العرض المسرحي المصري «سيد الوقت»: جرائم السُلطة التي لا تنتهي بمباركة رجال الدين
[wpcc-script type=”d8a5f9a55cb1b5848d9fb09d-text/javascript”]
القاهرة ـ «القدس العربي»: حالة الجهل الدائم التي عاشها ولم يزل يعيشها المجتمع العربي والإسلامي، والتي يحاول الحفاظ عليها كل رجل سُلطة، بمشاركة سُلطة أخرى كهنوتية تتمثل في رجال الدين، هي سبب الكثير من الجرائم التي ارتكبت ولم تزل في حق هذه المجتمعات طوال تاريخها. ويحاول العرض المسرحي «سيد الوقت»، الذي عُرض مؤخراً على مسرح الغد في القاهرة أن يتطرق لمناقشة هذه القضية.
العرض مأخوذ عن النص المسرحي «ليلة السهروردي الأخيرة» للشاعر فريد أبو سعدة، ورؤية وإخراج ناصر عبد المنعم. ويتعرض لمحنة فيلسوف التصوف، شهاب الدين السهروردي، الذي قتل بأمر من صلاح الدين الأيوبي، بوشاية من فقهاء مدينة حلب.
العرض بطولة كل من … وائل إبراهيم، سامية عاطف، تامر نبيل، معتز السويفي، محمود الزيات، صلاح السيسي، حسن عبد الله، حازم عبد القادر وزياد إيهاب. ديكور وأزياء نادية المليجي، رؤية موسيقية شريف الوسيمي، تصميم حركي رجوي حامد.
الحادثة التاريخية
عاصر السهروردي المولود عام 1155نهاية الدولة الفاطمية، وتأسيس صلاح الدين لدولته، الذي رأى أن آراء السهروردي، ومَن على شاكلته، من الأخذ بالفلسفة والقول بتأويل النص، سيخلق الجدل وبالتالي سيعرقل مشروعه، خاصة أن صلاح الدين ليس كصورته المعروفة إعلامياً، بل قضى على كل مظاهر الدولة الفاطمية، حتى أنه أغلق الأزهر ــ معقل الفكر الفاطمي ــ وقيل إنه ارتكب من الفظائع أكثر مما ارتكبه الفرنسيون وقت حملتهم على مصر.
الأمر الآخر أن ابن صلاح الدين نفسه «الملك الظاهر» كان من أتباع السهروردي، وجاء الأمر من أبيه بأن يقتل هذا المتصوف، الذي ارتأى أنه بأفكاره سيهدم دولته الناشئة! وربما للغة التي استخدمها السهروردي كحال المتصوفة وقوله ومجادلته من الفقهاء الرسميين بأن قدرة الله غير المحدودة قادرة على خلق نبي آخر، وهو ما رأى البعض أنه قول يفضي إلى نهاية نبوة محمد. غير أن بعضهم عللها بأن قدرة الله لا تنتهي عند حد من الحدود، ولكن الاعتقاد ببقاء باب النبوة مفتوحاً بعد محمد يعد بمثابة نهاية للإسلام، وأخيراً رآه البعض قولاً افتراضياً عن قدرات الله غير المحدودة.
ومن ناحية أخرى اعتقد فقهاء حلب واجتهدوا بالوشاية لدى صلاح الدين بأن الرجل يرتبط ارتباطاً وثيقاً بأفكار القرامطة، الجماعة المعادية لمؤسس الدولة الأيوبية. فالقضية والصراع سياسي بالأساس. وانتهى الأمر إلى الحكم على السهروردي بالموت، ويروى أن الظاهر الأيوبي خيّره في أمر موته، فاختار الرجل أن يحبس من دون طعام وشراب حتى يهلك، فمات وهو دون الثامنة والثلاثين من عمره.
العرض
انصب اهتمام النص على القضية الفكرية والسياسية التي دفع الرجل حياته ثمنها، من حيث محاولة الخروج عن السائد من خلال فلسفة التأويل، وجيوش المنتفعين وراء إخفاق أي محاولة من محاولات التجديد أو تخطي الحدود التقليدية. فانصب العمل، وكما جاء من اسم النص، على الليلة الأخيرة في حياة السهروردي. وهي إشارة لما يحدث في وقتنا الراهن من محاربة أي فكر مختلف بالإقصاء أو القتل، فما استدعاء هذه الشخصية التاريخية إلا لمناقشة قضية راهنة، لذك ورغم فلسفة الشخصية الرئيسة في النص ــ فلسفة الإشراق ــ إلا أن التعبير عنها جاء خافتاً تماماً خلال العرض، فقط بعض المظاهر التي تلائم العرض المسرحي من بعض الرقصات التعبيرية التي تصبح كخلفية للمشهد، أو غناء بعض الأشعار الصوفية من كلمات السهروردي نفسه أو ابن الفارض، لإضفاء حالة من وحي الشخصية، وكذلك تنوع بصري وحركي يتناسب وشكل المسرح. وما يؤخذ على العرض نفسه هو المباشرة في تحقيق مقولة العمل، بأن يأتي ذكر مؤلفات ومصير فرج فودة أو نصر حامد أبو زيد، هذه الشخصيات التي تحولت بدورها إلى أيقونات يتم استخدامها كيفما اتفق، سواء بمبرر أو بدون. هذه المباشرة يبدو أن بها الكثير من الفجاجة الفنية، ومحاولة لشد المتلقي من أذنه حتى يستمع لما يُقال، وكأنك تضع الخطوط أسفل جملة أو عبارة معينة في كتاب!
الإخراج المسرحي
يجتهد المخرج ناصر عبد المنعم في أعماله بخلق تشكيل بصري متفهم لحالة النص، ويؤكد عليها خلال كل مشهد أو لوحة درامية، إن جاز التعبير، من خلال حركة الممثل والإضاءة والموسيقى، وبالتالي خلق تكوين دال يؤكد النص ومقولاته. كأن يقف رجال الدين في كتلة واحدة صماء أمام شخصية السهروردي الوحيد والأكثر حرية منهم، سواء في الحركة أو مواجهتهم أو تعبيرات الممثل الجسدية، إضافة إلى التوسل بالرقص التعبيري والغناء المواكب للمشهد، وهو بذلك يخلق مستويات متعددة في الرؤية البصرية والدرامية للنص المسرحي.
محمد عبد الرحيم