أقيم على مسرح الجمهورية في القاهرة: العرض المسرحي «قلعة آلموت»: الجنة مكافأة القاتل

القاهرة ـ «القدس العربي»: «إن تأثيركِ فيّ أقوى من تأثير الشيخ في قومه». (عاشق أوروبي يناجي حبيبته). بهذه العبارة وغيرها من العبارات انتقلت أسطورة (الحسن بن الصباح 1073 ــ 1124) إلى أوروبا القرن الثاني عشر، هذا السيد الملقب بـ (شيخ الجبل)، وما أراده العاشق هو التدليل على مدى طاعته العمياء لمحبوبته، فلم يجد مثالاً خير من طاعة الرجال لشيخهم. أسس الصباح فرقة «الحشّاشين» التي انتهجت مبدأ الاغتيال السياسي من أجل الوصول إلى السلطة. وكعادة كل صاحب سلطة مُستمدة من الديانة، أو تقوم كمذهب ديني، فقد طوّع النصوص الدينية واستخدم الآيات القرآنية لإضفاء القداسة على أعماله، إضافة إلى الاحتماء بنسبه لآل بيت مُحمد، لضمان طاعة أتباعه وبالتالي شرعية دعوته. ومن خلال ذلك استطاع إقناع رجاله ومريديه أن طاعته هي السبيل الوحيد لدخولهم الجنة. وبالفعل أقام لهم جنة على الأرض، كصورة مصغرة من الجنة الموعودة المذكورة في الكتب المقدسة، ففي «قلعة آلموت» أو «وكر العُقاب» التي اتخذها مقراً له ولنشاطه ــ تقع في إيران ــ أنشأ الحدائق المتنوعة الأشجار والثمار، وجداول تفيض بالماء والخمر والعسل، وعلى الضفاف تقوم الغانيات بالرقص والغناء وعزف الموسيقى، حيث يتعاطى المقاتلون الحشيش ثم يدخلون جنة الشيخ .. خمر ونساء وعسل، فيصبحون أسرى مشيئته.

Share your love

أقيم على مسرح الجمهورية في القاهرة: العرض المسرحي «قلعة آلموت»: الجنة مكافأة القاتل

[wpcc-script type=”f7556ec5dba70aa7573deb3d-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: «إن تأثيركِ فيّ أقوى من تأثير الشيخ في قومه». (عاشق أوروبي يناجي حبيبته). بهذه العبارة وغيرها من العبارات انتقلت أسطورة (الحسن بن الصباح 1073 ــ 1124) إلى أوروبا القرن الثاني عشر، هذا السيد الملقب بـ (شيخ الجبل)، وما أراده العاشق هو التدليل على مدى طاعته العمياء لمحبوبته، فلم يجد مثالاً خير من طاعة الرجال لشيخهم. أسس الصباح فرقة «الحشّاشين» التي انتهجت مبدأ الاغتيال السياسي من أجل الوصول إلى السلطة. وكعادة كل صاحب سلطة مُستمدة من الديانة، أو تقوم كمذهب ديني، فقد طوّع النصوص الدينية واستخدم الآيات القرآنية لإضفاء القداسة على أعماله، إضافة إلى الاحتماء بنسبه لآل بيت مُحمد، لضمان طاعة أتباعه وبالتالي شرعية دعوته. ومن خلال ذلك استطاع إقناع رجاله ومريديه أن طاعته هي السبيل الوحيد لدخولهم الجنة. وبالفعل أقام لهم جنة على الأرض، كصورة مصغرة من الجنة الموعودة المذكورة في الكتب المقدسة، ففي «قلعة آلموت» أو «وكر العُقاب» التي اتخذها مقراً له ولنشاطه ــ تقع في إيران ــ أنشأ الحدائق المتنوعة الأشجار والثمار، وجداول تفيض بالماء والخمر والعسل، وعلى الضفاف تقوم الغانيات بالرقص والغناء وعزف الموسيقى، حيث يتعاطى المقاتلون الحشيش ثم يدخلون جنة الشيخ .. خمر ونساء وعسل، فيصبحون أسرى مشيئته.
كانت هذه المقدمة ضرورية، فالحكاية وكيفية تأويلها هي التي يدور حولها ويحكيها العرض المسرحي الراقص «قلعة آلموت» الذي قدمته مؤخراً فرقة الرقص المصري الحديث، على مسرح الجمهورية في القاهرة، العرض من إخراج مناضل عنتر.

الحكاية وتأويلها

حاول العرض عبر لوحاته الراقصة المتتالية أن يستعرض حكاية القلعة ومؤسس حركة الاغتيالات الشهير، وكيفية دخول الشباب إلى جنته وتنفيذ أوامره دون أدنى درجة من الحياد عنها، وإلا كان مصيره القتل. وهنا يستمد العرض موضوعه من أكثر الحركات قسوة وقوة في تاريخ الحركات الإسلامية التي حاولت اغتصاب السلطة وتأسيس سلطتها بإشاعة الرعب والفوضى في البلاد والحدود المجاورة. وبالطبع بما أننا نحيا فترة مشابهة، فالمقارنة حتماً ستكون مع «داعش» وما يبثه من رعب في قلوب الأنظمة السياسية، فمن الحشاشين وبن لادن وصولاً إلى «داعش» فالأمر لا يختلف كثيراً، ومن قبلهم جماعات أو حركات أو فئة قليلة، كُتب لها النجاح فنالت سمة القداسة، وإن كان خيال الحسن بن الصباح أكثر رحابة، فلم يكتف الرجل بتصوير الوعود الأخروية لمريديه ككلمات مكتوبة، تروى في أوقات مقدسة، بل عمد إلى تجسيدها حقيقة، من جنة وخمر ونساء، وهي أشياء كما تبدو الضالة الكبرى للمؤمنين طوال حياتهم، يجاهدون ويناضلون ويمتثلون للأوامر والنواهي خوفاً من نار وطمعاً في خيال أقل ما يُقال عنه أنه خيال سيريالي، لا يستقيم سوى بالحشيش.

العرض المسرحي

للفنان مناضل عنتر العديد من العروض الناجحة، فهو يحمل رؤية جمالية وفكرية تتحقق عبر هذه الأعمال، ومنها على سبيل المثال «أعمق مما يبدو على السطح» و»مولانا» و»الفيل الأزرق» وإن كان كل من العرضين الأخيرين عن أعمال روائية شهيرة ــ شهرة البروبغاندا ــ فهو يعرف جيداً كيفية التعامل مع النص الأدبي، ولا تخلو أعماله من الاستناد إلى بنية الحكاية. ولكن يبدو أن حال التسرّع والاستعجال هو السمة الغالبة على عرضه الأخير «قلعة آلموت». ورغم أن الحكاية التي استمد منها العرض تغرق في الدراما، إلا أن خيال صاحبها ــ الحسن الصباح ــ كان أكثر قوة من خيال الفنان المسرحي، حالة الإبهار في عرض مثل هذا لم تتحقق، كما أن فناني الفرقة لم يكن أكثرهم في أفضل حالاته، ناهيك عن شريط الصوت من موسيقى وأغنيات وعبارات صوفية شهيرة، وصل في الكثير من الأحيان إلى ما يشبه الضجيج، وأحياناً أخرى من سبيل تقضية الواجب. حالة الاستسهال هذه هي ما جعلت من العرض لوحات مُفككة ــ رغم الحكاية الواحدة الطويلة ــ حركات مُبهمة، وإيقاع متضارب في أكثره، إضافة إلى تكرار حركات مُسبقة في عروض عنتر، جاءت كما هي دون أي تجديد أو ابتكار، اللهم مشهد تكليف أحد الأتباع بقتل أحد الشخصيات، وعند امتناعه عن فعل القتل، تكون حياته هي الثمن، هذا هو المشهد أو اللوحة الوحيدة المترابطة، والتي تماهى معها الجمهور. حاول المخرج كذلك أن يقوم بما يُشبه تثبيت الكادر أو اللقطة، من خلال التوقف عن الحركة، استعراضاً لقدرات الراقصين من ناحية، ومحاولة جذب تصفيقق الجمهور من ناحية أخرى، لكن لا هذا ولا ذاك، فكان الأمر أشبه بإفيهات المسرحيات التجارية.
يبدو أن فكرة متابعة ما يحدث على الساحة السياسية، كحركة «داعش» جعل المخرج يبحث في عُجالة عن حالة قوية مشابهة، حتى تتم المقارنة، ويصبح للعرض بعض مسميات القيمة الفكرية والهم السياسي، وهذه المسميات المُستهلَكة، التي تتغنى بها الصحف والمتابعات النقدية المتهافتة، لكن المقارنة ما بين الحكاية الأصلية والعرض المسرحي لم تكن بحال في صالح الأخير. والنقطة الأخيرة هنا تتمثل في أن العرض كفن قائم بذاته، لا يمكن فهمه أو التفاعل معه إلا إذا كان المُشاهد يعلم جيداً حكاية الحسن الصباح وفرقته، أما غير ذلك فهو عبارة عن مجموعة من الراقصين تقوم ببعض الحركات على إيقاع موسيقي متباين المستوى، قد تبدو جميلة شكلاً في تكوينها النهائي، ولكن مضمونها بعيد وغريب، وحتى إن علم المشاهد بالحكاية الأصلية، فالمقارنة ــ كما أسلفنا ــ ستكون في صالح المصمم الأكبر لجنة الحشاشين.

سطحية المعالجة الفنية

سمة التسرّع في العرض ــ لا يكفي تصفيق الأصدقاء والمشدوهين ــ بدأت من التسرع وعدم التعمق في الفكرة نفسها، فأي فرقة خارجة عن السلطة المستقرة، خاصة ونحن بصدد حدث تاريخي يحاول المخرج إسقاطه على الزمن الحالي، يجوز لنا التساؤل حول ماذا لو نجحت؟ وماذا لو ان حركات مشابهة لها كُتب لها النجاح قد فشلت ولم يستتب لها الأمر في النهاية؟ هنا تبدو الأسئلة المنطقية، رغم افتراضها ــ فنحن بصدد عمل فني في الأول والأخير ــ ولنا أن يصبح الخيال هو المحرك الأساسي للعمل ككل، ليس فقط الانشغال بأن ما يحدث الآن قد حدث سابقاً، وإلا يمكن تلخيص الموضوع في مقال صحافي أو لقاء أحد المؤرخين في قناة فضائية. الخيال هو الوحيد القادر على كشف الحالة الأعمق والأدق، خاصة وأن الحكاية الأصلية لكل هذه الأوبئة التي نعيشها لا تختلف كثيراً عما فعله الصباح وأشباهه في كل العصور. دون نسيان أن الجنة الموعودة، لن تتحق إلا بالسير على صراط التعاليم والأقوال والأفعال، التي في أغلبها لن يكون صراطاً مستقيماً في حال من الأحوال.

أقيم على مسرح الجمهورية في القاهرة: العرض المسرحي «قلعة آلموت»: الجنة مكافأة القاتل

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!