«أوراق ميت» للمصري ممدوح عبد الستار : من التأسي على أيام المَلكية إلى تمني فقدان الذاكرة
[wpcc-script type=”33bb1dcc1e25ef665a256e2f-text/javascript”]
القاهرة ـ «القدس العربي»: من الظواهر الروائية الآن، والمتواترة بشدة هي فكرة التأريخ من خلال الرواية، وبما أن حركة يوليو/تموز 1952 تعد حتى الآن هي الأقوى من حيث تغيير شكل وطبيعة المجتمع المصري، التحول من الحكم الملكي إلى العسكري ــ الجمهوري مجازاً ــ فإن العديد من الأعمال الأدبية تحاول مُساءلة تلك الفترة، علها تجد إشارة ولو واهنة على ما تمر مصر به الآن. الأمر لا ينحو إلى تفسير الحدث، بل يتعداه إلى دلالاته على مصائر الناس ومُقدراتهم. وهو ما حاوله الكاتب ممدوح عبد الستار خلال روايته «أوراق ميت» ــ صدرت عن دار ساوند للنشر والتوزيع، في 184 صفحة من القطع المتوسط ــ بأن يؤرخ اجتماعياً لقرية من قرى شمال الريف المصري (الدلجمون/في محافظة الغربية) ويتتبع مصير أسرة بدأت زهوها في العهد الملكي، وانتهت باختيار بطلها الاستسلام لحالة من الموت البطيء، وصولاً إلى الموت الفعلي.
محاولة خلق الغرائبية
كان لابد من التضحية بـ 6 من الأولاد حتى تبدأ الحكاية بميلاد البطل/صبحي، وأن يقام طقس احتفالي وخوف من حالة فقد هذا الطفل. الأب عبد الواحد أحد التجار في القرية، وبدأت ثروته في الازدياد مع طفولة صبحي. الحالة الأسطورية في بعض المشاهد من الرواية لم تكتمل كحالة عامة تحيط بالحكاية، فقط حالات متفرقة تبعاً لحدث هنا وآخر هناك. لتصل إلى أهم وأعمق مشاهد الرواية دلالة، عند نبأ زيارة الرئيس محمد نجيب، أول رئيس مصري للقرية، هنا ينتظر الجميع القطار، إلا أن قطاراً آخر يأتي فوق القضبان الأخرى ويحيل الجماهير إلى أشلاء، فها هو المُنتظر وها هو الواقع … «تصدرت صورة محمد نجيب كل الجرائد، فعرف الناس هنا ــ بالصدفة ــ أنه ابن قرية النحارية، المُتاخمة للدلجمون من الناحية الشمالية… إيه الحكاية؟ الديزل المقابل هرس الناس اللي كانت نازلة تحت على الشريط الثاني، علشان تشوف سيدنا محمد نجيب… كان المغسِّل مشغول بتسوية الأعضاء لكل شخص على حدة أياً كانت الأعضاء، المهم أن يكون للميت رأس وذراعان وقدمان وصدر وبطن، حتى أن المتسول الأعور، المقطوع قدمه اليُمنى قد أُكمِل له هذه القدم من دون أن يعرف… وفي قرية النحارية مازال الشيخ مسعود ــ الذي فقد ساقيه ــ يردد وهو يفرد الجريدة التي بها صورة محمد نجيب: تصوروا، تعلمنا سوى، أي والله! وما زال الأستاذ دياب ــ الذي فقد يديه ــ يفرد بقدميه الجريدة التي بها صورته: أنا ومحمد نجيب أصحاب، أي والله!». (الرواية ص 50: ص 58).
البكباشي واللواء
كيف لبكباشي بمقدوره أن يُقيل لواء؟! كانت هذه العبارة هي سبب تعجب وحيرة صبحي طوال سنوات طفولته، بينما الأب يرى في عبد الناصر أنه سبب الكوارث، عندما تحكمت الدولة في التجارة وفرضت أسعار عدم الاحتكار، الأمل في نجيب رغم ما حدث، وبصورة أعمق يبدأ جيل عبد الواحد في الترحّم على أيام الملك. حتى المرأة التي أحب صبحي ابنتها وتزوجها، وكانت تتباهى بتساوي الرؤوس وتعلنها «ربنا يخليه .. خلاها جمهورية»، عرفت الحقيقة في النهاية، لتقولها صراحة «ولا يوم من أيام الملك».
انهيار الأب وصعود الابن الموهوم
يبدأ عبد الواحد في الانهيار، ولا يعيش سوى على الذكريات والأفيون، وحفلات أم كلثوم التي كان يداوم عليها. فقط ذكريات انقضت بلا عودة، بينما صبحي أصبح موظفاً/أفندياً، في مكان مُهمل، ولكنه تعيين من قِبل الدولة. ويشترك في منظمة الشباب الاشتراكي بعد هزيمة 1967، ويحاول ورفاقه تنظيم الكون/القرية، خاصة من عمليات سرقة السلع الضرورية، كالدقيق وما شابه، ولكن تواجهه سُلطة العمدة/ذراع السُلطة التنفيذية، ليتضح أنه صاحب السرقة. يعود الأب ليعيش في عالمه وأفيونه، بينما الابن يسير في محاولة مُميتة بأن يكون «بلا ذكريات مفرحة أو مؤلمة».
الرواي ولعبة الأوراق
بعد الانتهاء من قراءة الرواية تبدو فكرة أوراق الشخصية الرئيسية صبحي ــ أوراق أعطاها البطل إلى الرواي قبل موته ــ غير مبررة بشكل كبير. فالسرد يأتي من جهة الراوي العليم، ولم يمتلك البطل صاحب الأوراق ناصية السرد إلا لماما. من ناحية أخرى يدور التساؤل حول أن يروي الراوي الحكاية بعيداً عن أوراق شخص ما، من دون أن يُنتقص من الأمر شيء. كما أن سرد الراوي لو كان تداخل مع سرد الشخص، كان من الممكن أن يخلق حالة أكبر من العمق، خاصة أن الراوي يترك لنفسه مساحات كبيرة في الوصف والتعليق على حالة من الحالات أو شخصية أو موقف، افتقد الراوي بتصديه بالكامل لناصية السرد جزءا كبيرا من لعبة تقنية كان من الممكن أن تنحو بالرواية إلى أفق أوسع وأعمق، فأحداثها وشخوصها تحتمل الكثير من هذه الألعاب الحكائية.
ممدوح عبد الستار.. قاص وروائي مصري من مواليد 1960. من إصداراته «السمان يستريح في النهر» 1989، «مقامات التفرد والأحوال» 1990، «السامري»2000. حصل على عدة جوائز عربية ومحلية في القصة والرواية، منها… الجائزة الأولى للقصة في مسابقة سعاد الصباح 1988/ الجائزة الثانية للرواية في مسابقة سعاد الصباح 1989/الجائزة الثانية في مسابقة محمد تيمور المسرحية 1995/الجائزة الثانية في مسابقة إحسان عبد القدوس في الرواية 2006.
محمد عبد الرحيم