أندلس الحب / يطير الحمام ثنائيّة الشعر والموسيقى
[wpcc-script type=”fb597b78898bbe2a5b0f3fcb-text/javascript”]
أندلس.. وكأنّ الاسم يخص اسم رقص أكثر ممّا يخصّ اسما لبلاد، ربّما لأنّ الأندلس رقصة بين الشرق والغرب، ولو كان للبلاد أن تصير جهة لصارت الأندلس شرقاً!
نؤنّثها، وإذ نقول اسمها بدون تعريف تصير ذكراً
البلاد الجهة الأنثى المعرّفة
إنها آخر عنقود جمالنا، ظلّت طفلة غافية في القصائد وكم انتظرناها لتكبر
فراشة من الجمر تضرم خيالنا، تلهمنا، تحرقنا، لكنها في أعمق أعماقنا كناية الفقد وخيبة الخسران
وفي القصيدة كانت نهاية العشاق (أندلس الحب)
ثمّة أصابع كتبت قصيدة، ثمّة أصابع تُنبت عشبا يوقد في الأرض سرّ الخلق
القصيدة تصير أغنية، والعشب يصير حكاية، والمغنّي ينثر الموسيقى حنطة على السطور لحمائم الكلام
وأمّا الشاعر فقد أعدّ لنا الغيب لنقرأه سطرا سطرا ومضى إليه
القصائد التي تفتح للعشّاق نوافذ تطلّ على حكاياتهم، القصائد التي تمنحهم مرايا لأيامهم وقرائن ليقفوا إليها
القصائد التي تمنح الناس قصصا حلموا بها.. قال صديقي الذي قضى سنين في المعتقل تلك القصائد أنقذتنا، كنّا ننتظر عبدالعزيز الخيّر لينشد لنا قصيدة محمود درويش «يطير الحمام»، كان النصّ وصوت عبدالعزيز الخيّر المغيّب الآن في سجون النظام السوري يأخذنا إلى أبعد شطحات الحلم، فنحلّق أبعد من المكان ناجين ناصعين بأرواح خفيفة لم تصبها ذرة من غبار الزنازين، شفافين لدرجة أن من يرانا يعتقد أنه يستطيع أن يتحسّس قلوبنا بيديه، كنا كلنا شاعرا واحدا يقول للحبيبة: أعدي لي الأرض كي أستريح، فإني أحبك حتى التعب!
كنا نرى الحمام ينقر الحَبّ ويهدل، يطير ويهبط، يقبّل بعضه على الشرفات، كنا الشخوص والأمكنة والكائنات وأكملَ: الحب وأخيلته منجاة في بلاد تفتتح خواتيمها بقلوبنا المكسورة!
إننا الآن ننتظر الحريّة، ننتظر عودة الغائبين، ننتظر مناما يرسم لنا وجوه من فقدناهم، ننتظر حبّا يجعل قلوبنا أكثر هشاشة ودموعنا أكثر لهيبا، ننتظر بلادنا لتصير بلادا، ننتظر قصيدة تعود بنا إلى الدهشة الأولى، ننتظر القصيدة لتصير أغنية!
كنت مهووسة وشغوفة بكل من أحببت وانتظرتهم، ثمّ كان اليأس نجاةً..
وفكرت ربما نحتاج شاعرة ما لتكتب كاماسوترا الانتظار ،لأنّ الأنثى تنتظر، تنتظر كلّ شيء وتموت غارقة في لوعة الانتظار، وفي لوعتها حسرة على ممكنات الأرض، لو تمهّل الشاعر قليلا ربما كانت قصيدة كاماسوترا على لسان الأنثى إلى الأنثى في الانتظار، إنّنا نحن من ننتظر عزلاواتٍ إلّا من لهفتنا، بلا كمائن بلا خرائط بلا رسوم توضيحيّة!
نصوغ حكايا أبطالنا ونكون الهوامش، نعدّ لهم انتصاراتهم علينا ونكون تيجانهم المذهّبة!
لم تعلّمنا الطبيعة كيف نرتّب ختل الفخاخ ليصير الانتظار مستحقّا لصفته: نزيف الروح على هيئة وقت من ساعة اليد والروزنامة والمكالمات الفائتة وعلبة البريد..
لم نعرف كيف نعدّ شراكنا ليؤول الانتظار إلى منتهاه: الوصول!
يطير الحمام: تكون الأنوثة السؤال والأمر وفيهما انتظار لما سيكون جوابا وفعلا، والذكورة سرد نهائيّ لا ينتظر مآلات أو حدثا، فاتحة للعشاق وطريقا لخطاهم هكذا كانت القصيدة، يأخذنا الحب وعلى أعتاب الهذيان نفتح أعيننا على مشهد الغيم مبعثرا في الفراغ الأزرق.. اللغة تحمينا من الانكسار إذ لا حبّ يدوم ولا روح تأخذ مستقرّها، ولا بلاد تمنحنا أمانها، وإذ تصدح قصيدة يطير الحمام في أعماقنا بصوت محمود درويش فإننا ننتظرها بكامل الشغف عملا موسيقيّا بعنوان «أندلس الحبّ» من تأليف الفنان مرسيل خليفة وذلك في الثالث عشر من آذار/مارس حين سنشعل للشاعر الشاهق شمعة عيد ميلاده الخامس والسبعين.
كاتبة سورية
لينة عطفة