اصبروا عليَّ آل نفسي
[wpcc-script type=”015303ba8ed4b6fc545b0e29-text/javascript”]
مثلما يصبرُ النفقُ على أنينِ قطارٍ
مُتحدّراً وهادراً فوقَ سكةِ الذكريات
مثلما تصبرُ داليةٌ يتيمةٌ على المشي فوقَ حبلِ الهاويةِ
ومثلما سلّمَ أيوب حياتَه للصبرِ، وصارَ للصبرِ اسماً يكنىَّ بهِ
اصبروا عليَّ آلَ نفسي
اصبروا:
ريثما أرتّبُ ظلالَ أرواحِكم على الأسّرَّةِ
وأحشدُ غيوم الذكريات في شوارعِ المدينة
ـ أصرخُ في دمي.. وأيُّ صراخٍ يكسرُ الغياب ـ
أصرخُ…
لعلَّ قطارَ الربيع يترصّدُ ما تلقيه الطائرات ويشكُّ بالمنتظرين
لعلَّ ديكَ الحي ينعسُ ويجعلني قادراً على رثائِهِ
لعليَّ أمحو مرآة الحاضر
وأحظى بنهدِ أنثى أو ثمرٍ أبيض.
اصبروا عليَّ
ريثما تصلني رسائلُ الهروبِ الأخيرِ
لأنسجَ ـ من وبرِ هذا النصِّ ـ معاطفَ لأصواتِكم الباردةِ
لئلاّ تخرجَ صرخاتُكم بخُطىً مُرتبكةٍ إلى الشارع، ويحدثَ الزلزالُ
أنا أصغرُ اللاجئينَ إلى الملل
عندما تموتون
أدخلُ المقهى بأعيُنٍ حالمةٍ
أحرّك لحناً ساكناً في الكمانِ
لأسمعَ أنينَ أنفاسِكم تتخبّطُ فوقَ الطاولاتِ
لأحفظَ تواقيعَ أقدامك الملونةِ من التلف
لأجمعَ عيونَكم التي تتكاثرُ في مواجهةِ الشبابيك
لأنظفَ شهقةَ الضوء من ابتساماتِكم
وأتسلقَ تلالَ النسيان.
اصبروا عليَّ
ريثما تستردُ حياتي أنفاسَها من عاصفةِ المجاز
وتطردُ سرابَ الذهولِ عن وجهها
وتُلقي التحية على الحنينِ المتّجهِ إلى الشمال.
ريثما أعبرُ بجُثثكم المُثقلة بالهتافات إلى رمانة الشمس،
وأوزعُ التعازي والخياناتِ على زوجاتِكم.
أنا الأبيضُ
«لا يغركم سماري وسود الخدود، دمي أبيض يصب من ينزف الطين». (شاعر عراقي)
أنا الأبيضُ الممّزقُ بمخالبِ السرطان
كنتُ جائعاً ليلةَ السابعِ والعشرين
فدنوتُ من الضفافِ المُنقطعةِ ابتسامتُها
وتناولتُ من مخبأ السرِ بيضةً، فقستُها في فمي
لتصيرَ حمامةً تنقصُها النظرةُ
ولا ينقصها الدم.
اصبروا عليَّ
لأحدثَكم بعدَ أن أرفعَ عبءَ التحنيط عن الغراب
وأبدِّدَ سرَّ القلوبِ والشهواتِ.
بعد أن أنسى بقعةَ الدمِ الكبيرةِ،
نائمةً في بطنِ سورةِ الكهف.
بعد أن أنفضَ الغبارَ عن عاطفةِ الصيّاد
وأدعو الشّجرةَ المجاورةَ إلى تأمّلِ صورتي
بعد أن أقمعَ فضاءَ العينِ بالاحتمالات
وأفترضَ صراخَ الوردةِ في فواتيرِ الحساب.
أنا المُخَرّبُ
لا أحد ينظر إليَّ
سأقطفُ الوردة، وأنتظرُ فتاة الياسمين ريثما تعود
فأسقي حديقة العمر من ينابيعِ الظلام،
وآوي عصافير الضوء الضريرة.
أنا المُخَرّبُ
لا أحد ينظر إليَّ
ـ يومياً ـ
أرمي أربعةَ أطفالٍ مُشاغبين إلى الهاوية
لأحدثكم عن الغيابِ الهائلِ للشمس
وانطفاءِ الحياةِ في الحكايةِ.
اصبروا
سأحدثُّكم
عن النسيانِ والخطأ/ الكثافةِ والنومِ/ أصواتِ الرأسِ وطمأنينةِ القلق
عن السكاكينِ المرتبكةِ، وهي تروي قصتها بهدوءٍ حزين
عن شاعرٍ أعمى، تركَ عينيهِ على درجِ البيتِ
وأخذَ كفّهُ المجروحةَ لصديقتهِ النافذةِ
سأحدثُّكم
عن دهشةِ القُبلةِ وأبوابِ القلبِ وتأملاتِ الندم
عن حياتِنا صديقةِ الموت وهي تضحكُ بخجلٍ لذيذ
حياتُنا لا شيءَ… لا شيءَ
سوى شماتةُ هذه القصيدةُ وهي تنظرُ إليَّ بسخرية.
اصبروا عليَّ
حتى أفتحَ نافذةَ الضحكِ للأخطاءِ البريئةِ
وأمنحَ ظلي المبللَ فرصةَ الإنصات لسرب طيور مهاجرة
حتى أُحررَ كلامي من ضفةِ النهرِ
وأمنحَ أحلامي اليائسةَ فرصةَ مشاهدةِ ندم البحيرة
وهي تأخذني إلى النوم.
اصبروا:
لأتأكدَ من شمسِ الشوارعِ، تصعدُ سلماً خشبياً،
وتنشرَ ذكرياتِ أولادِها فوقَ حبلِ الغسيلِ
لأتأكدَ من الغثاءِ في دمي والصهيلِ في روحي والأخطاءِ في صوتي
أنا الشاعرُ الأمي… أنا آخرُ المخطئينَ، الثملينَ بعجينةِ الليل
لأنني لم أمارسَ الحياةَ في ثيابِ أنثى
وقفتُ بينَ الأسلحةِ مائلاً
أنظّفُ حذائي من سُعالِ الدروبِ
ووجهي من العطشِ!
ولأنني نسيتُ تفسيرَ روحِ البحرِ
وقسوةَ الصوفي على ذاتِه في مجلسِ العزاءِ
وقفتُ في هواءٍ طَلِقٍ
أبرئ روحَ فتاتي من الغياب
والنساء من الخريف
والمنتحرينَ من دليلِ الهاتف
ولأنني أنقذتُ حياتي من انهيارٍ مؤكدٍ
أريدُ أن أنامَ
عارياً تماماً من ذكرياتي.
اصبروا
اصبروا عليَّ آلَ نفسي
ريثما أنتهي قتيلاً في الرماد
وتنتشرَ جُثتي في ثياب الريح.
ريثما يُعاد خلقي من رحمِ شجرة
لأكونني…وأكونُ للنهدِ كما يشتهي
ويكونَ وطناً لشفتيَّ
لأحتفي بألم الثمار.
٭ شاعر سوري
حسن شاحوت