«الرغبة في العيش» للمصور العراقي تيسير مهدي: الفوتوغرافيا وروح الحدس الفني
[wpcc-script type=”6acfac77e57027c741933fc5-text/javascript”]

الصورة الحدث
الصورة التي حصل بها على الجائزة الأولى مؤخرا في مسابقة عالمية، وسبق أن حصلت الصورة نفسها على جوائز أخرى، لا تختلف في واقعها عن آلاف المشاهد التي نصادفها في الحياة اليومية في العراق، أو في الشعوب التي خاضت حروبا، لكن عين مهدي كانت أكثر إحساساً لهذه الصورة، التي جعل منها حركة سينمائية وفيلما يمكن أن يحكي القصة التي تتشعب إلى حكايات أو قصص أو معانٍ أو حكمة. حكاية الفتى المعاق وهو يتحدى الطفولة لكي يمارس هوايته أو محبوبته كرة القدم. يلعب بثلاث سيقان، اثنتين من ألمنيوم وواحدة تركت اختها تسرقها الانفجارات التي يهديها الإرهابيون إلى الناس، فيجعلون منهم أحجية لحكايات الموت العديدة.
في الصوة ثمة غبار المباراة بين أربعة صبيان، ثلاثة يركضون خلف رابع يحمل ثلاث سيقان. والصورة ليست (مصطنعة) لأن تعابير الصبيان الثلاثة توحي بأنهم جادون في اللعب مع صاحب الأرجل الأربعة.. الذي يركض بهمة عالية كأنه يتحدى أربعة أنواع من المضامين المتناقضة.
الصورة ليست لقطة عابرة، أو تدخلا في باب التحدي، بل هي معنى وجسد إنساني أدخل فيها المصور روحا وترك الحقول الخضر خلفه، يمنعها الضباب ليزرع خضرته هو بعينه ليقول إن خضرة المعاق أجمل وأكثر نتاجا وحصادا، لأنها تدخل في باب الجمال وزرع الأمل حتى إن علامات الصبية المحيطين به لا يبالون لساقه الرابعة الهاربة، ولا يصارعون الثلاث سيقان القافزة فوق التراب أو الملعب الترابي الذي كونه الفقر والعوز، مثلما كونه التحدي لما يعتصر قلب الصبيان في العراق، الذي تحمل الحروب. صورة ناضجة بالأمل مثلما هي رائجة بالاكتشاف، حتى إن عنوان الصورة «الرغبة في العيش» أعطت مدلولا أكثر من الرغبة في الحياة لأن المعاكسة بين الاثنين هي الجمال وعدم الرضوخ إلى الموت أو التقاعس في حين الرغبة في الحياة تعني مقابلها الخوف والخمول والاستسلام.
البداية الحلم
تيسير مهدي ــ من مواليد 1985 بكالوريوس لغات في جامعة بغداد ــ ليس فنانا فطريا فهو يضع الحدس حيث يكون الفن، وليس حيث يكون الشك والظن. والتصوير بالنسبة له كما يقول جاء بسبب حلم كان يراوده لفهم الإنسانية واكتشاف أماكن وثقافات أخرى، وأنه يستخدم التصوير كأداة لتحقيق هذا الحلم. وكان يحب دراسة فن الرسم والغرافيك، ولكنه اتجه لدراسة اللغة الإسبانية ثم اتجه إلى التصوير، لأنه يرى أن الصورة اليوم لها تأثير كبير أكثر من الفنون الأخرى. وبين أن تكون هواية ومهنة ليست فقط من أجل المال، بل وسيلة لنقل ما تراه عيناه وعقله لما هو حوله من شخوص ومواقف وتفاصيل الحياة بشكل تجريدي أو انطباعي أو رمزي أو فني، رغم أنها بدأت هواية ولا ينكرها، لكنها تطورت إلى أن أصبحت جزءا من حياته الخاصة والعامة. كما يهدف إلى التقاط صور فردية قوية كونه يدرك دائما كيف يمكن للصور أن تبنى على بعضها بعضا لخلق تغطية شاملة لموضوع أو حدث أو وجهة، حتى يتسنى للمشاهدين الحصول على شعور ما قد يكون مثل التجربة، ويؤكد أنه يهدف لإضافة شيء جديد.
جوائز مختلفة
لم تكن صورة الفتى المعاق وكرة القدم والتحدي، الصورة الوحيدة التي أهلته للحصول على المركز الأول في فئة «الرياضة» في مسابقة أندريه ستينين الدولية للتصوير الصحافي لعام 2018 التابعة للمؤسسة الإعلامية «روسيا سيغودنيا»، فقد حصل مهدي على عدد آخر من الجوائز بلغت 12 جائزة عالمية ومحلية، منها جائزة الاتحاد العالمي للتصوير الفوتوغرافي FIAP والجمعية الأمريكية للتصوير PSA وكذلك المركز الأول في المهرجان الأردني للتصوير الفوتوغرافي، وأيضا الجائزة الكبرى في مسابقة النخلة الدولية التي أقيمت في دولة الإمارات، التي تعد واحدة من أهم المسابقات في التصوير الفوتوغرافي لدى المصورين، فضلا عن جائزة الإبداع في الصين، كذلك حصوله على الميدالية الذهبية من الجمعية الأمريكية للتصوير الفوتوغرافي والميدالية الذهبية في أيرلندا ووسام الشرف في صربيا ووسام شرف من قبل نادي كولا الإيطالي وعلى أفضل صورة لعام 2013 على المستوى العربي.
٭ روائي عراقي