«الدولة تعلّمِنا الأدب»… ندوة نظمها منتدى الدين والحريات: مناقشة مفهوم الدين والأخلاق والنظام العام بعد الثورة المصرية
[wpcc-script type=”2647fa9bb995c51655f66239-text/javascript”]
القاهرة ـ «القدس العربي»: يظل مصطلح النظام العام كمعيار يتغيّر وفق مفهوم السُلطة الحاكمة، التي تصوغه من خلال منظومتها الفكرية والعقائدية، فتحاول ضبط سلوك المواطنين تبعاً لهذا الهوى.
الأمر الآخر هو أن تحاول هذه السُلطة أو تلك التظاهر بشكل ما من أشكال الانضباط، وبأنها وفق هذا المفهوم الممثل الوحيد لقيم مُنضبطة، خاصة في ظِل مجتمع يقدس معايير الانضباط هذه، أو يتظاهر بها بدوره. وتحت عنوان «الدولة تعلّمنا الأدب» نظم منتدى الدين والحريات ندوة من خلال (المُبادرة المصرية للحقوق الشخصية) لاستعراض معيار النظام العام والآداب في ظِل النظام السياسي الحالي. ويبدو أنه بعد 30 حزيران/يونيو تحاول الدولة إحداث نوع من اﻻنضباط في المجال العام، تفرض من خلاله على المواطنين طريقة معينة للتدين أو للسلوك الشخصي، ينبغي التزامهم حدودها، وإلاّ تضمّن ذلك إخلالاً بالنظام العام.
اللعب بورقة حراسة القيم
في البداية تحدث عمرو عبد الرحمن مدير وحدة الحريات المدنية، بأن العام الفائت شهد حملة منظمة للحد من الحريات الشخصية والحريات العامة في أمور لم تكن على أولوية جدول أعمال اﻷجهزة اﻷمنية والقضائية خلال العقد اﻷخير، فكانت حملة منظمة ــ هي اﻷكبر في التاريخ ــ على المثليين تضمنت تعقبهم في اﻷماكن العامة واﻷماكن الخاصة. صحبتها حملة إعلامية وصلت إلى القبض على أكثر من 20 شخصا في ما يُعرف بقضية «حمام باب البحر» مع وجود إعلامية ترافق الشرطة وقت اقتحامها للحمام! كما شهد العام نفسه ملاحقات متعددة ضد المواطنين المنتمين للمذهب الشيعي، وكذلك حملة على مواطنين مسيحيين، وتم القبض على بعضهم بتهمة التبشير، منهم على سبيل المثال أحد رعاة الكنيسة، على الرغم من عدم وجود تهمة تمنع المواطن المسيحي من الدعوة لدينه، وتم توجيه تهمة ازدراء الأديان للمواطنين الشيعة وبعض المسيحيين. ويرى عبد الرحمن أن سبب ذلك يكمن في المنافسة الايديولوجية بين النظام الحالي واﻹخوان المسلمين، فالنظام يحاول أن يظهر بمظهر أنه ليس بأقل إسلامية من نظام الإخوان، وذلك على حساب قضايا الحريات الشخصية والحريات العامة. ويضيف بأن السؤال يكمن في كيفية حدوث ذلك، لأن تضييق الحريات هذا يحدده القانون، من خلال نصوصه، فعند التضييق على ممارسة الشعائر الدينية لطوائف غير معترف بها مثل البهائيين، نجده يستند إلى قرار جمهوري بإغلاق المحفل البهائي عام 1960.
نتائج مُشابهة
ويُشكل الميل المحافظ للدولة السلوك نفسه لدى الإسلاميين، لكن بأسلوب ومنطلقات مختلفة، وإن كانت النتائج في النهاية متشابهة، فهناك رؤية سيادة الدولة على الدين وهي الموجودة في مصر، ورؤية يحاول الإسلاميون إحياءها وهي الدولة الخاضعة لسلطة الدين.
السيادة الشعبية وحقوق الأقلية
وفي الأخير يبدو أن الحل ليس بمزيد من العلمنة، ولكن من خلال التفكير في ما بعد الدولة القومية، وسيادتها المطلقة، أي بأن تتحول السيادة الشعبية من كونها حق مكفول في الدستور إلى ممارسة يومية، وجزء منها يتمثل في إقرار حق اﻷقلية الدينية في حرية ممارسة شعائرها الدينية.
الفزع الأخلاقي
وأشارت «داليا عبد الحميد» مسؤولة ملف النوع الاجتماعي وحقوق الإنسان، إلى أدوات الدولة في ما تدّعيه من محافظة على النظام العام، وهي … الشرطة، القضاء، الإعلام، والمؤسسات الدينية. هذه الأدوات التي تعمل من خلال ما يُسمى (الفزع الأخلاقي)، وهو ما تثيره الدولة ضد مجموعة مختلفة على أنها تمثل تهديداً لقيم المجتمع، وهو ما يحدث عادة أوقات الركود أو الاضطرابات أو الحكومات اﻻنتقالية، هذا التعريف ينطبق إلى حد كبير مع النهج التي تعاملت به الدولة مع المثليين والمتحولين جنسياً، في ما بعد 30 حزيران/يونيو.
الشرطة
وهي توضح مدى أداء الشرطة، التي تعمل من خلال إساءة استخدام القانون، وهو الملمح الأساسي في حالات التتبع والملاحقات اﻷمنية، اﻷخطر من ذلك أنها تخلق قضايا ليست موجودة وتظهر نفسها بمظهر المحافظ على اﻷخلاق، فهي ترتكب جريمة التحريض والاستدراج عبر خلق حسابات وهمية على مواقع التواصل التي تخص المثليين، ثم تقوم باستدراجهم والاتفاق معهم، وبعدها تقوم بالقبض على مَن تتفق معه وتوجه إليه التهم، واتضح ذلك جلياً في القضية الشهيرة، المعروفة بـ (كوين بوت) عام 2001.
الإعلام
إضافة إلى ذلك، تقوم الشرطة بتسخير اﻹعلام لخلق حالة استعداء من خلال السماح لبعض وسائل اﻹعلام بالتصوير ونشر تفاصيل عن المثليين، ونجد أيضاً عناوين من عينة (سقوط أكبر شبكة للشواذ)، (المتهم صوّر نفسه بقمصان النوم)! هذا التعاون اﻷمني واﻹعلامي بلغ ذروته في قضية (حمام باب البحر) والذي قامت فيه الشرطة بخلق مسرحية لحدث القبض على 26 رجلاً داخل حمام شعبي، واصطحبت معها المذيعة (منى عراقي)، وتم نشر صور للمتهمين حال القبض عليهم في انتهاك للقانون، وكان نتيجة ذلك أنه دفع شاباً لمحاولة الانتحار لعدم قدرته على التعامل مع الفضيحة التي حدثت له. هذه الإجراءات والأساليب دفعت بالقاضي الذي نظر القضية بأن يُصدر حُكمه بالبراءة لعدم إطمئنانه لمحاضر وإجراءات الضبط.
المؤسسات الدينية
وتأتي المؤسسات الدينية لتكتمل الدائرة، وهدفها إضافة إلى كونها جزءا من اللعبة، يبدو في كونها في منافسة مع اﻹسلاميين على مَن يمثل اﻹسلام الصحيح. والجميع في النهاية يستند إلى قناعات لدى الناس تدين هذه الأفعال ــ حتى ولم تثبت صحتها ــ فالدولة على سبيل المثال في انتهاكاتها ضد المثليين تعتمد على حالة العداء المجتمعي ضدهم، والتبرير المجتمعي لما يحدث لهم، حتى ولو لم يكن هناك تبرير قانوني. والأمر برمّته يأتي كشكل لإلهاء الناس عن قضايا اقتصادية واجتماعية تؤرق حياتهم.
محمد عبد الرحيم