يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ

ما أشبه الليلة بالبارحة، فاليهود هم اليهود والصفات هي نفس الصفات والطبائع كما هي مهما تعاقبت الأجيال وتباعدت الأزمان...

كانت وقعة بني النضير في أوائل السنة الرابعة من الهجرة بعد غزوة أحد وقبل غزوة الأحزاب، ومما ذكر عنها في كتب السير أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ذهب مع عشرة من أصحابه منهم أبو بكر وعمر وعلي _رضي الله عنهم_ إلى بني النضير يطلب منهم المشاركة في أداء دية قتيلين بحكم ما كان بينه وبينهم من عهد في أول مقدمه على المدينة، فاستقبله يهود بني النضير بالبشر والترحاب ووعدوا بأداء ما عليهم بينما كانوا يدبرون أمراً لاغتياله _صلى الله عليه وسلم_ ومن معه، وكان _صلى الله عليه وسلم_ جالساً إلى جدار من بيوتهم، فقال بعضهم لبعض: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه، فمن رجل منكم يعلو هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه؛ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب، فقال: أنا لذلك، فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال.

فألهم رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ما يبيت اليهود من غدر فقام كأنما ليقضي أمراً، فلما غاب استبطأه من معه خرجوا من المحلة يسألون عنه، فعلموا أنه دخل المدينة، وأمر رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ بالتهيؤ لحرب بني النضير لظهور الخيانة منهم ونقض عهد الأمان الذي بينه وبينهم، ولم يبق مفر من نبذ عهدهم إليهم وفق القاعدة الإسلامية في قوله _تعالى_: “وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ ” [ سورة الأنفال – الآية 58].

وهنا تجهز رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وحاصر بني النضير وأمهلهم ثلاثة أيام وقيل عشرة ليفارقوا جواره ويجلوا عن المدينة على أن يأخذوا أموالهم ويقيموا وكلاء عنهم على بساتينهم ومزارعهم، ولكن كان للمنافقين في المدينة رأي آخر إذ أرسلوا إليهم يحرضونهم على الرفض والمقاومة، وقالوا لهم: أن اثبتوا وتمنعوا فإنا لن نسلمكم وإن قوتلتم قاتلنا معكم وإن أخرجتم خرجنا معكم.

فتحصن اليهود في الحصون، ولما بلغ الحصار ستاً وعشرين ليلة يئس اليهود من صدق وعد المنافقين لهم وقذف الله في قلوبهم الرعب فسألوا رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أن يجليهم ويكف عن دمائهم كما سبق جلاء بني قينقاع على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا السلاح فأجابهم رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل.

فكان الرجل منهم يهدم بيته عن خشبة بابه فيحمله على ظهر بعيره أو يخربه حتى لا يقع في أيدي المسلمين، وكان المسلمون قد هدموا وخربوا بعض الجدران التي اتخذت حصوناً في أيام الحصار وفي هذا نزل قول الله _عز وجل- في سورة الحشر: “هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَار)” [ سورة الحشر – الآية 2 ]

قال القرطبي _رحمه الله_ في تفسيره:
لما قذف الله في قلوبهم الرعب وأيسوا من نصر المنافقين طلبوا الصلح؛ فأبى عليهم إلا الجلاء. وقال الزهري وابن زيد وعروة بن الزبير: لما صالحهم النبي _صلى الله عليه وسلم_ على أن لهم ما أقلت الإبل؛ كانوا يستحسنون الخشبة والعمود فيهدمون بيوتهم ويحملون ذلك على إبلهم. وعن ابن زيد أيضاً: كانوا يخربونها لئلا يسكنها المسلمون بعدهم، وقال عكرمة “بأيديهم” في إخراب دواخلها وما فيها لئلا يأخذه المسلمون. و”أيدي المؤمنين” في إخراب ظاهرها ليصلوا بذلك إليهم. قال عكرمة: كانت منازلهم مزخرفة فحسدوا المسلمين أن يسكنوها» فخربوها من داخل وخربها المسلمون من خارج، وقيل: “يخربون بيوتهم” بنقض المواعدة “وأيدي المؤمنين” بالمقاتلة.

وما أشبه الليلة بالبارحة فاليهود هم اليهود والصفات هي نفس الصفات والطبائع كما هي مهما تعاقبت الأجيال وتباعدت الأزمان فهاهم يهود اليوم بعد أن يئسوا من الشعور بالأمن في ظل قذائف المجاهدين من أبناء المقاومة الفلسطينية قرروا الخروج من المستوطنات التي استولوا عليها واغتصبوها بعد أن طردوا أصحابها وشردوهم في فجاج الأرض، وكما هي عادتهم التي ذكرها القرآن الكريم عنهم، ” يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ” فهاهم على شاشات التلفاز وهم يهدمون بيوتهم ويحرقونها حتى لا يستفيد منها الفلسطينيون بعد خروجهم منها، فأي عقل هذا وأي منطق، إنه منطق شمشون (علي وعلى أعدائي)، أما كان من الممكن أن تترك ليستفيد منها أصحاب الأرض الأصليين من الفلسطينيين ولو على سبيل التعويض عن سنوات التشرد واللجوء التي عانوا منها خلال العقود الماضية، ثم ما الذي سيعود على هؤلاء المغتصبين من إحراق وتدمير هذه المنشآت، وماذا سيعود على حكومتهم من ذلك بعد أن قبضوا ثمن خروجهم من غزة أكثر من ملياري دولار أمريكي، ولكنه الطبع الذي يغلب التطبع والعادة التي نشؤوا وتربوا عليها من الإفساد في الأرض، وصدق الله العظيم الذي أخبرنا في كتابه العزيز بخبرهم منذ نزل على رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وهاهو الآن وكأنه نزل للتو ليخبرنا بطبائع يهود وصفاتهم الإفسادية وكأن الآيات إنما أنزلت الآن لتصف لنا المشهد الذي أمام أعيننا، ويشاهده العالم معنا، وصدق الله العظيم “هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَار)” [سورة الحشر- الآية 2]

Source: www.almoslim.net

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *