الفن التشخيصي ومفرداته في أعمال المغربية شريفة رابح
[wpcc-script type=”c98db555574b231aea0935e0-text/javascript”]
استطاعت المغربية شريفة رابح أن تصنع مفردات تشكيلية جديدة بمقومات فنية عميقة الدلالات وبأسلوب تحديثي، تتخذ منه مادة لبناء شخوصيات متنوعة المضامين ببعد فني رائق، وهي توظف لذلك تجربتها الرائدة في الفن التشخيصي، بتحويل أبجدية الواقع بحسية وأسلوب تعبيري غزير الدلالات، تجعل منه عنصرا فاعلا تتحكم بواسطته في الفضاء عبر مجموعة من الأشكال والألوان الدقيقة. فالفنانة شريفة رابح تبني عملها الجاد في فضاء يسمح بخروج المادة التشكيلية إلى حيز الوجود الحسي والبصري بكثير من المهارة والتقنيات العالية، وهو ما تتوفر عليه الفنانة المبدعة وما تسمح به خبرتها الرائدة في الحركة التشكيلية المعاصرة. بل إنها تعمل جادة لصنع أشكال شخوصية مبتكرة وذات معان، على خامات ناعمة، وتوظف تقنيات هائلة لمزج الألوان ووضعها بشكل دقيق ومنظم، كونها تتخذ من التعبير اللوني والشخوصي، على حد سواء، مادتين أيقونيتين للتعبير عن خلجاتها وما يجيش به شعورها، وفق تصورات فنية عميقة الدلالات.
وتعتمد طرائق متعددة لصنع مجموعة من العلاقات الجدلية، فتسخر لها رصيدا من الأشكال والألوان والتقنيات العالية، كوسيلة للتعبير وفق صور فنية معاصرة، تروم البعد الجمالي من جهة، وتتغيى الاستجابة للأبعاد الرؤيوية الشخصية للفنانة المبدعة بما تختص به ضمن النسيج الثقافي، والرصيد المعرفي التشكيلي لديها. إن أعمال شريفة رابح تتسم بجمالية لامحدودة، وبلغة تشكيلية شخوصية تنتج عن الرسومات اللونية بتعدد مفرداتها، وبتعدد الألوان والأشكال التي تبعث الحركة، والتي توحي بالحياة والتفاؤل في سياق واقعي وإبداعي وجمالي، فأعمالها تترابط على نحو جمالي يرصد الواقع بخلفيات فنية ودلالية، تعج بالإيحاءات والإشارات والدلالات التي تعزز الوجود الواقعي وترقى بالمادة التشكيلية إلى مستوى يباشر البصر والإحساس على حد سواء.
كما أن الأساليب التحاورية، والأدوات التحولية، وبعض الأشكال التعبيرية، والتداخلات العلاماتية، والاستعمالات اللونية المنسجمة مع كل مكونات وعناصر أعمالها تدعم المجال التعبيري الحديث، والمسار الإبداعي المعاصر، فضلا عن الأبعاد الفلسفية من خلال عملية التوظيف الانطباعي بخلفيات وتصورات فلسفية عميقة الدلالات. وتكمن سحرية الفن الشخوصي المعاصر لدى الفنانة شريفة رابح في نهلها من خزان من الأشكال والوجوه والألوان المتنوعة، وهي في عمقها عناصر تُفضي إلى تحويل أشياء الواقع وعناصره إلى وحي جمالي وإحساس مغاير، برؤية فنية مغايرة منبثقة من الواقع ومنزاحة عن المألوف، وفق طقوس ومفردات فنية لا تنحصر، لأنها تستمد وجودها من خزان ثقافي ومعرفي متعدد المناحي والتوجهات. ويعد هذا في واقعها التشكيلي إرساء لمقومات العمل الفني المبني على أسس من المعرفة والثقافة التشكيلية المعاصرة. وإن لجوء الفنانة شريفة رابح للمنحى المعرفي والفلسفي والثقافي هو في الأصل لجوء إلى عالم فني جديد بمكتسبات حضارية.
فلوحاتها تنطق بأشكال وعوالم جديدة، ذات منحى فني تفاعلي يدحض البناءات الفراغية، وتصنع مجالا تراكميا، مختلف الألوان ومتنوع العلامات، بتدقيق ونظام واختيارات موفقة، وهي ميزات تشع بوادرها في إبداعات الفنانة شريفة رابح، وفق جماليات متنوعة، سواء على مستوى التقنيات المستعملة أو على مستوى المادة اللونية أو الأشكال بكل عناصرها الإبداعية أو على مستوى التعبير الفني الشخوصي، خصوصا أن التعبير هو حتمية مصيرية في الثقافة الفنية، أو على مستوى التصورات والرؤى التي تنطق بالجديد. ففي هذا الدور يكمن سر المعاصرة وحداثة الأسلوب. وهو ما يجعل القارئ يجول بعمق في أعمالها لاكتشاف عوالم جديدة تساعد على فهم عالمها الإبداعي.
لقد استطاعت الفنانة شريفة رابح أن تثبت فنيا ما حملته تجربتها الرائدة من تقنيات جديدة للتدليل عن تصوراتها الرائقة، من خلال تعبيراتها بالشخوصات والألوان والأشكال المتنوعة، وبمفردات لغتها التشكيلية الخصبة لتؤثث أسلوبا رائدا في مجالها الفني الرائع.
٭ ناقد مغربي
محمد البندوري