الإعلام وحادث الواحات: التخبط والتجهيل بين المؤامرات وتبادل الاتهامات

القاهرة ـ «القدس العربي»: لم يكن حادث الواحات البحرية هو الأول، ولن يكون الأخير في ظل سياسات قمعية، لا ترى سوى تمهيد الجو العام المصري ــ ولو بالإكراه ــ بالمشاركة في حملة «علشان نبنيها» وهي الحملة ــ التطوعية ــ التي تلاقت حولها جموع الشعب المغلوب على أمره لمناشدة ورجاء الرئيس المصري بالترشح لفترة رئاسية أخرى. وفي ظل التهليل والضجيج للحملة المزعومة، والتوقيع بالموافقة على الهواء في العديد من البرامج على تباينها، بداية من البرامج الموسومة بالسياسية وصولاً إلى برامج (الطبيخ) وبينما الحفل يقام في كل لحظة، يأتي حادث الواحات، ليكشف مدى ما وصلت إليه الحالة الأمنية المصرية، والتي تتباهى يومياً بما تحققه من إنجازات في سبيل محاربة الإرهاب، وهذه المقولات المألوفة. ومن هنا جاء دور الإعلام لتبدأ ماكيناته في مواكبة الحدث، ومحاولة البحث عن أسباب أو سبب منطقي لما حدث، فالإعلام الآن هو المسؤول عن محادثة الشعب، في ظل غياب أي مسؤول سياسي يصدر بياناً حسب موقعه الرسمي في الدولة. وبما أن الجميع لزم الصمت وفي مقدمتهم المسؤولون جاءت التكهنات الإعلامية المتضاربة، فهم يتحدثون عن حادث مجهول المعلومات، اللهم بعض التعليمات الضبابية التي وصلت للقنوات ومقدميها، وكل حسب طاقته وموهبته في الحديث وشغل ساعات الإرسال الممتدة، دون نسيان مفردات .. تعطيل مسيرة التنمية، والحقد على ما حققته الحكومة والنظام السياسي على المستوى الاقتصادي، والأهم .. التأكيد على النداء الشعبي الطفولي إلى السيد الرئيس باستكمال مسيرة العطاء «علشان نبنيها».

Share your love

الإعلام وحادث الواحات: التخبط والتجهيل بين المؤامرات وتبادل الاتهامات

[wpcc-script type=”fbb9427f7905619c8a2a6d52-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: لم يكن حادث الواحات البحرية هو الأول، ولن يكون الأخير في ظل سياسات قمعية، لا ترى سوى تمهيد الجو العام المصري ــ ولو بالإكراه ــ بالمشاركة في حملة «علشان نبنيها» وهي الحملة ــ التطوعية ــ التي تلاقت حولها جموع الشعب المغلوب على أمره لمناشدة ورجاء الرئيس المصري بالترشح لفترة رئاسية أخرى. وفي ظل التهليل والضجيج للحملة المزعومة، والتوقيع بالموافقة على الهواء في العديد من البرامج على تباينها، بداية من البرامج الموسومة بالسياسية وصولاً إلى برامج (الطبيخ) وبينما الحفل يقام في كل لحظة، يأتي حادث الواحات، ليكشف مدى ما وصلت إليه الحالة الأمنية المصرية، والتي تتباهى يومياً بما تحققه من إنجازات في سبيل محاربة الإرهاب، وهذه المقولات المألوفة. ومن هنا جاء دور الإعلام لتبدأ ماكيناته في مواكبة الحدث، ومحاولة البحث عن أسباب أو سبب منطقي لما حدث، فالإعلام الآن هو المسؤول عن محادثة الشعب، في ظل غياب أي مسؤول سياسي يصدر بياناً حسب موقعه الرسمي في الدولة. وبما أن الجميع لزم الصمت وفي مقدمتهم المسؤولون جاءت التكهنات الإعلامية المتضاربة، فهم يتحدثون عن حادث مجهول المعلومات، اللهم بعض التعليمات الضبابية التي وصلت للقنوات ومقدميها، وكل حسب طاقته وموهبته في الحديث وشغل ساعات الإرسال الممتدة، دون نسيان مفردات .. تعطيل مسيرة التنمية، والحقد على ما حققته الحكومة والنظام السياسي على المستوى الاقتصادي، والأهم .. التأكيد على النداء الشعبي الطفولي إلى السيد الرئيس باستكمال مسيرة العطاء «علشان نبنيها».
كان لابد في ظل غياب المعلومات عن الجميع أن يستعين الإعلاميون بجانب مخيلاتهم، وخبراتهم المتواضعة في ألعاب الفيديو جيم، بالخبراء الاستراتيجيين، والمعهودين، فما بين خبير أمني ولواء سابق ومَن هم على شاكلتهم، بدأ الـ «شو». حكايات بعيدة عن المنطق وتلفيقات تتواتر حتى تصبح حقائق في وعي الناس. الغريب أن الخبراء على اختلافهم واختلاف القنوات التي استضافتهم كرروا الكلام نفسه، وكأنه بياناً تم توزيعه عليهم في عجل، كلام هلامي أقرب إلى الهلاوس، فالإرهاب الغادر لن يعطي إنذاراً مثلاً لبدء عملية مثل هذه، وأن الشجاعة والإقدام هي التي دفعت على مواصلة القتال، لكن الغدر هو السبب، وكأن الأمر لعبة (العسكر والحرامية) التي يتسلى بها أطفال الحواري في مصر.
عرضت بعض القنوات تسريبات صوتية ــ لم تتأكد صحتها ــ عن بعض الضباط يطلبون الإمدادات من جهة، واستجداء ضابط آخر من جهة أخرى لتركه وعدم قتله ــ تؤكد الداخلية المصرية خبر مقتله أو استشهاده، بينما جثمانه مفقود حتى الآن ــ الأمر الذي أصر عليه الإعلام هو عدم اختطاف الضابط، ولكنه استشهد، وأن الأمر لا يعدو محاولة فقدان الثقة بالشرطة ونضالها في محاربة الإرهاب. أما الخيانات والوشاية التي انساقت من خلالها مجموعة الضباط والجنود، وهو ما أشبه بالـ (الفخ)، فالبعض يلمّح أنها وشاية تخص أحد الضباط بوزارة الداخلية، مجرد خائن هو سبب الكارثة، وبالطبع جاء التلميح أكثر إلى ميول الخائن المجهول المتأسلمة، أو المتعاطفة مع المتأسلمين.
وكأي مناسبة يختلق منها الإعلام (زفة بلدي) تبادل العديد الاتهامات بينهم وبين بعضهم، إضافة إلى المناداة بالحزم في مواجهة ما يحدث، وما هي الإجراءات؟ تبدأ الإجراءات بالمحاربة من الداخل، كالمناداة بغلق فيسبوك ــ سبب كل المصائب ــ وتعديل قانون الإجراءات الجنائية، وسرعة المحاكمات والتقليل من ضمانات المتهمين أمام القضاء، فالأمر لا يحتمل هذه الديمقراطية الآن، ولابد من إجراءات حاسمة. صخب الغوغاء تم تجسيده عبر (وصلات الرَدْح) ضد كل مَن حاول التساؤل عن كيفية ما حدث، من عدم وجود خطة محكمة، أو تسريب معلومات، أو فشل النظام الذي يتغنى ليل نهار بمدى نجاحه في مواجهة الإرهاب، بداية بالخيانة وعدم الوطنية، والذمم المأجورة والتي تعمل لحساب أنظمة خارجية تريد تقويض الدولة.
وتطالعنا عناوين الصحف ــ حكومية أو خاصة فالأمر سيان ــ بمانشتات أقرب إلى مانشيتات حزيران/يونيو 1967: سنقاتل وسنصمد، دون أي معلومة ذات قيمة، أو حتى توحي بشيء من الحقيقة. يبدأ الأمر من تصدير محاربة الإرهاب نيابة عن العالم، فهذا قدر مصر، ومن هذا المبدأ يمكن استقبال المقالات والآراء الواردة في الصحف، عن الدور الريادي والاستعداد لتقديم العدد الأكبر من الشهداء. بخلاف ذلك جاءت أصوات صحافية مختلفة على استحياء، تحاول البحث وتحليل الحدث، لكنها لاقت مصيرها من السباب واللعن في الفضائيات. دارت مقالاتهم عن التخاذل والتسرع من جهة، كذلك المناخ القمعي الذي تعيشه مصر، والذي قد يجد في الحادث ذريعة مُثلى لمواصلة عمليات القمع، من القبض والحبس العشوائي، إضافة إلى محاربة أصوات الهامش، والمتمثلة في الجمعيات الأهلية والحقوقية.
على الجانب الآخر يبدو التباين الشديد في تحليل الحدث وتداعياته، والمقصود هنا بالفضائيات التي لا تتبنى وجهة نظر النظام السياسي المصري، وهي بالطبع توصف بداية بالعمالة والخيانة وكل المترادفات والصفات المعهودة. هذه الأصوات المعارضة حاولت من جانبها النظر بشكل أشمل للحادث، وأرجعته في الأساس إلى طبيعة النظام وأسلوبه في مواجهة القضايا. بداية من فرض وجهة النظر الوحيدة على الجميع، والصلف السلطوي ويقينه المطلق في صحة ما يفعله. توافق المعارضون على (الفخ) الذي انساق إليه رجال الشرطة، وعن مدى التقصير الأمني وفشله في مواجهة العملية الإرهابية الجديدة. المعارضون استعانوا بدورهم بمحللين وخبراء أمن من المعارضين لما يحدث في وزارة الداخلية، فلا خطة مُحكمة تم وضعها ولا معلومات دقيقة، وقد وصف أحدهم الأمر بأنه للعملية الانتحارية أقرب، منها إلى مواجهات أمنية، مع التشديد على أنها عملية انتحارية لا يعلمها مَن قاموا بها.
وكالعادة تخرج الأصوات الدينية في الفضائيات ــ مسيحية أو إسلامية ــ تدعو للشهداء، وتتمنى ميتتهم التي وعدهم الله بها. المزيد من المخدرات يتم بثها من وقت الحادث، الكلام نفسه يكرره رجال الدين أمام الجميع، فالشهداء الآن في عالم أفضل من هذا العالم الذي نحياه، وكلنا نسعى لهذا المصير الذي كتبه الله لعباده المخلصين. هنا يبدو التواطؤ المزمن ما بين الديني والسياسي، المزيد من التغييب والتجهيل، والابتعاد عن كشف الحقائق والأسباب المنطقية لهذه الكارثة. فما بين إعلام مرئي أو مقروء، وما بين خُطب الجوامع والكنائس ــ مسبوقة التجهيز ــ ومناخ قمعي من تعذيب وقبض عشوائي، ومستوى اقتصادي يجعل الجميع شهداء بالحياة، ستتكرر مثل هذه الحوادث، ليصل الأمر إلى اعتيادها، في ظل نظام مطلق اليقين، وهوس ديني يُبشر بجنة تنتظر الجميع في النهاية.

الإعلام وحادث الواحات: التخبط والتجهيل بين المؤامرات وتبادل الاتهامات

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!