَّال المضربين في ذلك اليوم وعند انتهاء ساعات العمل الاعتداء على العمَّال غير المضربين، فقامت الشرطة بإطلاق النار على المضربين، ما أسفر عن مقتل عاملين، وفي رواياتٍ أخرى 6 عمال.

في 4 مايو (أيار) 1886، تجمَّعت مسيرةٌ عماليَّةٌ بالقرب من ميدان (هايماركت) في شيكاغو، شارك فيها قياداتٌ عماليَّةٌ نقابيةٌ ونحو 3000 عامل، بالإضافة إلى حضور عمدة شيكاغو الذي غادر بعد دقائق، وأعدادٍ كبيرةٍ من عناصر الشرطة الذين حاولوا فضَّ هذا الاحتجاج، إلَّا أنَّ القيادي العمَّالي البريطاني (صامويل فيلدن) أصرَّ على أنَّ الاحتجاج سلمي، وسرعان ما انقلبت هذه الاحتجاجات إلى حالةٍ من الفوضى وأعمال الشغب بعد أن قام شخص بإلقاء قنبلةٍ يدوية الصُنع بين الحشود راح ضحيَّتها 12 شخصاً، من بينهم 7 من رجال الشرطة.

على إثر تلك الحادثة قامت السلطات الأميركية باعتقال 8 أشخاصٍ من قيادات العمال، واتهمتهم بالتآمر، وأصدرت حكماً بالإعدام على 7 منهم، بينما حُكِمَ على الثامن بالسجن 15 عاماً، وأُصدِرَ قرارٌ من قِبَل حاكم إلينوي بتخفيض الحكم إلى السجن المؤبَّد على 2 من المحكومين بالإعدام، بينما انتحر ثالثٌ وهو في السجن، وبذلك فقد جرى إعدام الأربعة الآخرين شنقاً في الحادي عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1887.

وفي أثناء تنفيذ حكم الإعدام قامت زوجة (أوجست سبايز) -وهو أحد العمَّال المحكوم عليهم بالإعدام- بقراءة خطابٍ كتبه زوجها لابنه الصغير جيم: “ولدي الصغير، عندما تكبر وتصبح شاباً وتحقِّق أمنية عمري ستعرف لماذا أموت، ليس عندي ما أقوله لك أكثر من أنَّني بريء، وأموت من أجل قضيَّةٍ شريفة؛ ولهذا لا أخاف الموت، وعندما تكبر ستفخر بأبيك وتحكي قصته لأصدقائك”.

سبب الاحتفال بالأول من مايو (أيار) بعيد العمال:

يُمكِن القول أنَّ أصل الاحتفال بيوم العمال العالمي في الأول من مايو (أيار) يعود بشكلٍ أو بآخر إلى أحداث قضيَّة هايماركت، حيث لاقت هذه القضية صدىً كبيراً جاوز الولايات المتحدة الأمريكيَّة إلى عمَّال العالم أجمع. ففي عام 1889 قام المؤتمر الأول للأممية الاشتراكية بإحياء ذكراها في العاصمة الفرنسية باريس، وفي عام 1890 دُعِيَ إلى مظاهراتٍ دوليةٍ لإحياء ذكرى هايماركت، وفي عام 1891 اعترفت الأممية الاشتراكية في مؤتمرها الثاني بعيد العمال حدثاً سنوياً.

في عام 1904 دعا اجتماع مؤتمر الاشتراكية الدولية في أمستردام جميع المنظمات والنقابات العمالية، وخاصةً الاشتراكية منها، في جميع أنحاء العالم إلى عدم العمل في الأوَّل من مايو (أيار) من كلِّ عام، وسُعِيَ إلى جعله يوم إجازةٍ رسميَّةٍ في عشرات الدول.

عدَّ الكونغرس الأميركي اليوم الأول من مايو (أيار) يوم وفاءٍ لذكرى هايماركت، خصوصاً بعد أن حظي بالتقدير من دولٍ عديدةٍ على رأسها الاتحاد السوفياتي، فيما ظلَّت تحتفل في أول يوم اثنين من شهر سبتمبر من كلِّ عامٍ بعيد العمَّال، وكذلك الأمر في كندا.

واليوم تحتفل العديد من الدول حول العالم -ما يقرب 100 دولة- في اليوم الأول من مايو (أيار) بيوم العمَّال العالمي، أو عيد العمَّال، ويُعدُّ يوم إجازةٍ رسميَّةٍ فيها، فيما اختارت عددٌ من الدول تواريخ خاصَّةً بها للاحتفال بهذا اليوم.

 

المصادر: 1 ، 2 ، 3 ، 4 ، 5

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!