«التاريخ كدافع للتغيير» ضمن فعاليات «مزج» في القاهرة… الروائي بروح الوثائقي في أعمال البريطاني بيتر واتكينز
[wpcc-script type=”60657f43b9d837798c05880e-text/javascript”]
القاهرة ـ «القدس العربي»: الأسلوب الوثائقي في الفيلم الروائي، وكيفية إعادة أو خلق الحدث التاريخي، من دون الاكتفاء بتوثيقه عبر النشرات والجرائد السينمائية، إضافة إلى استخدام التوثيق في الفعل الثوري ذاته. هذه الأسئلة كانت محاور الندوة التي أقيمت ضمن فعاليات برنامج «مزج» للفيلم الوثائقي، التي حاضر فيها المخرج والصحافي اللبناني رائد رافعي في سينما زاوية في القاهرة. مُستلهماً أعمال المخرج البريطاني بيتر واتكينز «1935 ــ « إضافة إلى تفعيل التوثيق ودوره في أحداث ثورة الطلبة عام 1968 في فرنسا.
ثورة الطلبة وتداعياتها
قامت ثورة الطلبة 1968 في فرنسا وامتدت إلى أوروبا، اعتراضاً على القيم الاجتماعية ونظام التعليم، كذلك النظام الاقتصادي والسياسي، وطالت حالة الثورة العديد من البلدان خارج أوروبا وقتها، أصبحت حالة أكثر منها فعلا ثوريا، وكانت لهذه الحالة تبعات فنية وثقافية، خاصة بعد انضمام العمال إلى الطلبة، وتم إحياء شعارات قديمة من بدايات القرن، وبعد الحرب العالمية الأولى، كشعارات السرياليين التي أصبحت تحتل الجدران مرّة أخرى، وعلى رأسها الشعار الشهير «ممنوع المنع».
الوثائقي ودوره
أوضح رائد رافعي مدى الدور الذي قام به التوثيق الفيلمي خلال هذه الثورة، خاصة في مواجهة الإعلام الرسمي للدولة، واتحادات العمال الموالية للنظام السياسي، حيث قام العديد من الهواة بتصوير ما يحدث في الأماكن البعيدة وعرضها بين العمال في مصانعهم، بخلاف الأخبار الزائفة التي تبثها وجهة النظر الرسمية. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى قام العمال أنفسهم بمساعدة بعض التقنيين السينمائيين الشباب بتوثيق حواراتهم ونقاشاتهم في ما يحدث، وهو أمر خلق شكلاً جديداً من أشكال الفيلم الوثائقي، هذه الحوارات التي لم تكن في البداية لأي هدف جمالي على مستوى التكنيك، أصبحت تخلق جمالها الخاص، من خلال قوة التجربة وحيويتها، فانتقل الأمر إلى فعل تحريضي أكثر منه مجرد حفظ أو أرشفة للذكريات.
هذه اللقطات التي وضعت بعد ذلك في سياق أشبه بالسياق الروائي، مما جعل العمال في حالة الوقوف على منصة الخطاب ــ الخطاب السينمائي ــ وهو شكل من أشكال السُلطة، التي كانوا يفتقدونها، فالعامل أصبح بطلاً كما أبطال الأفلام، ورأى الناس أنفسهم بأنفسهم كيف يتكلمون ويتناقشون، ويواجهون رجال البوليس، ويتحدثون إلى الحشود كزعماء سياسيين. فالكاميرا هنا لم تقتصر على التوثيق، بل أصبحت عنصراً فعالاً ومُشاركاً في الأحداث. وليصبح الأمر أكثر تفاعلاً، حينما انضم إلى هؤلاء الثوار كل من جان لوك جودار وكريس ماركر، ليقوما بتصوير أفلام تحكي ما يقومون به في إطار خيالي/روائي، بأسلوب وثائقي… من حركة كاميرا لا تحيط بكل ما يحدث، متوترة، وحالة من الصراع المزمن في كل لقطة، كحال الثورة، كدلالة على سقوط يقين المعرفة، وانتظار ما سيحدث بيد هؤلاء.
تجربة بيتر واتكينز
تأتي تجربة بيتر واتكينز عن طريق خلقه إطاراً خيالياً/روائياً من خلال أسلوب وثائقي، يبدو هذا في العديد من أعماله، خاصة لعبة الحرب 1965، حديقة العقاب 1971، La Commune 2000. ويُشير رافعي إلى أن هذه التجربة تختلف تماماً عن تجارب مخرجين آخرين لديهم الفكرة نفسها، مثل جان روش، الذي يخلق واقعاً سينمائياً، من خلال تعامل الأشخاص العاديين مع الكاميرا، من دون ملاحظة وجود كاميرا، من حيث الداء والحركة، أما واتكينز فعلى العكس، فهو حاضر دوماً، والإحساس دائم بوجود الكاميرا، إضافة إلى توجيه الأسئلة للمشاركين في الفيلم.
ويأتي فيلمه The War Game ليصوّر تبعات الصراع النووي، وحالة الرعب الحقيقي، التي تستهين بها وسائل الإعلام الرسمية، وقد تخيّل حال وقوع حرب نووية وتأثيرها على بريطانيا، فالتوثيق للحالة هنا لم يعد توثيقاً لحظياً لحدث ما، أو تأريخاً، بل تخيّل لحدث مُستقبلي… ماذا لو وقعت حرب نووية؟
التعامل مع الممثلين
ويبدو أن واتكينز يطبق منهجه من خلال تعامله مع الممثلين، فلا يوجد ممثلين محترفين إلا في حالات قليلة، أما الهواة فيتم النقاش معهم حول الشخصيات التي يودون آدائها من شخصيات الفيلم، هنا يدور النقاش بينه وبين الممثل أو الممثلة عن الشخصية، كل منهما يرسم الشخصية ويتخيلها، وماذا ستفعل أو تقول في هذا الموقف، لذلك لا نجد ديالوجات مكتوبة بالكامل في نسخة السيناريو، إذ أن الأمر يبدو بالفعل تلقائياً أمام الكاميرا، التي بدورها تساعد على هذه الحالة، بحركتها غير المستقرة، والتغاضي عند الضرورة لجماليات التكوين البصري في سبيل حالة العفوية هذه.
حديقة العقاب
يأتي هذا الفيلم في إطار جو رافض لما حدث في فيتنام، من خلال محاكمة لخلية ثورية في الولايات المتحدة، وتخييرهم إما قضاء عقوبة الحبس، أو الذهاب إلى الصحراء والسير مسافة طويلة، إما أن يصل أحدهم إلى سارية العلم الأمريكي فيَنجو من العقوبة بكاملها، وإما أن يموت. الحكاية ذات إطار خيالي/روائي، لكنها، خاصة في مشاهد جلسات المحاكمات ذات أسلوب وثائقي.
الأمر الآخر أن واتكينز خلال الفيلم يناقش مصير الولايات المتحدة في ظل هذه الأجواء. وهو الفيلم الذي أوضح صورة أخرى لهؤلاء الثوار، غير الصورة التي رسمها الإعلام الرسمي في عقول المجتمع الأمريكي، مما أدى لمهاجمة الفيلم بشدة، ومحاربته، إضافة للتهميش المُتعمّد للمخرج، رغم دوره في عمل سينما مختلفة، تجعل من الفن السينمائي فعلاً إيجابياً يخلق حالة من الوعي بين الناس، بخلاف السينما الاستهلاكية الأقرب إلى المخدرات منها إلى الفن، والتي لا تقتصر على دولة نامية مقارنة بأخرى متقدمة، فهناك نظام اقتصادي يتبعه آخر سياسي حريص على وجوده أكثر من وجود هذه الدولة أو تلك.
محمد عبد الرحيم