العرض المسرحي «أنا هاملت»: شاب بائس يجتلس المقاهي ويسير في حواري القاهرة
[wpcc-script type=”cf9561121928e61c3857d837-text/javascript”]
القاهرة ــ «القدس العربي»: بمناسبة مرور 400 عام على ميلاد شكسبير (1564 ــ 1616)، هذه الذكرى التي يتم الاحتفال بها في العديد من مدن العالم، أقام المجلس الأعلى للثقافة ندوات ودراسات بحثية حملت عنوان «نحن وشكسبير». وفي الإطار نفسه تم تقديم العرض المسرحي «أنا هاملت» الذي تناول النص الشكسبيري في معالجة جديدة، وكمحاولة لأن يصبح هاملت إحد الشخصيات المعاصرة التي تحيا بيننا الآن.
ترجمة شكسبير إلى العربية
من خلال الجلسات البحثية التي أقيمت في المجلس الأعلى للثقافة في دار الأوبرا المصرية، والتي تناولت العديد من مظاهر التفاعل مع شكسبير ونصوصه، كطابع وشكل مسرح شكسبير، والسينما وكيفية تعاملها مع هذه النصوص، سواء في شكل مباشر أو أن يستوحي العمل السينمائي روح النص المسرحي، أو حتى شخصية من شخصياته، كذلك النظر إلى هذه النصوص من خلال نظرية اللسانيات النقدية. ومن أهم ما جاء من أبحاث هو كيفية انتقال هذه النصوص إلى اللغة العربية، وكيف تعامل المترجمون مع مسرحيات شكسبير. هذه الجلسة النقاشية دارت بين آراء كل من محمد عناني وأمية خليفة. بداية أشار محمد عناني ــ الذي ترجم عدة نصوص لشكسبير ــ أن المترجم لابد أن يقوم بدور يُشبه دور المُحرر، بمعنى ألا ينقل النص بحرفيته، ولكن الأهم روح النص وفحواه، إضافة إلى أن ترجمة نصوص شكسبير بالأخص لابد وأن تتم مراعاة الغرض من الترجمة، واستشهد عناني بتجربته في ترجمة «روميو وجولييت» التي أعاد ترجمتها مرّة أخرى، وقد ترجمها أولاً بغرض كونها عملاً تراجيدياً موسيقياً.
من ناحية أخرى أشارت أمية خليفة إلى ضرورة مراعاة ثقافة النص وعصره وكذلك ثقافة المُتلقي، وأوضحت ذلك من خلال عدة ترجمات عربية لنص «هاملت» لكل من خليل جبران ومحمد عوض ومحمد عناني، فالأول على سبيل المثال لم يلتزم بحرفيّة النص وحذف الكثير منه، وحرره من جميع الإحالات الزمنية المرتبطة بعصره. بينما جاءت ترجمة عوض فالتزم أمانة النقل عن النص الأصلي، وكانت هذه الأمانة هي مرجعه في عملية الترجمة، وأخيراً تأتي ترجمة محمد عناني، الذي التزم المفهوم التفسيري للنص، بحيث حاول خلق توازن بين الشكل والمضمون. ويُلاحظ أن أمية لم تتعرض لأهم ترجمات هاملت، والتي قام بها جبرا إبراهيم جبرا، التي جاءت أقرب لروح النص شكلاً ولغة عند انتقاله إلى العربية.
أنا هاملت
وضمن هذه الاحتفاليات أقيم عرض مسرحي على مسرح الجمهوية في القاهرة بعنوان «أنا هاملت». وهي رؤية مختلفة ومعالجة جديدة لهاملت شكسبير. العرض المسرحي من إعداد وإخراج هاني عفيفي، الذي اعتمد عدة ترجمات للنص، وهي ترجمات محمد عوض، جبرا إبراهيم جبرا، ومحمد عناني. وقد يرى البعض أن العرض المسرحي خان النص إلى حدٍ كبير، خاصة المُتمسكين بحرفية النص، إلا أنه لا يوجد نص مقدس، وللفنان الحرية في كيفية تناوله ومعالجته، وفق رؤيته. ولكن الذي خلق حالة التوتر هذه هو اللعب بين الالتزام بالنص أو معالجته من خلال روحه، وهو ما خلق حالة من التضارب في العرض، أو عدم التوازن، رغم طرافة الأفكار والتنويع في المعالجة الفنية.
العرض من أداء كل من محمد فهيم، وتامر ضيائي، وأسماء يحيى الطاهر، وأحمد السلكاوي، ومحمد حبيب، وسارة عادل، وشادي عبد السلام، وإسماعيل جمال، وأحمد سالم، ومحمود خالد، ومحمد غيث، ومنصور أمين. ديكور سالي نظمي، وأزياء مروة عودة، وإخراج المادة الفيلمية أحمد روبي. ومن إنتاج مركز الإبداع.
هو هاملت
يبدأ العرض في منزل متواضع لشاب ما بين النوم واليقظة، حجرة صغيرة، وتتواتر أصوات المذياع والضجيج الآتي من الحارة، ضجيج متابعة إحدى مباريات كرة القدم، بينما المذياع يبث تقريراً عن حقوق الإنسان في العالم العربي، ليطغى في النهاية صخب جمهور المباراة، فيستيقظ الشاب تماماً، ويهبط الحارة. وعن طريق مادة فيلمية مُصوّرة نرى رحلة الشاب، بداية من تناول إفطاره من عربة فول، والسير على غير هدى بين الأزقة والممرات الضيقة، ومُساعدة البعض في دفع سيارة مُتعطلة تعيق حركة الطريق، حتى عثوره على نص مسرحية (هاملت) ووصوله إلى محطة مترو الأنفاق ودخوله إحدى عربات المترو، وبين الزحام يبدو وهو يُطالع النَص، ويصبح في ما بعد جميع مَن يُحيطونه شخصيات العرض/النَص، فيتمثل بذلك شخصية هاملت، ويصبح، هو هاملت.
لم يختلف العرض في مضمونه عن أحداث النص الشكسبيري، من حيث الالتزام بعدد الشخصيات وطبيعتها، خاصة العم والأم وأوفيليا، حتى المشهد الأخير الذي ينتهي بقتل الجميع. ربما أراد المخرج أن يكسر حدة لغة النص الفصحى، وأن يقرّب النص من الوقت الحالي، وذلك جاء من خلال استخدام بعض العبارات العامية، والتي تصل إلى السوقية في بعض الأحيان، والتي شدّت ضحكات الجمهور لتباينها مع حالة العرض وشخصياته. الملكة الأم على سبيل المثال تتفوه بعبارات وكأنها امرأة تجتلس عتبة بيت إحدى الحارات! إضافة إلى بعض المواقف التي عالجها العرض وكأنها تحدث الآن، كرسالة هاملت العاطفية إلى أوفيليا ــ هذه العلاقة التي هي سبب جنونه كما يبدو ــ والتي يستعرضها والدها أمام الملك والملكة من خلال هاتف ابنته المحمول، حتى أنه ينفصل عن الموقف، ويقوم بعرض التليفون أمام الجمهور، وكأنه أحد باعة التليفونات في الشارع!! وقد يتوافق هذا وشخصية الرجل في الحقيقة بالنسبة للنص، لكنها جاءت في كثير من المُبالغة، مهما تفاعل معها الجمهور، فأصبحت هذه المشاهد إلى الهزل أقرب.
هاملت المصري
رغم حال التردد والعجز التي يحياها هاملت، ولا يستطيع الفكاك منها، ولا يجد سوى الحيلة للتأكد من قاتل والده ــ فكرة المسرحية داخل مسرحية، والتي أصبحت إحدى أغنيات الراب ــ يتراوح العرض بين الإيحاء والتأكيد على فكرة اغتصاب السلطة، وإعداد كافة أشكال المؤامرات للسيطرة على هاملت الذي بدأ يقترب من الحقيقة، أو الوصول إلى كيفية التخلص منه، ذلك عن طريق الخديعة فقط. الأمر هنا يمكن تأويله وصولاً إلى اللحظة الراهنة. الشاب الثوري وموقفه المأزوم، والتحايل عليه من قِبل الجميع، خاصة رأس النظام/الملك/ممثل السُلطة، والذي اغتصبها في غفلة، ولا يريد لصاحب الحق مجرّد الاقتراب منها/الثوار. الملك الذي يُقر أن الشاب سيصبح ولياً للعهد، ووريث السُلطة الشرعي، شريطة الالتزام بتعاليم الملك، وطاعة أوامره، والالتفات إلى دروسه ومواهبه والابتعاد عن السياسة و «وجع الدماغ». الخطاب هنا سلطوي بامتياز، ولا يتورع أن يدبر المؤامرات لقتل هاملت/الثوري، وحتى وإن نجح القاتل في النهاية من التخلص من هاملت وريث العرش الشرعي، إلا أنه أصبح فكرة ورمزا للكثيرين، فالحِس الثوري لا يقتصر ولا يتوقف على فرد أو شخص، ومن هنا فالفكرة لن تموت، مهما كانت قوة الحيلة وخِسة صاحبها. ليس هناك مأمن من ذلك، لا الشعب سينسى أو يغفر ولا التاريخ. هذه التأويلات تبدو مُباحة في ظِل معالجة العرض المسرحي للنص، وفي ظِل اللحظة الراهنة التي يُعرض فيها أمام الجمهور.
محمد عبد الرحيم