العرض المسرحي الراقص «قاسم أمين» لوليد عوني… العودة إلى زمن مفقود

القاهرة ـ «القدس العربي»: «قاسم أمين/تحرير المرأة» عنوان العرض الذي أقيم بدار الأوبرا المصرية على المسرح الكبير، من تصميم وإخراج وليد عوني، من خلال فرقة الرقص المصري الحديث.

العرض المسرحي الراقص «قاسم أمين» لوليد عوني… العودة إلى زمن مفقود

[wpcc-script type=”10e83eafcce43dfd8cbed04e-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: «قاسم أمين/تحرير المرأة» عنوان العرض الذي أقيم بدار الأوبرا المصرية على المسرح الكبير، من تصميم وإخراج وليد عوني، من خلال فرقة الرقص المصري الحديث.
ويحاول عوني من خلال هذا العرض استعراض تاريخ زمن التنوير العربي في بدايات القرن الفائت من خلال أشهر شخصياته، قاسم أمين وقضية تحرير المرأة لأنها من أخطر القضايا التي أقلقت الكثيرين وقتها وحتى الآن من أصحاب العقول المنغلقة، شخصية قاسم أمين إطار لحالة وعي عام أصابت مصر وبعض الدول العربية ــ عصر اليقظة العربية ــ وأُصيبت للمفارقة في وقتنا الحالي، ونحن نعيش حالة رِدّة عامة على جميع المستويات، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، رغم حالة التحرر الظاهري، إلا أن الجهل ودوغما التفكير هي التي تسيطر كمناخ عام على ما حاول قاسم أمين ورفاقه تحديث وتطوير المجتمع من أفكاره وعاداته البالية.

واقع المرأة وخيالها

عبر عدة لوحات استعراضية يحكي عوني حالة ووضعية المرأة قبل انتشار أفكار قاسم أمين، والتسلط الذكوري الذي لا يراها إلا مُجرّد دُمية، يُحركها كما يشاء. نساء يحاول الرجل دوماً إخفاء وجوههن، وحبسهن خلف رغباته، تبدو النساء وهن يتحركن في أرديتهن السوداء، معقودات الشعر، في كتلة واحدة صمّاء، يعبرن المسرح زاحفات، من دون أن تكون لهن القدرة على النهوض.
يُصاحب ذلك موسيقى ــ مُختارات موسيقية ــ حزينة ورتيبة، ما يشبه لحنا جنائزيا طويلا، وفي لحظة تجتمع فيها النساء بمفردهن يدخل قاسم أمين ــ جسد الشخصية وليد عوني ــ ليتغير الإيقاع تماماً بموسيقى احتفالية صاخبة، وتحيط به النساء وكل منهن تبدو في حالة من السعادة، وتبدأ حركاتهن التعبيرية أكثر حرية، فاليد المفتوحة المرتفعة للسماء تناقض حالة الاستجداء وطلب النجدة في البداية من قوى مجهولة. وفي خلواتهن وخيالاتهن يحاولن تبادل الأدوار، ويصوّرن انتقامهن من الرجل نتيجة أفعاله، ووضع اجتماعي يحاولن الانفلات منه بأي طريقة، ولو حتى عن طريق الحلم والتوهم.

جيل التنويريين

استعان عوني بشاشة عرض كخلفية لما يحدث فوق خشبة المسرح يستعرض من خلالها وجوه وأسماء كان لها الدور الرئيس في اليقطة العربية ببدايات القرن الفائت، مثل … رفاعة الطهطاوي، جمال الدين الأفغاني، عبد الرحمن الكواكبي، ومحمد عبده، وصولاً إلى سعد زغلول كنتاج لهذه الأفكار، وبالتالي قيام ثورة 1919، التي شاركت بها المرأة الرجل جنباً إلى جنب، لتبدو حالة جديدة وشخصية جديدة لنساء مصر والدول العربية ذات الحضارة في الأساس، مثل … هدى شعراوي، صفية زغلول، ومي زيادة. فالوعي العام إذاً هو أساس الثورة الشعبية، من دون ذلك فالحال من سيئ لأسوأ. وباستعراض دور هؤلاء والاستشهاد ببعض النصوص من كتاب قاسم أمين «المرأة الجديدة»، ليُمسك به أحد الراقصين ويطوف في دائرة وخلفه النساء مع موسيقى صوفية، وكأن الجميع في حالة وجد من حالات الصوفية. لم ينس عوني امتداد هؤلاء من خلال فنانات السينما القديرات، دولت أبيض، عزيزة أمير، فاطمة رشدي، أمينة رزق، فاتن حمامة، وهدى سلطان.
هنا تصبح الراقصات في حالة قريبة من التصالح، يبحثن عن الحب في إرادة حُرّة، ليصبح صوت أم كلثوم هو الخلفية الموسيقية للحركات التعبيرية للراقصات، ليخرج إليهن الرجال في حالة جديدة من التفاهم، وأن كلا منهما يُكمل الآخر.

الموسيقى والإضاءة واللون

المفارقة ما بين حالة النسوة قبل تحررهن وبعده هي الحالة التي سيطرت على العرض ككل، من ألوان سوداء وموسيقى تعتمد آلات النفخ والوتريات، حزينة وموحية بالوحدة والعزلة، والحركات التعبيرية للراقصات دائمأ في حالة من التشنج والعصبية والحدة، تعزز ذلك إضاءة في أغلبها خافتة، وتبدو ظلال أجساد النساء في الخلفية ككائنات ضخمة، رغم أجساد صاحباتها الضئيلة.
ينقلب الأمر في ألوان ملابس مُبهجة ومختلفة، وكأن كل امرأة أصبحت مُستقلة وتحققت في الواقع، فالمسافات بينهن مُتسعة والحركة أكثر حرية وأشد صخباً، فلا هناك حالة خوف كما كان، بل أن الفضاء حولها تتحرك فيه كيفما تشاء، وموسيقى صاخبة سريعة تعتمد الآلات الإيقاعية أكثر، هؤلاء الوحيدات الآن وشعورهن الحُر يستقبلن الرجال في سعادة حقيقية، مُبتسمات في ألوان زاهية وإضاءة قوية، توضح تفاصيل المشهد كله، وقد اختفت الظلال الضخمة الكئيبة، كأشباح فرّت إلى الأبد.

الزمن المفقود

رغم أن العرض يحاول إظهار ما كانت عليه المرأة وبالتبعية المجتمع قبل جيل قاسم أمين، وما فعلته أفكار التنويريين بعد ذلك من تغيير في بنية المجتمع المصري، وبعض المجتمعات الغربية كسوريا ولبنان بوجه خاص، ونتيجة ذلك هو دور المرأة في ثورة 1919، وامتداد هذا الدور حتى ثورة 25 يناير/كانون الثاني بما أنها ثورة شعبية في المقام الأول، بغض النظر عن النتائج، إلا أن رِدّة الوعي التي نحياها الآن أصبحت مناخاً أثقل من المناخات التي ظهر بها قاسم أمين وجيله، فقهر المرأة وتهميش دورها وما شابه من هذه المفردات والاصطلاحات البلاغية، أصبح الآن بفضل الفكر المتخلف يرى المرأة مجرد جسد مُعد للاستعمال، لا أكثر ولا أقل، ولعل حالة الشارع التي نعيشها دليل على ذلك، فالظرف الاقتصادي والتغييب السياسي هو ما جعل أفكار الصحراء تدحر التنوير ورجاله وزمنهم.

فريق العمل

محمد مصطفى، كريم عزت، محمود مصطفى، محمد عبد العزيز، أحمد محمد، نور حمدي، باهر أمجد، رشا الوكيل، إيمان رزيق، ريم أحمد، سماح مبارك، منة محمود، دينا زكي، كورو سونامي، هالة إمام، نوران فهد، عبد الرحمن حامد، وعلي يسري. صوت/خالد درويش، ديكور/شيرين سميح، نهى العلايلي، إضاءة/عصام علي حسن، سينوغرافيا وإخراج مسرحي/وليد عوني. ونتها، لأنها ترحل كلما شعرت بالاغتراب، بيد أن شفق الليل ينتظرها، وبإمكانها أن تضيئه بشعلتها، ولذلك: «فهناك المسافرون الذين يتبعون الغريب ويجدون أنفسهم مفصولين عن الأحبة. الذين سرعان ما يصبحون في أعينهم مجرد آخرين». هذا الجرح العميق، هو ما يجعل من الإنسان إنسانا، ذلك أن الجرح الذي يحدثه الحب يظل ناعما، بالقياس إلى جرح الوجود، وربما تكمن عذوبة الحب في غربته، والإنسان نفسه غريب، ولذلك فإن مصيرهما يبدأ من الأفول. فالحب العظيم هو الذي ينتهي عظيما.
كم هو رائع هذا السفر من الحب إلى اللاحب، هذا السفر اللذيذ، يشبه سفر الطبيعة لأنها تهرب من الحزن وتشتهي اللذيذ، فالحب الحقيقي يحاكي منطق الطبيعة، لأنها تهرب من الحزن وتشتهي اللذيذ، فالحب الحقيقي يحاكي منطق الطبيعة، ويجمع بين الأخيار: «لأن الأخيار لذيذ بعضهم عند بعض»، وكل واحد منهم جدير بالمحبة والثقة. أما الأشرار فإنهم لا يفرحون بالحب، بل باللذة والمنفعة، ولذلك فإن حبهم يطول طوال المنفعة، وينحل بانتهائها، وقد تجد الأخيار يسقطون في هذا الحب الذي تحركه اللذة والمنفعة، ولكن الأشياء التي تكون بنوع العرض لا تجمع كثيرا، لأن الزمان يتعقبها: «فإذا كانت انواع المحبة تنقسم في هذه، فإن أهل الرداءة سيكونون أحباء لمكان اللذة والمنفعة»، فأي حب هذا الذي يتحدث عنه الفيلسوف؟ فهل نبحث عن الأخيار من أجل نجاح تجربة الحب؟ وكيف يكون ذلك ممكنا؟ وما قيمة الحب إذا كان سيجمعك بالأشرار؟
والحال أن العشق العميق يتأسس على لذة النظر والمشافهة، إذ هم أحبوا بطول المشافهة صاروا متشابهين بالمشافهة». ومعنى ذلك أن الحوار بينهم يكون ممتعا، والاستماع إلى القصائد الشعرية والموسيقى الرومانسية، وخرير المياه، ومرور الزمان، كل ذلك يتم في حالة من الوجد، والكشوفات الروحية ذات مقامات عالية: «ولكن النافع في ذوي العشق وهم قليلو الصداقة والمشافهة وهؤلاء الذين هم عشاق لمكان النافع ينحلون». فحال الذين بينهما نفع، فإنهم لم يكونوا أصدقاء بعضهم لبعض، بل مجرد مصالح، فبانتهاء تلك المصالح يتحولون إلى غرباء، أو أعداء.
ولذلك فإن ميتافيزيقا العشق مركبة من ضدين، من المستحيل الحفاظ على حميميتهما النظر والخدمة: «العاشق والمعشوق لا يلتذان بشيء واحد، بل أحدهما يلتذ بأنه يرى الآخر، والآخر بأن العاشق يخدمه، وإذا نقصت الساعة، يعني الحال، ربما نقصت المحبة أيضا، من أجل أنه لا يكون النظر لأحدهما لذيذا، ولا تكون الخدمة للآخر».
هكذا يكون للحب الرديء، الذي يجمع بين ذوي الرداءة، لأنه تجربة خارج الوجود، مجرد عرض، يتحرك على هوامش الزمان، مادام أنه ينطلق من ثنائية النظر العابر، والخدمة المؤقتة، ذلك أنه عبارة عن مرض نرجسي، فالعاشق للذة لابد أن يقدم الهدايا ويشتري القدر المحتاج إليه من اللذة، والذي يكون محتاجا لهذه الهدايا يقدم نفسه كسلعة يتم استهلاكها، إنها مفارقة غريبة، تسيطر على هذا العصر، الذي فقد لكل القيم، وأضحى الحب فيه يشعر بالاغتراب، ولذلك فإنه عاد إلى أصله، وترك هذا الجيل يلتهم العواطف بشراهة. يا للروعة أن تكون الكتابة مجرد شهادة للشهادة، وقد قيل للفيلسوف والطبيب الرازي، حين أصيب بالعمى، يا أيها المعلم، لقد ظهر في الفرس طبيب بارع في مداوة علتك وستشفى قريبا، فأجابهم، بثقة عالية، لقد شهدت من الدنيا حتى مللت منها، ونحن سنحكي ما شهدناه في هذا الكتاب، إنه كتاب الحب الضائع.

كاتب مغربي

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *