الروائي الفرنسي روبير سوليه: أنا نتاج الفرانكفونية ولستُ نبياً لأعرف مُستقبل مصر
[wpcc-script type=”9b4dec2309150f0a6305977d-text/javascript”]
القاهرة ـ «القدس العربي»: بمناسبة صدور روايته «فندق مهرجان» استضاف المركز الثقافي الفرنسي في القاهرة الكاتب الصحافي والروائي الفرنسي «روبير سوليه» المولود في القاهرة عام 1946، والذي دارت أعماله رغم تنوعها عن مصر وحياة المصريين، نذكر منها: الطربوش، مزاج، مصر ولع فرنسي، سهرة في القاهرة، المملوكة، سقوط الفرعون، السادات، وروايته الأخيرة، التي صدرت في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي عن دار (سوي). وذلك من خلال ندوة حوارية أدارتها وأجرتها أمل الصبان الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة.
إنها روايتي الأولى
في البداية تحدث سوليه عن روايته «فندق مهرجان»، ذاكراً أنها رغم كونها الرواية السادسة في مسيرته الروائية، إلا أنه يعتبرها روايته الأولى، «كتبتُ سطورها الأولى وأنا في سن التاسعة عشر، ثم بضع صفحات، وعدتُ إليها بعد خمس عشرة سنة وحاولت كتابة النص، لكنني كنت غير مقتنع بما كتبته، حتى ظهر النص أخيراً في صورته الحالية … أنا لا أتحدث عن فندق، لكن روح الكتاب دارت حول هذا المكان المُتخيّل. وهنا أكتب بحرية قصوى، فلا يوجد تقيّد بالتاريخ كما في أعمالي الروائية السابقة التي دارت حول مصر. ولن أقص هنا الرواية، هناك الفندق الخيالي، وتبدو الحكاية من وجهة نظر شاب يسرد حياته وفترة طفولته خاصة، ويحلم بهذا المكان ويراه من بعيد، ويتجلى حلمه في الذهاب ودخول هذا المكان، فهو قاصر على الفئة الغنية، ولا يدخله إلا خاله الثري ليلعب البريدج، هو في النهاية بمثابة الجنة المُحرّمة على الشاب، حتى اليوم الذي يدخل إليه من خلال أحد الأصدقاء، ليرى الشاطئ من إحدى شرفات الفندق.
ثم قامت «أمل الصبان» بمناقشة الكاتب حول روايته وعالمه الروائي، وما يتعرض له من وقائع تتماس مع أهم الأحداث التي مرّت بها مصر، كذلك امتد الحوار إلى اللحظة الآنية، والتطورات التي شهدتها مصر منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني، التي ستحل ذكراها الخامسة قريباً.
■ هل تشبه هذه المدينة الخيالية ضاحية مصر الجديدة، خاصة وقد شهدت طفولتكم؟
□ لا أتحدث عن مدينة يمكن إيجادها على الخريطة، بها بالتأكيد بعض من ملامح مصر الجديدة/ هوليوبوليس، ولا يمكنني نسيان طفولتي الرائعة بها، الطرز المعمارية والموضة، وقتها كانت مدينة صغيرة في قلب الصحراء، كانت إسكندرية مُصغّرة، خليط من الديانات والأصول العرقية المختلفة والانتماءات، فما بين هوليوبوليس والأسكندرية نشأ عالمي الخاص.
■ حالة النوستالجيا هذه إلى أي مدى تسيطر على رؤيتك؟
□ هنالك حالة صداقة مشتركة وحيوات بين الأشخاص في ذلك الوقت، جنسيات مختلفة وأناس يعيشون سوياً، مسلمون، ومسيحيون ويهود، من المصريين، أو الذين أصبحوا بعد ذلك. لكن مفهوم الكوزموبوليتانية هذا له حدود، فهذا الحِس يتوقف عند مسألتي الزواج والحب، هناك مشكلات لا ولن يمكن حلها. ومن هنا تبدو النوستالجيا حالة معقدة، أو بمعنى أدق البحث والحياة الخيالية ضمن عالم مفقود. فالبحث من خلال هذه الحالة له حدود أيضاً، وإلا كنت في حالة انغلاق على نفسي، ولم أتواصل مع مصر حتى الآن.
■ كيف ترى تبعات طرد اليهود من مصر، وانعكاس ذلك على الحياة الاجتماعية؟
□ لم يكن العام 1956 عادياً، ولم يقتصر على طرد اليهود فقط، بل والفرنسيين أيضاً، ذلك كان له أبلغ الأثر عليّ شخصياً، فقد تم طرد المدرسين والزملاء والأصدقاء. أما طرد اليهود فهو مأساة، فهم عائلات مصرية منذ القِدم، والكثيرون لا حيلة لهم، وأصبحوا بالمصادفة ضحية لما حدث في المنطقة. من ناحية أخرى نجد المؤسسات الاقتصادية الكبرى، التي كان يمتلكها اليهود في مصر، مما أدى إلى إضعاف مصر اقتصادياً. أما التأثيرات الاجتماعية فتتمثل في كون اليهود كانوا ينتمون إلى كافة الطبقات الاجتماعية، ومتداخلين في نسيج الحياة المصرية. وأعود إلى الرواية، فالفندق ليس مصر، لكنه مكان مُتخيّل تماماً في مخيلتي فقط.
■ أغلب أحداث الرواية ارتبطت بالفترة من العام 1956 وحتى العام 1970، ومن العام 1970 وحتى 2011 جاءت كتعليق سريع في حوالي 20 صفحة، وهو أمر يثير الدهشة، ما تفسيركم؟
□ هنا سأتحدث عن الوقائع وأترك الرواية. هناك تواريخ هامة بالفعل وجوهرية منذ العام 1956، وصولاً إلى العام 1967 عام الكارثة المُطلقة، لأنها تركت مصر في حالة مُزرية، وتبخرت وقتها فكرة العروبة والوحدة العربية، وأصبحت السعودية ذات ثقل في الأحداث، والبترودولار يموّل الأصولية. أما في العام 1973 فنجد محاولة مصر لمحو هذه الذكرى، وأصبح السادات يحارب من أجل تحقيق السِلم. هذه السنوات من الأهمية إذا كنا نريد أن نفهم ما يحدث الآن.
■ ما رد فعلكم وكذلك فرنسا على أحداث ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011؟
□ ثورة 25 يناير/ كانون الثاني تابعها العالم بأسره، على العكس مما حدث في تونس وليبيا، لأن ميدان التحرير في مصر تركزت فيه فضائيات العالم، متابعين الثورة على الهواء، فهناك صفحة من صفحات التاريخ تُكتب أمام أعيننا، لنرى كيف سجّل الإعلام الطموح والحماس والروح المدنية، ورسم كل ما هو جميل في مصر. وبعد التخلص من (الفرعون المخلوع) شعرنا أن الروح تغيرت، والأشياء انقلبت، فالجميع شعر وفهم أن الثورة والديمقراطية لا تتحقق بالانتقال السريع من السلطة الديكتاتورية. كانت هناك الكثير من الدروس المُستفادة خلال الخمس سنوات الماضية، فتعلم الجميع الحُكم بشيء من الدِقة. أما وسائل الإعلام فلها آلية أخرى. المصريون يقولون أن هناك مؤامرة أوروبية في وسائل الإعلام، ونحن لا نفعل ذلك، بل نكتب بحرية.
■ لكن هناك بعض الوسائل تمتلك السيطرة ورسم الصورة العامة!
□ الأمر ليس بهذا الشكل، وسائل الإعلام في حاجة دائمة إلى أحداث بسيطة، غير معقدة، فالجميع كان يرى الجانب الجميل في يناير/ كانون الثاني 2011، والآن يبدو الجانب الأسود. الأمر يتعلق بالواقع، الواقع الذي تغير، في الأخير نحن لا نأخذ الأوامر أو نكون لعبة في يد السلطة، أتحدث عن الدول الديمقراطية، فهناك حالات قمع حدثت بالفعل من جانب الجيش والشرطة، نحن في الحقيقة لا نهتم إعلامياً بمصر إلا من خلال زاوية حقوق الإنسان. ومن ناحية أخرى، هناك بالفعل اتجاه من تأثر وسائل الإعلام فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، والتأثر بوجهة نظر وزارة الخارجية، إلا أنها تغيرت، وللصحافيين أن يُعبروا عن ذلك- الموقف المختلف- وهو ما يحدث الآن بالفعل.
■ وماذا عن ردود فعل الشرطة الفرنسية في الأحداث مؤخراً؟
□ الشرطة الفرنسية أحياناً تقوم ببعض الأخطاء، ولكن حسب ما أعلم لا يوجد أي شخص يتم تعذيبه في أقسام البوليس، أنا لا أريد المقارنة الدقيقة بين ما يحدث في مصر وفرنسا، هذا لا يعني أن الشرطة غير عنيفة، أما مسألة التعذيب فلا.
مستقبل مصر
جاءت بعد ذلك العديد من مداخلات الجمهور، نستعرض أهمها، ومنها السؤال عن رؤية «روبير سوليه» للمستقبل، فكان الرّد بأنه كاتب ومؤرخ وليس نبياً أو مُتنبئ يستطيع إدراك المستقبل. إلا أنه ذكر أن هناك مشكلة الأمن والاقتصاد، كما أن التعليم هو المشكلة الكبرى والأساس، ولابد من توجيه الملايين لإصلاح الدولارات، هذه هي القوة الوحيدة في مصر. وبالنسبة للأقباط يبدو من الجيد إشراكهم في الحياة السياسية، وها هو الرئيس يزور الكاتدرائية في أعياد الميلاد، لكن هل تم حل مشكلات قانون الأحوال الشخصية؟! وكذلك مشكلة بناء الكنائس؟! ومن ذلك نجد مشكلة (الدين) الزائدة عن اللازم في الحياة الاجتماعية، المكانة الكبيرة للدين وفرضه على المجتمع، دون توافر الفكر النقدي، وبالتالي حرية الاعتقاد، والتي تعتبر أساس تكوين القوة والرؤية الاجتماعية الجادة.
محمد عبد الرحيم