الفيلم الوثائقي «راشيل» لسيمون بيتون: حكاية المناضلة الأمريكية ضد الصهيونية

القاهرة ــ «القدس العربي»: منذ أيام مرّت ذكرى وفاة الناشطة الأمريكية راشيل كوري (10 نيسان/أبريل 1979 ــ 16 اذار/مارس 2003) التي قُتلت من قِبل جيش الاحتلال الإسرائيلي عند محاولتها إيقاف جرافة عسكرية تابعة للقوات الإسرائيلية كانت تقوم بهدم مباني للفلسطينيين في مدينة رفح في قطاع غزّة. ففي كانون الثاني/يناير عام 2003 وصلت راشيل إلى قطاع غزة، وهي في الثالثة والعشرين من عمرها، جاءت من مدينة أولمبيا في ولاية واشنطن، لتنضم إلى ناشطين من أعضاء «حركة التضامن الدولية» وهي منظمة تأسست لدعم المقاومة الفلسطينية السلمية ضد الاحتلال الإسرائيلي. ورغم إثبات الواقعة، فقد برأت المحكمة المركزية الإسرائيلية في مدينة حيفا الجيش الإسرائيلي من المسؤولية عن قتلها. رغم ذلك تحولت كوري إلى أيقونة ورمزاً نضالياً استوحى منه الكثيرون هذه الروح الإنسانية، حتى أن ذكرى وفاتها أصبحت مناسبة للتنديد بسياسات الكيان الصهيوني والمجازر التي يرتكبها ضد شعب أعزل. كذلك كان حادث كوري سبباً في أعمال فنية متنوعة من تشكيل ومسرح وأفلام سينمائية. وربما من أهم هذه الأفلام هو الوثائقي «راشيل» الذي أخرجته الفرنسية مغربية الأصل سيمون بيتون، التي ولدت في المغرب لأسرة يهودية عام 1995 ثم هاجرت عام 1966 مع أسرتها إلى إسرائيل، قبل أن تغادر إلى فرنسا لدراسة الإخراج السينمائي، وقد شاركت من قبل فعلياً كجندية في الجيش الإسرائيلي في حرب أكتوبر 1973 ثم تحوّلت إلى نصيرة للسلام، وقامت بإخراج مجموعة من الأفلام الوثائقية، التي تدعو إلى التعايش السلمي في هذه المنطقة المتوترة من العالم، منها «الجدار» و»بن بركة» و»محمود درويش» و»المواطن بشارة» و»الاعتداء بالقنابل».

Share your love

الفيلم الوثائقي «راشيل» لسيمون بيتون: حكاية المناضلة الأمريكية ضد الصهيونية

[wpcc-script type=”03c2d3d9c11721a9a88ef433-text/javascript”]

القاهرة ــ «القدس العربي»: منذ أيام مرّت ذكرى وفاة الناشطة الأمريكية راشيل كوري (10 نيسان/أبريل 1979 ــ 16 اذار/مارس 2003) التي قُتلت من قِبل جيش الاحتلال الإسرائيلي عند محاولتها إيقاف جرافة عسكرية تابعة للقوات الإسرائيلية كانت تقوم بهدم مباني للفلسطينيين في مدينة رفح في قطاع غزّة. ففي كانون الثاني/يناير عام 2003 وصلت راشيل إلى قطاع غزة، وهي في الثالثة والعشرين من عمرها، جاءت من مدينة أولمبيا في ولاية واشنطن، لتنضم إلى ناشطين من أعضاء «حركة التضامن الدولية» وهي منظمة تأسست لدعم المقاومة الفلسطينية السلمية ضد الاحتلال الإسرائيلي. ورغم إثبات الواقعة، فقد برأت المحكمة المركزية الإسرائيلية في مدينة حيفا الجيش الإسرائيلي من المسؤولية عن قتلها. رغم ذلك تحولت كوري إلى أيقونة ورمزاً نضالياً استوحى منه الكثيرون هذه الروح الإنسانية، حتى أن ذكرى وفاتها أصبحت مناسبة للتنديد بسياسات الكيان الصهيوني والمجازر التي يرتكبها ضد شعب أعزل. كذلك كان حادث كوري سبباً في أعمال فنية متنوعة من تشكيل ومسرح وأفلام سينمائية. وربما من أهم هذه الأفلام هو الوثائقي «راشيل» الذي أخرجته الفرنسية مغربية الأصل سيمون بيتون، التي ولدت في المغرب لأسرة يهودية عام 1995 ثم هاجرت عام 1966 مع أسرتها إلى إسرائيل، قبل أن تغادر إلى فرنسا لدراسة الإخراج السينمائي، وقد شاركت من قبل فعلياً كجندية في الجيش الإسرائيلي في حرب أكتوبر 1973 ثم تحوّلت إلى نصيرة للسلام، وقامت بإخراج مجموعة من الأفلام الوثائقية، التي تدعو إلى التعايش السلمي في هذه المنطقة المتوترة من العالم، منها «الجدار» و»بن بركة» و»محمود درويش» و»المواطن بشارة» و»الاعتداء بالقنابل».

التحقيق الدرامي

تنفي سيمون بيتون بداية أن يكون فيلمها حكاية تفصيلية عن راشيل، ولكنه تحقيقاً سينمائياً لطبيعة الحياة فوق هذه الأرض التي زارتها راشيل، ودفعت حياتها ثمناً لهذه الزيارة. فالأكثر من عملية القتل البشعة لراشيل، هو سياسة الهدم المنهجية التي تمارسها العسكرية الإسرائيلية ليل نهار في قطاع غزة، وإطلاق النار والقتل المجاني الذي يتداوله الجنود بين المواطنين الفلسطينيين، مما يوضح سبب الاهتمام الكبير الذي يقابل به المتضامنين الأجانب، الذين يتواجدون في المنازل الفلسطينية، على أمل أن يشكل ذلك سبباً للجيش الإسرائيلي لعدم إطلاق الرصاص والقذائف على هذه المنازل. وبسؤال سيمون عن شخصية بطلة فيلمها، أشارت أنها أعدت للفيلم خلال ثلاث سنوات، كان دافعها بالطبع هو حادثة موت راشيل، ولكن ما تريده أكثر من مجرد حادثة موت هذه الفتاة الغريبة عن هذه الأرض، ولطرح أفكارها كان لابد من وجود شخصية كراشيل أصبحت درامية بالمصادفة السيئة، كما كان اختيارها كشخصية محورية هو الالتفاف على شركات الإنتاج التي ما كانت لتقبل بتمويل الفيلم، إذا دار حول شخص فلسطيني أو فلسطينية من أبناء غزة.
تسرد بيتون فيلمها عن طريق ما يسمى بالتحقيق الدرامي، واستعراض وجهتي النظر المتناقضة تماماً من خلال شهادات حية لكل من أصدقاء راشيل من المتضامنين والناشطين السياسيين الأجانب الذين كانوا معها في رفح ولفلسطينيين استضافوها في بيوتهم، بالإضافة إلى شهادات عدد من جنود وضباط في الجيش الإسرائيلي. وهو أسلوب سردي معهود في مثل هذا الشكل من أشكال السرد السينمائي. ومن خلال هذه الطريقة في المعالجة الدرامية يصبح المشاهد وكأنه يرى تحقيقاً جنائياً حياً حول واقعة موت راشيل، وما يحيطها من ظروف وملابسات وواقع مؤلم.
فبينما تنفي تماماً السلطة الإسرائيلية جريمة القتل العمد التي قام بها سائقا الجرّافة، وقد نفيا تماماً رؤية راشيل وهي قريبة من الجرافة، لصعوبة الرؤية وتشوشها. كما أسفر التحقيق الذي أجراه الجيش الإسرائيلي عن أن ما جرى كان مجرد حادث. يؤكد أهل المكان من الفلسطينيين، وكذلك أصدقاؤها ممن كانوا معها أن عملية القتل كانت عن عمد، لأنها تقدمت من الجرافة أكثر من الجميع، بهدف منعها هدم أحد المنازل. كما تم سرد بعض التفاصيل من خلال حكايات الشخصيات التي ظهرت في الفيلم كصديقة راشيل التي رافقتها إلى مستشفى أبو يوسف النجار في رفح التي تقول إن «كل الإعلام كان مهتماً بما جرى مع صديقتنا راشيل، كان يريد أن يعرف كل شيء عنها، بينما لم يهتم الإعلام بفلسطيني في الوقت نفسه قتل برصاص قناص إسرائيلي، فقط لأنه كان يريد أن يدخن سيجارة على شباك منزله.» وفي لقاء مع طبيب التشريح في تل أبيب يقول «بالرغم من طلب والدي راشيل عدم إجراء تشريح للجثة لمعرفة أسباب الوفاة إلا بحضور ممثل من السفارة الأمريكية، إلا أن السفارة أبلغتنا أنها غير معنية بإرسال ممثل عنها لحضور عملية التشريح».

التسلية بالقتل

في حوار مع أحد جنود الاحتلال كان يتواجد سابقاً في المنطقة التي وقع فيها الحادث. ربما يبدو اللقاء للوهلة الأولى خارج سياق الفيلم، إلا أنه يؤكد على رؤية مخرجته ووجهة نظرها، التي انبنت على الشهادات والرؤى المتناقضة، فالجندي الذي يضع وجهه أمام الحائط أثناء حواره، كان شكلاً رمزياً للعار الذي يلاحقه، أكثر من خشيته ظهور وجهه على الشاشة. فقد قامت المخرجة بتوجيه بعض الأسئلة القاسية، ليرد الجندي بإجابات أشد قسوة: «كنا نطلق النار لنتسلى على النوافذ والواجهات، كنا نطلق النار على خزانات المياه لنستمع إلى صوت الماء المتدفق منها.» وفي رده على إن كان قد قتل فلسطينيين، قال «نعم قتلت أناساً كثيرين، لا شك كان بينهم أطفال ونساء». الأمر يبدو بالنسبة لجنود الاحتلال بديلاً عن ألعاب الفيديو جيم الشهيرة، فقط لتمضية الوقت، وكسر حالة الملل، فقط أصبح الموت لعبة حقيقية يمارسها الجنود، دون أي هدف سوى التسلية بأرواح الفلسطينيين.

المنسيون

بعبارات صديقة راشيل حول تحرك الإعلام لموت صديقتها، وتجاهله الأمر إذا كان الضحية من أصحاب الأرض، تحاول بيتون على حد قولها أن تتخذ من حالة راشيل رمزاً قائلة «إن موت راشيل الأمريكية رمز في حد ذاته، لأن موتها يجعلنا نفكر في مصير الضحايا المنسيين، ولسان الحال يقول: إذا كان الإسرائيليون يستهينون بحياة الإنسان الأمريكي إلى هذا الحد، وإذا كانت فتاة أمريكية شقراء مثل راشيل، لا يحاكم قاتلها أو ينال جزاءه، وإذا كان الإسرائيليون يزيفون الحقائق حتى مع أصدقائهم الأمريكيين، فماذا يمكن أن نقول إذا كان الضحية فلسطينيا؟».

الفيلم الوثائقي «راشيل» لسيمون بيتون: حكاية المناضلة الأمريكية ضد الصهيونية
في ذكرى راشيل كوري
محمد عبد الرحيم
Source: alghad.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!