الإعلام المصري وحالات الإرهاب: النظام السياسي لا يريد سماع غير صوته
[wpcc-script type=”5d383aa8ec8b803246d6a294-text/javascript”]
القاهرة ـ «القدس العربي»: كلما حدثت واقعة إرهابية جديدة يتم حشد وتجييش وسائل الإعلام على اختلافها ــ قنوات فضائية، وصحف، وصفحات التواصل الاجتماعي ــ لتبني الصوت الرسمي للنظام السياسي، بخلاف بعض الأصوات المعارضة، ومحاولة محاربتها وضمها إلى زمرة الإرهابيين. فإلى أي مدى نجح الإعلام في التعامل مع الظاهرة الإرهابية، التي تتكرر من حين لآخر؟ وحتى الحادث الأخير المتعلق بالكنيسة البطرسية في القاهرة، يبدو التعامل معه كما هو الحال دوماً. ومنذ عهد مبارك المخلوع لم يتغير شيء، اللهم التهافت والصراخ وكأن هذه الوسائل أصبحت تتعامل وفق تعليمات أمنية أكثر منها مهنية، وهي سِمة توصم الإعلام العربي عموماً والمصري بشكل خاص. فهناك المزيد من التراجع في المستوى المهني العام للإعلام المصري، وهو يتماشى مع التراجع في العمل الوطني العام، كما أن المشكلة الحقيقية في المشهد الإعلامي الحالي، أنه تعبوي أكثر منه نقدي، فهو يدعو المصريين إلى التخلي عن التفكير فيما يحدث حولهم، بحجة حالة الحرب على الإرهاب. وليس أدل من ذلك في حال الأحداث الإرهابية الأخيرة عقد مقارنة بين حادث الهرم والكنيسة، لتخرج بعض الفضائيات قائلة إن «الجمعة إرهاب في مسجد والأحد إرهاب في كنيسة» وهو خطاب زائف في الأساس فحادثة الجمعة استهدفت رجال شرطة ــ كمين أمني أمام المسجد ــ وحادثة الأحد استهدفت مسيحيات مصليات استشهدن أثناء تأدية الصلاة!
موقف الصحف
بداية لم يكن الفارق كبيراً بين صحف مملوكة للدولة وأخرى لأشخاص، خاصة أن العديد من هذه المؤسسات الأخيرة تمتلك الصحف والقنوات الفضائية، فخطابها الهزلي واحد، إضافة إلى السيطرة الأمنية على معظم هذه الوسائل، وإملاء ما تنشره في أغلب الموضوعات، وعبارات بلاغية لا محل لها سوى جذب التعاطف الشعبي، دون أي سمة عقلانية أو مهنية في تناول الأحداث، ذلك من قبيل «لن تسقط مصر» و«كلنا يد واحدة». وأن تخرج علينا منذ فترة صحف مثل «الشروق» أو «اليوم السابع» وغيرها من وسائل الإعلام المصرية بعناوين مفادها أن «أنصار بيت المقدس» هي ذراع لحركة «الإخوان المسلمين» وليست كياناً منفردا! وتأتي المقالات والموضوعات المُعادة والمُتكررة، والتي أصبحت مناسباتية، وحكايات مُلفقة لها حظ كبير من السذاجة عن المسيحي جار المسلم وقت الصِبا، وفي العمل، والجارة المسيحية التي ساعدت جارتها المسلمة أو العكس، وكانت صديقتها وقت الشِدة. وبالتالي كلها مقالات وموضوعات عاطفية لا تنتمي إلى أي شكل من أشكال العقلانية. ولكن دور الصحف لم يعد كما كان منذ سنوات، فالفضائيات وبرامجها هي الوسيلة الأمثل لخلق رأي عام يتماشى وسياسات الدولة.
صراخ الفضائيات
ترتبط التغطية الإخبارية دائماً بالسياق الاجتماعي والسياسي والثقافي للجمهور المصري، فنجد تأصيل حالة الاستقطاب السياسي بعد 30 حزيران/يونيو، حيث أصبحت هناك ثلاث قوى بداية بالمجلس العسكري بإعلانه خريطة الطريق، والإخوان المسلمون، الذين يرون أن سلطتهم قد تم اغتصابها، وأنصار النظام السابق الذين يرون أن فرصة عودتهم صارت قائمة، حتى إن كان هناك رئيسا من الجيش على رأس السلطة ــ إعلان براءة مبارك وأغلب رموز النظام السابق ــ إضافة إلى حالة الفوضى الإعلامية، واختلاط الرؤى بين ما هو إسلامي أو جهادي أو تنظيمات إسلامية متشددة، كتنظيم الدولة الإسلامية والنصرة وغيرهما، واستمرار حوادث التفجيرات الإرهابية. فالمعركة حيّة إذن، نراها على شاشات الفضائيات، وعبر العديد من البرامج التي لها حظ كبير من المتابعة، والمرتبطة بمقدميها، أمثال عمرو أديب بصوته الزاعق وحالات التمثيل الهزيلة، ووائل الإبراشي مُفتعل المعارك على شاشة التلفزيون، ولميس الحديدي والإيحاء الواهي بالموضوعية، وأخيراً إبراهيم عيسى الوحيد صاحب الخطاب المختلف، والذي اقترب أكثر من مواجهة المشكلة والبحث في ظاهرة الإرهاب، دون الاكتفاء بالتركيز على الحدث، خاصة فيما يتعلق بحادث الكنيسة الأخير. فالمشكلة قائمة منذ زمن ما بين المسلمين والمسيحيين، وما تصرفات وأفعال الدولة إلا سلسلة من الأخطاء المتكررة، طالما نهجها الأمني هو الوحيد في التعامل معها. على الناحية الأخرى تأتي القنوات المعارضة، والتي تبث من خارج مصر، والتي بدورها تتبنى خطاباً غوغائيا وتحشد المعسكر الآخر ضد النظام الحالي. وما بين نظام يوصف بأنه انقلابي ومجموعات معارضة مُتهمة بالخيانة والعمالة يموت المصريون، ويصبح الدم المصري مباحاً في كل وقت.
المؤسسات الدينية
في تشرين الثاني/نوفمبر 1972 هاجم عدد من المواطنين المسلمين جمعية الكتاب المقدس في مدينة الخانكة في محافظة القليوبية، وأحرقوا مبناها واعتدوا على مرتاديها. وكانت الجمعية تُستخدم كمكان للصلاة لعدم وجود كنيسة قريبة، وهو ما دفع البعض للاحتشاد أمامها ومهاجمتها بدعوى أنها جمعية وليست مكاناً للصلاة. وتطورت الأحداث بحضور نحو 400 رجل دين مسيحي لإقامة الصلاة أمام المبنى المُخرّب، وعلى إثر ذلك قام آخرون بحرق عدد كبير من محلات ومنازل الأقباط. كانت هذه هي البداية وحتى حادث الكنيسة البطرسية منذ أيام، فلم يكن هو الحادث الأول ولن يكون الأخير، فاستهداف الكنائس والمسيحيين في مصر، هو شكل من أشكال الجهاد في عُرف المتأسلمين، وهو ما يكشف عن طبيعة وبنية المجتمع المصري، والتي طالها التشويه بداية من سبعينيات القرن الفائت. وربما المعالجة الأمنية هي سبب هذه المشكلة المزمنة، هذا من ناحية أما العامل الأهم هو وجهة النظر إلى المسيحيين، خاصة الأجيال المتأسلمة الجديدة، والتي استقت مفاهيمها الدينية من تعاليم المتشددين من بدو الصحراء. فالمسيحي في عرف هؤلاء كافر، ولا يجوز الترحم عليه عند موته. وعند كل مأساة جديدة يأتي اللقاء المتواتر والكاريكاتيري بطولة كل من شيخ الأزهر وبابا الكنيسة، العبارات نفسها، واليد الواحدة في مواجهة الكاميرات وشاشات التلفزيون، محاولة إثبات نسيج المجتمع الواحد الأوحد المتلاحم إلى يوم الدين. العرض الإعلامي لم يعد يأتي بثماره، وصورة الشيخ والقس لم تعد تمثل شيئاً، اللهم إلا التهكم والسخرية والمزيد من الأسى.
أعلن الرئيس المصري منفعلاً عندما دخل الكنيسة لحضور مراسم تشييع الجثامين «أوعوا تقولوا تفجير الكنيسة خلل أمني». وفي مصادفة لافتة، كانت صحيفة «اليوم السابع» أصدرت في عددها الذي عُرض في الأسواق قبل أكثر من 12 ساعة من التفجير، عنوانها الدال «تقارير أمنية تكشف عن مخططات إرهابية لاستهداف الكنائس ومواقع الشرطة… إلا أن الضربات الأمنية الناجحة ساهمت بشكل كبير في إبطال هذه المخططات الإرهابية». بينما جاءت كلمات الشمّاس تادرس زكي حنا مفارقة لكل هذه العبارات قائلاً «كمية المتفجرات اللي دخلت دي إزاي تعدي على الأمن؟ باعت لنا أمن يقعد على الباب يشرب شاي ويعاكس الستات وبس؟». فالنظام لا يستمد شرعيته إلا من خلال الترويج لحربه الأمنية والعسكرية على الإرهاب، ومن الطبيعي ألا يحتمل الكلام عن الفشل الأمني، والإخفاق في هذه الحرب.
مواقع التواصل الاجتماعي
على صفحات التواصل الاجتماعي يمكننا أن نلحظ بعض الحقائق التي تصف المناخ الذي يعيشه المصريون، العقيدة والآراء ووجهات النظر، ليبدو الصراع في صورته غير المشوّشة إلى حدٍ كبير، والبعيد عن توجيهات الدولة والنظام الأمني الذي يحكمها. بداية لنقرأ هذا النص الذي يعود إلى عهد الدولة العثمانية «نقر نحن مديرية زمام الغربية بأن العقار رقم 6 الواقع فى قرية قحافة تقسيم أرض غرب القرية من زمام المديرية قد تم بيعه من المالك الكافر إبن الكافر الهالك إبن الهالك/ناروز ميخائيل جيد إلى المالك الجديد المؤمن إبن المؤمن محمد التطاوى عميرة. (عقد بيع من فترة الاحتلال العثمانى لمصر)».
«لا يجوز الترحّم عليهم». «إيه يعني مات كام واحد مسيحي، لو مسلم ما كانش حد اتحرّك، النظام بيحمي المسيحيين». «كده كده رايحين النار». «ضحايا التفجيرات من المسلمين اتصرف لهم كل واحد 10 آلاف جنيه، والمسيحي 100 ألف!». «هما كفرة أساساً بنص القرآن». هذه العبارات الأخيرة من صفحات فيسبوك تعليقاً على حادث الكنيسة البطرسية. بالطبع لم تكن هذه هي الأصوات الوحيدة، فهناك العديد من المصريين تفاعلوا وغضبوا مما حدث، ويعون جيداً أن الدم المصري سواء، إلا أن فريق دار الإسلام ودار الحرب، لا يُستهان به، وأن جموعا كبيرة مهما تعاطفت لا تستطيع نفي الكُفر عن هؤلاء. فأين الدولة وإعلامهما مما يحدث وما يتم بالفعل على أرض الواقع من خلال التعاملات اليومية بين المسلمين والمسيحيين المصريين، مهما تم التقاط التصاوير لشيخ وقس، ومهما تعانق هلال مع صليب، ذلك في ظل دولة أمنية يغيب عنها تماماً مفهوم المواطنة، وتستند إلى المفاهيم الدينية وفق هواها وحسب مصالحها.
محمد عبد الرحيم