الفنانة السورية لين أديب… حين تصبح الموسيقى دواء للأرواح
[wpcc-script type=”44eae81df22b8fb0a4f8ab6f-text/javascript”]

«هي ضرورة كالتنفس، وغذاء روحي كما الصلاة، وفعل لا غنى عنه للتواصل مع الآخرين».
افتتاحية لحوار «القدس العربي» مع الفنانة السورية لين أديب، كافية للبدء باستكشاف عوالم مختلفة عن معظم الأنماط الموسيقية السائدة اليوم في عالمنا العربي، ولعلّ ما يميزها هو الخلطة الفريدة بين القوالب الشرقية والغناء الشعبي العربي، وموسيقى الجاز، والترتيل البيزنطي، التي تنجح لين في مزجها وتقديمها للجمهور بأسلوبها الخاص. الفنانة الثلاثينية، التي درست الصيدلة في سوريا وانتقلت منذ حوالي عشرة أعوام إلى فرنسا، حيث نالت درجة الماجستير في التشخيص المخبري، اختارت المعهد الإقليمي الموسيقي CRR في باريس لاشباع شغفها الفني ودراسة موسيقى الجاز، منطلقة بذلك نحو عوالم وآفاق جديدة.
نزاع بين الهوية العلمية والفنية
بدأت رحلتها مع الفن منذ عامها الرابع حين انضمت لجوقة الفرح الكنسية في دمشق، وهناك اختبرت تجربة الوقوف على المسرح أمام الجمهور، خاصة خلال بعض الأغاني التي كانت تؤديها بشكل فردي: «كانت أحاسيسي في تلك الفترة مكثفة للغاية، وكان وصفي لها وأنا في تلك السن بأنها تشبه إحساس من يركب داخل سيارة تسير بسرعة كبيرة. ذلك التواصل اللحظي والمؤقت مع الجمهور الذي يشاهدني ويتفاعل معي له مفعول أشبه بالمخدر، ومنذ ذلك الحين تحوّل وقوفي على المسرح إلى حاجة. إلى فعل أشبه بالرياضة الروحية لا يمكنني الاستغناء عنه، وذلك بعيداً عن تلك الرغبة التي تنتاب الإنسان بتسليط الأضواء والحصول على أي نوع من أنواع الشهرة».
التجربة الموسيقية امتدت مع لين حتى دخولها المعهد العربي في دمشق لتعلّم العزف على آلة الفلوت، ومشاركتها كمغنية مع العديد من الفرق السورية، ثم تعرّفها إلى عالم موسيقى الجاز عن طريق الموسيقيين الذين كانوا يحضرون للعاصمة السورية للمشاركة في مهرجانات الجاز التي كانت تقام كل صيف في قلعة دمشق، بالتزامن مع دراستها الصيدلة في جامعة دمشق.
«افتتنتُ بعالم الجاز بما فيه من تقنيات الارتجال وتناغم الأصوات وتحدّي الألحان والكلمات التي لا تكون سهلة على الدوام. وبعد تخرجي قررت السفر إلى فرنسا لمتابعة دراستي في الصيدلة، وأيضاً لدخول عالم الجاز من أوسع أبوابه. كان ذلك أشبه بنزاع بين هويتين استمرتا في التواجد في حياتي حتى اليوم».
نمط موسيقي فريد
دراسة لين لموسيقى الجاز لمدة عامين في المعهد الموسيقي الحكومي في باريس، أتاح لها البدء بتشكيل نمطها الخاص الذي تستوحيه من كافة التيارات الموسيقية التي تعرضت لها أو تعلمتها منذ طفولتها، فهو بالتالي نمط فريد يميزها دوناً عن غيرها من المغنيات، حيث يحتوي عناصر من الغناء الروحاني البيزنطي، والموسيقى الشعبية بمختلف جذورها كالعربية والإيرانية والكردية، وأيضاً الجاز بما فيه من إمكانية للارتجال وحرية في الإبداع. وبذلك بدأت الفنانة بتأليف قطع موسيقية شرقية حديثة، أو إعادة توزيع قطع جاز أساسية مع أدائها بكلمات عربية من كتابتها، إلى جانب توزيع جديد لتراتيل قديمة بمشاركة آلات مختلفة. بعد ذلك أسست فرقتها الخاصة «رباعي لين أديب»، حيث يرافق غناءها عازفو البيانو والإيقاع والكونترباص، وأطلقت الفرقة ألبومها الأول «يمّا Youmma» هذا العام.
وهي تعتبر أن تجربتها بتداخل الكلمات العربية مع موسيقى الجاز الغربية صعبة وفريدة في آن معاً، فاللغة العربية تبدو للوهلة الأولى صعبة التناسق مع لحن غربي، لكنها في الوقت نفسه تمتلك مرونة كافية لجعل هذا التناسق ممكناً. وتتمسك المغنية بخيارها هذا، رغم صعوبة تقبله من الجمهور غير الناطق بالعربية إذ تشعر بأن هذه اللغة هي الوحيدة القادرة حتى الآن على التعبير عنها وعن أحاسيسها وحالتها النفسية. وخلال العامين الأخيرين، أحيت لين مع فرقتها، أو مع فرق موسيقية أخرى عشرات الحفلات في أوروبا ولبنان، حاملة معها مشروعها الموسيقي أينما حلّت. «موسيقانا هي أشبه برحلة من الارتجال والانتقال بين المقامات الشرقية والغربية، ما يدفعني لتشبيهها بجسر يربط بين عالمين مختلفين للغاية.
أما التراتيل فباتت جزءاً لا يتجزأ من أعمالي وأحرص في كل حفل على أداء واحدة أو اثنين منها فهي نوع من التواصل بيني وبين شيء غير مرئي لكنه أكبر منا جميعاً»، تضيف الفنانة في حديثها.
بين الجمهور
العربي والغربي
تصف لين نمطها الموسيقي بأنه غير تقليدي ونخبوي إلى حد ما، وبذلك يصعب تقبله من كل المستمعين، ويختلف هذا التقبل بطبيعة الحال وفق المكان. فالجمهور الغربي يمتلك فضولاً لاكتشاف هذه الفنانة القادمة من بلد لا تصدر عنه سوى أخبار الحرب والدمار، وأيضاً لاكتشاف إمكانية توظيف اللغة العربية بطريقة تخلق طرقاً جديدة للتواصل مع عالم غامض بالنسبة لهم، ولا يعرفونه سوى من وراء الشاشات أو صفحات الجرائد. وأمام الجمهور العربي، تحرص الفنانة على تقديم صوتها كآلة تشبه غيرها من الآلات الموسيقية، وبذلك تشبع جزءاً من رغبة قسم كبير من هذا الجمهور بتلقي أنماط موسيقية جديدة بعيدة عن الاهتمام السائد بالشكل والمظاهر. ورغم ذلك، يبقى الغناء بالنسبة إليها مريحاً أكثر خارج إطار العالم العربي، حيث تشعر بأن القيود والتقييمات التي تتعرض لها أي فتاة تغني، هي أقل بدون شك.
وفي الحالتين، تتمنى لين إيصال رسالتها بأن الفن هو علاج الروح، وهو وسيلتها لتعلم أنها تضيء نوراً صغيراً في الدرب المظلم والطويل الذي تسير فيه سوريا اليوم بعد سنوات الحرب والدمار.
زينة شهلا