القهوةُ كعملٍ منزلي للوحدة
[wpcc-script type=”b6dd07f47207ebd2332ff037-text/javascript”]
أصنعُ القهوة
أكثر عمل منزلي أجيدهُ كربةِ منزل
أصغي لرائحةِ المرارة وهي تغلي
كما تشبهُ تلك المرارة القديمة التي لدغت قلبي حينما غادرت البلاد منذ أكثر من عأمين
أُحركُ حبات البن المطحونة بملعقةِ القهوة الصغيرة بهدوءٍ
كما كنتُ أحركُ ستائر آخر منزل غادرتهُ
الحركةُ علامة مغادرة دائماً
الأشياء التي تبقى على حالها لا تغادر، تبقى ثابتة وأزلية في حياتنا
لكن الحركة تشي تلقائياً بفعلِ الرحيل والتغير
فإن نحركَ البن في قعرِ الركوة نحنُ نجهزهُ لمغادرة عالمهِ البدائي لشكلٍ آخر
أن نحركَ ستائر منازلنا قبيل مغادرتنا بخفةٍ تشبه الخفة التي يغادر فيها الرجال النساء
ولا ننظر وراءنا مرة أخرى.. فقط الستائر تبقى تتحركُ بهدوء كلما داعبتها الريحُ كآخر تذكارٍ من يدنا المغادرة.
اصنعُ القهوة أقل الأعمال المنزلية تعباً
وأضحك مع البن المطحون وهو يحدثني بهمهمةٍ لا يفهمها إلا الوحيدون
عن ذاكرة أخرى تضجُ بفناجين قهوة كانت تقدم على سرير الحب
عن فناجينِ قهوة تسرد قصص النميمة الصغيرة لنساء العائلة
عن فتوحات رجالها الغرامية، عن مدنٍ لها مزاج القهوة في ظهيراتِ تموز الحارقة
أفرغ القهوة في فنجاني الأبيض
اختار دائماً للقهوةِ لون البياض ليكسرُ حداد سواده الأزلي
الذي يغلفُ حياتنا ومدننا منذ سنوات
بياضٌ لهُ ابتسامة حُب لم يكتمل لفرط هشاشتهِ
أضعُ القهوة على طاولتي..
أصغي لأخي وهو يحدثني من مدينة حلب
عن الوضع الأمني والمعيشي الصعب..عن منزلنا القديم وغرفتي وكتبي
والغبار الذي عشش بكل زواياهُ «لقد تحول منزل العائلة إلى منزل ٍ للوحدة»
عن سعر تذكرة السينما المرتفعة، السينما التي تستطيعُ أن تبصق في وجه الحروب
بقبلةٍ سينمائية أو ضحكة بطل فيلمٍ أمام النهر.
أرتشفُ أول رشفة من القهوة وأهمهم لأخي :
عليك أن تخرجَ من البلد
عليك أن تخرجَ من البلد
أضع فنجان القهوة أمامي
أنظرُ اليهِ وأبعدهُ.. لقد تجرعتُ ما يكفي من المرارة هذا النهار
كاتبة سورية
وداد نبي