الأنساق الباطنية والتنوع في أعمال التونسية عواطف بجاوي
[wpcc-script type=”c2da395b81f4278f15b9974e-text/javascript”]
يشكل المعجم التشكيلي المتألف من عدة أشكال جمالية، أحد أهم المحطات التي تغذي المنجز الفني للفنانة التشكيلية عواطف بجاوي. فالأشكال لديها هي مجموعة من الأدوات الأيقونية التي تتفاعل مع نظام الفضاء التعبيري في أنساق دلالية متلائمة ومنسجمة في ما بينها، تطاوع الحس الواقعي والرؤى الجمالية، لتمنح أعمالها إشارات بوجود أنساق باطنية، تخترق المفاهيم، وتنتج مختلف الدلالات. وقد يترصدها المتتبع وفق خاصيات معينة ومحددة تطفو في النسيج التشكيلي، في ارتباط وثيق بالسيميولوجية المحلية للمبدعة عواطف. وفي ارتباط أيضا بالثقافة التونسية الأصيلة. إنه التثبيت المحكم والتعبير المتناسق الذي يفصح عنه نمو أسلوب تعبيري يمتح مقوماته من جهاز مفاهيمي تشكيلي معاصر، ويؤثث لمركزيته داخل نسق تشكيلي جديد مفعم بالجماليات ومتعددة الأنساق والمرامي. تحدد له مكانته وخريطته في الفن التشكيلي العربي المعاصر، وتسمو به إلى مقام فن الصفوة بخطى ثابتة تستجيب لكل متطلبات الفن التشكيلي العالمي.
إن خاصية التعدد في النسيج التشكيلي قد منحت أعمال عواطف بجاوي بإنتاج متنوع أمدته من خلال فلسفتها الفنية بأبعاد وسمات وخصائص تنفرد بها وحدها. فالقارئ في أعمالها يعي تلك الأبعاد الدلالية والإيحاءات والإشارات التي تتحطم فوق القماش وتحدث حركات متتالية قادرة على تغيير المنحى التعبيري والانزياح به نحو تعددية القراءة. إنها بذلك تبلور العملية الإبداعية وفق خاصيات جديدة وأساليب نوعية في التعبير. وإنها أيضا تبلور لمأسسة أشكال دلالية غير معهودة في التشكيل المألوف. فهي تحمل القارئ إلى عمق الصورة التعبيرية وتجبر الناقد على استنطاق بواطن العمل الذي يتحرر مطلقا من كل القيود ويسبح في حرية التشكيل الحضاري بصناعة فنية تأخذ في عين الاعتبار الصيغ الجمالية وآفاقها غير المتناهية. وهذا المنحى يشكل بعدا آخر في أعمال الفنانة التشكيلية عواطف، لأن المنحى الجمالي لديها مليء بحمولات ثقافية وحضارية وقيم دلالية تتحكم فيها التقنية الجديدة المستعملة والمواد الحديثة التي تتلاءم والغايات التي تنشدها المبدعة. إن الألوان الخفيفة التي تشغل حيز المكان في أعمالها تؤكد الإمكانات التعبيرية الهائلة التي يحتضنها فكرها بكل الرؤى التي يحملها اللون وطريقة توظيفه، وهو ما يمكن تفسيره بالتعددية المتناسقة وفق مقاربات لونية تعبيرية وتقنية عالية تأخذ بعين الاعتبار طريقة الاستعمالات اللونية التي توحي بقدرتها التحكمية في الفضاء، وتؤشر إلى عمليات التوظيف المحكمة للشخوصات التراثية والفروسية الجميلة، وتظهر بشكل جلي تلقائية الإنجاز، ففي هذا المنحى يكمن سر التأليف التشكيلي الواقعي لديها، وأيضا في حداثة أسلوبها الذي يفضي إلى عوالم تبرز قيمة الفضاء وتوجه المسار التعبيري، وتظهر جانب التفاعل والتواصل بين المبدعة وعالمها التشكيلي الذي ينبني على عدة مقومات أساسية تكشف تعددية المعالم الفنية في عالمها الإبداعي المتوازن والمنسجم، المفعم بالحيوية التي تحرك مشاعر القارئ.
ويخضع مسار عواطف لفلسفة فنية متعددة المعالم، تتفاعل فيها مختلف الاختيارات التي تؤكد توجهاتها القيمية وتصوراتها العميقة وتتلاءم مع ثقافتها التونسية. فلقد شكل تجسيد التقنيات العالية وتوظيف مفردات الثقافة المحلية، أحد أهم المسالك التي ترافق تجربتها الرائدة العابقة بالجماليات المولدة للدلالات. فالاستعمالات اللونية وتركيباتها المتنوعة، وتدرجاتها المختلفة، والأشكال الواقعية التي تنبض بمعان كثيرة، والرموز الإيحائية؛ كلها عناصر توظفها المبدعة وفق أنساق فنية حديثة بدلالات متنوعة وعميقة المعاني، تجعلها في مسلك إبداعي مشرق المعالم ترسم من خلاله أسلوبا فنيا فاضلا يموقعها في خانة الفن العالمي المعاصر.
٭ ناقد تشكيلي مغربي
محمد البندوري